بصيص أمل شع نوره في لبنان المنهار مع خطاب رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، هذا الخطاب التاريخي الذي تناول كل الأزمات التي تعاني منها البلاد منذ عقود مضت، ففي أواخر العام 2019 جاءت الأزمة المالية والاقتصادية، التي صنفت ضمن أسوأ ثلاث أزمات عالمية منذ منتصف القرن التاسع عشر عاصفة بالبلاد، مما أدى إلى انهيار العملة الوطنية التي فقدت ما يزيد على 95% من قيمتها، الامر الذي أفقد مداخيل اللبنانيين، وبخاصة الموظفون منهم قوتها الشرائية،لا سيما منها ما هو بالليرة اللبنانية، هذا الانهيار تزامن مع تعثر القطاع المصرفي واحتجاز المصارف لمدخرات المودعين وتحديد سحوباتهم بمبالغ متواضعة، لا تلبي سوى جزء يسير من مصاريفهم اليومية.
المتضررون من هذا الانهيار الكبير كثر، وفي مقدمتهم موظفو ومتقاعدو القطاعين العام والخاص، حيث أصبح العدد الأكبر منهم تحت خط الفقر، نتيجة التضخم الذي قضى على قدرتهم الشرائية، وبات القطاع العام والخاص عاجزا عن التعويض على موظفيهم قيمة الانخفاض في قوة رواتبهم الشرائية او جزء منه على الأقل، لتمكينهم من الاستمرار في القيام بواجباتهم الوظيفية وتلبية احتياجاتهم الحياتية.
الجدير بالذكر أن الرواتب التي يتقاضاها العاملون في لبنان، وهم الأكثرية من بين الأدنى في العالم، باتت شبيهة برواتب موظفي أفقر الدول، وذلك بحسب الدولية للمعلومات، ووفق بيانات البنك الدوليالذي اكد ان 70% من المواطنين يعانون من الفقر.
وضع الموظفين في لبنان ليس أفضل حالاً من وضع العاطلين من العمل، فقد تراجعت قيمة رواتبهم إلى الحد، الذي لم تعد تكفي لتأمين احتياجاتهم الأساسية، لا سيما رواتب العاملين في القطاع العام، منهم حسام الذي قال "لكل من اسمه نصيب وهو أخذ كل شيء من اسمه ما عاش، وراتبي لم يعد يكفي حتى للحاجات الأساسية"، ليضيف أن "مستويات المعيشة وصلت إلى الحضيض، وبخاصة لذوي الدخل المحدود كموظفي القطاع العام، جراء ارتفاع الأسعار الجنوني، حيث وصل بعض منها 5 أضعاف سعره، وتراجع قيمة الليرة أمام الدولار، ما أدى إلى تراجع القوة الشرائية للمواطن بشكل كبير خلال الأزمة"، مضيفاً "منذ الأزمة الاقتصادية أعمل بالسخرة، فإذا كان الراتب يكفي فقط لتأمين لقمة العيش، يكون الإنسان عبداً وليس موظفاً فكيف إن كان لا يكفي لذلك حتى"؟
"أصبح كل أفراد العائلة في اضطرار الى العمل برواتب متدنية، من أجل مدخول شهري كان يحصل عليه فرد واحد منهم سابقاً، فالأسعار ارتفعت إلا أن الرواتب بقيت على حالها، ولم تعد كافية لتوفير احتياجات أسبوع واحد"، هذا ما أكدته المواطنة عفراء الموظفة في القطاع العام، وهي متزوجة من موظف أيضاً، وبسبب الغلاء وتدني الرواتب يضطر زوجها الى القيام بأعمال إضافية إلى جانب عمله، ليتمكن من توفير أدنى مستوى من الحياة لأسرتهما".
كلفة العيش في لبنان، تتطلب إما أن يكون المواطن من أصحاب الملايين فيعيش بمستوى متوسط ، أو من أصحاب المليارات فيتمكن العيش ببحبوحة، أما الفقير فيستحيل عليه تأمين لقمة عيش لائقة. فبحسب الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين "تحتاج أسرة مكونة من 4 أشخاص، إلى ما يقارب من 250 دولاراً شهرياً حتى تتمكن من تدبير سلتها الغذائية بحدود ضيقة جداً، او كما يطلق عليها "تدبير سلة غذائية متقشفة جداً""، مضيفا أن "ارتفاع أسعار السلع الغذائية في لبنان لا يتمشى مع معدلات الأجور".
رواتب موظفي القطاع الخاص ليست الافضل، فهي لا تكفي لعدة أيام من الشهر، رغم أن بعض القطاعات الخاصة تمكنت من الوصول إلى نوع من التوازن مع ازدهار أعمالها، فسميرة وهي موظفة في القطاع الخاص تقول "الراتب لا يكفي أسبوعا واحدا من الشهر، ونقوم بصرفه فور أخذه لشراء مؤونة البيت واحتياجات أطفالنا، لتبدأ آنذاك الديون بالتراكم علينا، وعند قبض الراتب نقوم بإيفاء الديون وهكذا دواليك، ما إلنا غير نتدين" متمنية على أصحاب السلطة والقرار "أن ينظروا بعين العطف لحالهم، ويرفعوا الأجور لتتناسب مع متطلبات الحياة".
يرى المواطن نفسه كأنه يصارع طواحين الهواء، وما إن يبدأ بعملية إعادة تنظيم مصروفه حتى يعود ليدخل في دوامة معيشية عنوانها "العجز عن الحصول على الأساسيات"، فلا يعرف من أن يبدأ وكيف ينتهي، هذا حال ابن الثالثة والثلاثين مروان الذي أكد أن "الحالة تعبانة يا ليلى خطبة مافيش"، ذاكرا همومه التي لا تعد ولا تحصى "لم أستطع الزواج حتى اليوم بسبب عدم قدرتي على تأمين مسكن إن بالايجار أو الشراء، الذي بات حلماً مستحيل التحقيق، فأنا أعيش مع والدي وإخوتي الثلاثة، وهم أصغر مني، ومسؤوليتي كبيرة تجاههم، فهذا واقعي ولا مجال للتغيير في ظل هذه الظروف".
ويوافقه الرأي العم محمود المتقاعد وراتبه الشهري لا يتجاوز 200 دولار، متسائلاً بحرقة "كيف يمكن لهذا الراتب أن يكفي لمدة شهر واحد، في ظل هذا الغلاء الفاحش، مؤكداً أن هذا التعويض لا يكفيه لتغطية أدويته ليبقى على قيد الحياة، والراتب كالمريض يقف على حافة الموت يحتاج إلى إنعاش".
تحاصر الأزمات الاقتصادية والمالية والمعيشية لبنان الذي بات ساكنوه يعيشون من قلة الموت، فكيف ستردم الفجوة الحاصلة بين رواتب الموظفين وبين الحد الأدنى اللازم للمعيشة؟ وهل يستطيع المواطن اللبناني، مع كل ما يحيط به من أزمات، مهما تسارعت خطواته في الجري وراء لقمة عيشه، أن يتخطى خط الفقر ويصبح العداء الرابح؟!
أوضاع المواطنين مزرية، فما يواجهه اللبنانيون اليوم يستدعي من الحكومة القادمة دراسة شاملة لواقع الرواتب والحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص، وواقع الرواتب والزيادات في القطاع العام ، علها تستطيع ردم الهوة بين المداخيل والحاجيات، وتنهض بالمواطن اللبناني الذي جرفته الأزمات إلى براثن الفقر والحرمان.
تجدر الإشارة إلى أن تكلفة المعيشة لأسرة مكونة من 4 أفراد في لبنان، تشمل الحد الأدنى من الاحتياجات الضرورية فقط، قد وصلت إلى 52 مليون ليرة لبنانية شهرياً ما يقارب 600 دولار في المناطق الريفية، و71 مليون ليرة لبنانية شهرياً ما يقارب 800 دولاراً في المدن، دون احتساب تكاليف الرعاية الصحية بحسب أحدث تقرير صادر عن الشركة الدولية للمعلومات والإحصاءات في لبنان.
يتم قراءة الآن
-
سلام متمسك بصلاحياته: لست «ليبان بوست»... عقبات امام التأليف؟ التعيينات الأمنية على نار حامية... هل تبدأ المداورة من المراكز الهامة؟ ماكرون لفريقه: مؤتمر لإعادة الاعمار في بيروت بحضور دولي
-
أنا أميركا ... أنا العالم
-
عون اكثر واقعية من سلام والاخير يسرّ لمقربين: لن التزم بتوقيت
-
ابعد من الحقائب الثنائي يسأل : كيف ستدار الجلسات عند الاختلاف تصويتا او توافقا؟ سلام ببعبدا خلال ساعات حاملا تصورا اوليا : هكذا توزعت الحصص وهذه الاسماء المفضلة!
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
20:47
القناة 13 "الإسرائيلية" عن مصادر: "إسرائيل" طلبت من إدارة ترامب الحفاظ على 5 نقاط عسكرية جنوبي لبنان.
-
20:47
هيئة البث "الإسرائيلية": وزير الشؤون الاستراتيجية "الإسرائيلي" بحث مع مستشار الأمن القومي الأميركي تمديد مهلة الـ 60 يوما لاتفاق وقف إطلاق النار في لبنان
-
20:45
القناة 13 "الإسرائيلية": المجلس الوزاري المصغر يجتمع غدا لبحث إبقاء جزء من قوات الجيش بجنوب لبنان
-
20:00
أسوشيتد برس عن مسؤولين: البنتاغون يرسل نحو 1500 جندي لتأمين الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك بعد أمر الرئيس ترامب.
-
19:59
وسائل إعلام سويسرية: سويسرا تدرس شكاوى ضد رئيس "إسرائيل" بتهمة تحريضه على الإبادة الجماعية خلال وجوده بدافوس.
-
19:57
الاحتلال "الإسرائيلي" يواصل خرقه لاتفاق وقف النار وينفذ تفجيرين كبيرين داخل الأطراف الغربية لبلدة ميس الجبل في جنوب لبنان.