اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

أستاذة جامعيّة- باحثة سياسيّة

عندما اختارته مجلة "تايمز" الأميركية كشخصية العام، أشار الرئيس المنتخب دونالد ترامب في حوارٍ لها إلى أن "كل شيء ممكن"، فيما يتعلق بإيران. هذا التصريح يفتح المجال أمام احتمالية اتخاذ ترامب قرارًا بالتصعيد العسكري ضد طهران أو منح إسرائيل الضوء الأخضر لتنفيذ عمليات عسكرية ضدها. ولعلّ التصعيد المحتمل يعكس الواقع المتوتر بين إيران والولايات المتحدة، حيث إن العلاقة بين البلدين في عهد ترامب أصبحت على المحك، خاصة مع اقتراب بدء ولايته الثانية.

قبل أن يدخل البيت الأبيض، أظهر ترامب قدرة على إنهاء العديد من الحروب في مناطق مثل غزة ولبنان وسوريا. فهل سيكون دور إيران هو التالي؟ وهل سيقدم ترامب على الخيار العسكري أم سيسلك طريق التفاوض؟ ومن جانب إيران، ما هي التنازلات التي يمكن أن تقدمها لتجنب مواجهة عسكرية مفتوحة؟

العقلية الإيرانية: البراغماتية والتحفظ على الحرب

تنقسم الآراء الإيرانية إلى فريقين رئيسيين: الأول، يعتقد أن التفاوض مع الولايات المتحدة هو الخيار الوحيد لتجنب المزيد من العقوبات التي أرهقت الشعب الإيراني. فغياب التفاوض يعني تصعيدًا مع الولايات المتحدة وحلفائها، في وقتٍ لا تملك إيران حلفاء أقوياء يمكن أن يعينوها في لحظات الشدة. هذا الفريق الإصلاحي يرى أنّ حضور إيران في المحور الأوراسي لا يضاهي قوة وجود إسرائيل في المحور الغربي. وبالتالي، فإن المصلحة البراغماتية تقتضي التفاوض لإنهاء الأزمة.

أما الفريق الآخر، الذي يرفض التفاوض، فيتكون من المحافظين الذين يرفضون أي تعامل مع الولايات المتحدة، خصوصًا في ظل الأيديولوجية التي ترفض أي «تسوية مع العدوّ الأكبر». والأهم من ذلك، الحرس الثوري الذي يرى أن التفاوض مع أميركا لا يتوقف عند الملف النووي، بل يشمل جميع القدرات العسكرية الإيرانية، بما في ذلك الصواريخ والطائرات المسيرة.

خيارات ترامب: التفاوض أم التصعيد؟

من الجانب الأميركي، يمتلك ترامب ثلاثة خيارات لا رابع لها. الخيار الأول هو التفاوض مع إيران في صفقة شاملة، حيث سيعتمد على سياسة الضغط الأقصى من خلال تكثيف العقوبات وحصار إيران اقتصاديًا، مما يجبرها على قبول شروط قاسية، تشمل تجميد الاتفاق النووي والسماح للمفتشين الدوليين بالوصول إلى مواقع حساسة، كموقع "بارتشين" حيث يُشتبه وجود منشآت لتخصيب اليورانيوم عالي التخصيب. إضافة الى المطالبة بتخلي إيران عن بعض حلفائها في المنطقة، والتوقف عن دعم الحوثيين عسكريًا، وكذلك التوقف عن إرسال الأسلحة إلى روسيا في سياق الحرب الأوكرانية، فضلاً عن إنهاء دعمها لفنزويلا وكوبا. لكن من غير المرجح أن تقبل إيران بهذه الشروط القاسية، وبالتالي، فإن فرص فشل هذه المفاوضات تفوق فرص نجاحها.

السيناريو الثاني، هو مفاوضات جزئية أو غير مكتملة. هذا الخيار قد يثير خلافًا داخليًا في أميركا، حيث إن جزءًا من الجمهور الجمهوري، الذي يعتبر ترامب "المنقذ" لأميركا، سيرفض شكل هذا التفاوض، الذي يشبه ما فعله الرئيس أوباما سابقًا، مما يجعل التفاوض في هذه الحالة غير مجدٍ.

السيناريو الثالث هو التصعيد العسكري المباشر، وهو الخيار الذي بدأ يظهر بشكل متزايد في الأفق. تسعى السياسة الأميركية إلى إضعاف إيران داخليًا على جميع الأصعدة: اقتصاديًا واجتماعيًا، لتجعلها غير قادرة على مواجهة أي تهديدات خارجية. بالإضافة إلى ذلك، تمارس واشنطن استراتيجية "شد الأطراف"، التي تعتمد على الضغط على إيران من جميع الجوانب لتقويض استقرارها. وأهمّ مثال على ذلك هو تحركات طالبان لبناء سد على نهر هلمند، مما يفرض على إيران شراء المياه من أفغانستان، وهو ما يزيد من هشاشتها الاقتصادية.

من جانبها، تستعد إيران لاحتمال المواجهة العسكرية. فهي تعمل على تعزيز المواقع العسكرية التي تعرضت للضربات الإسرائيلية في 26 أكتوبر الماضي، وتنفذ مناورات عسكرية في مواقع استراتيجية على الحدود الغربية، وحتى مع باكستان وأفغانستان. هذا التحرك يشير إلى استعداد إيران لمواجهة أي تصعيد عسكري محتمل.

في خطوة تعكس بوضوح استراتيجيتها التصعيدية، سافر الرئيس الإيراني إلى موسكو في توقيت حساس لتوقيع اتفاقية شاملة مع روسيا، مشابهة لتلك التي أبرمتها موسكو مع كوريا الشمالية. هذه الخطوة تعكس بشكل واضح أن إيران تواصل تحدي الغرب، وتصر على تعزيز تحالفاتها في مواجهة الضغوط العسكرية والديبلوماسية، مما يزيد من تعقيد الوضع ويشير إلى تصعيد محتمل في المستقبل القريب.

احتمالية المواجهة العسكرية: تحديات وتداعيات

الاحتمال الأقوى الآن هو التصعيد العسكري، خاصة أن هدف ترامب الرئيس هو سحب القوات الأميركية من الشرق الأوسط، وهو ما لن يتحقق إلا بعد تحقيق سلام بين العرب وإسرائيل عبر تطبيع العلاقات، خصوصًا بين السعودية وإسرائيل. لكن التحديات التي تواجه هذا المسار كبيرة، فالمصالح الخليجية، خاصة السعودية التي تحضر لرؤية 2030، تشترط استقرار المنطقة وبقائها خالية من التوترات، مما يجعل أي خطوة نحو التصعيد العسكري أمرًا معقدًا.

الخلاصة: لحظة مفصلية

في الختام، تبقى العلاقات الإيرانية الأميركية في مفترق طرق حاسم، حيث تترنح بين مفاوضات قد تفشل ومواجهة عسكرية قد تندلع. مع تعقّد المصالح الإقليمية والدولية، يبقى الخيار الأبرز هو البحث عن حل ديبلوماسي قبل أن يتحول المشهد إلى صراع مفتوح قد يعصف بالمنطقة والعالم.

ويبقى السؤال الأكثر إلحاحًا: هل يمكن للسياسة الحكيمة أن تسبق حافة الحرب، أم أن المواجهة العسكرية ستظل الخيار النهائي الذي لا مفر منه؟ 

الأكثر قراءة

سلام يفعّل المفاوضات لحسم التمثيل المسيحي والسنّي بعد الاتفاق مع الثنائي الشيعي القوات ممتعضة من اسلوب التعاطي والتأليف... والتيار على لائحة الانتظار زحف شعبي متجدد اليوم لاستكمال تحرير القرى الحدودية واشادة بدور الجيش