اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

وسط المجازر في غزة والاضطرابات والتغييرات في سوريا، تسعى واشنطن ان يواجه لبنان ايضاً مصيرا صعباً على غرار ما يحصل في المنطقة، اذ ان الضغط الاميركي المكثف على الدولة اللبنانية في ملف نزع سلاح حزب الله بالطريقة المطروحة مؤخراً، سيؤدي حتما الى فوضى امنية في الداخل اللبناني وربما احداث تمتزج بالعنف بما انه لا يمكن ضبط الامور بشكل كامل.

صحيح ان حزب الله اكد انه لن يتصادم مع الجيش اللبناني ولا مع المدنيين ولا أي جهة لبنانية اخرى، انما الاهالي، البيئة الحاضنة للمقاومة، وغير المسلحة ستكون صمام الامان بوجه من يريد تجريد الحزب من سلاحه. امهات الشهداء وغير الشهداء، اباء الشهداء وغير الشهداء، اشقاء او شقيقات الشهداء او غير الشهداء سيكونون في الخطوط الامامية يحمون سلاح المقاومة باللحم الحي دون اللجوء الى السلاح للدفاع عن السلاح. ذلك ان حزب الله مصمم ألا يخرج اي قائد وعنصر عسكري من اعلى رتبة الى ادناها بين الحشود لا في وجه العسكر اللبناني ولا اي طرف آخر. بيد ان الحزب يدرك جيدا انه في حال تحولت المواجهة بينه وبين المؤسسة العسكرية الى مواجهة مباشرة، فسيكون في موقع الخاسر ولن يكون كل الداعمين له من بيئته الى حلفائه مساندين له في هذه المواجهة.

انطلاقاً من ذلك، عند انتهاء الجيش اللبناني من وضع خطته في آخر الشهر الجاري لحصر السلاح بيد الدولة، لن نشهد اقتتالا عسكرياً بين حزب الله والجيش، بل سنرى المدنيين الذين يؤمنون بضرورة بقاء سلاح حزب الله هم في الطليعة في هدف واضح، وهو احباط المخطط الاميركي ضد حزب الله.

في اغلب الظروف، ستحاول واشنطن بكل قوتها وجهدها ان تورط حزب الله في صدام مع لبنانيين مدنيين او مع الجيش اللبناني، لتنقض عليه بحجة انه جهة تريد جر لبنان الى تدهور امني واقتتال داخلي، في حين ان الحقيقة واضحة وهي ان الولايات المتحدة الاميركية هي التي تدفع بلبنان نحو الهاوية وتضغط على الجميع لانهاء حزب الله بطريقة غوغائية بعيدة كل البعد عن واقع الارض والمنطق والتشعبات اللبنانية الداخلية.

والحال ان اميركا لا ترضى الا ان يتعامل لبنان بديبلوماسية مع «اسرائيل» التي تقتلنا كل يوم والتي دمرت وتدمر قرانا وبيوتنا وبساتيننا وتلوث ترابنا وارضنا، في حين لا تقبل ان تعالج الدولة مسألة سلاح حزب الله بطاولة حوار او ضمن استراتيجية دفاعية. والسبب واضح وهو ان اميركا تلجأ دائماً الى «حلول» تعقد الامور في كل البلدان التي تتعاطى فيها، لا بل تفجر احيانا الاوضاع الداخلية لبلد ما.

فهل فعلا لبنان قادر على تحمل «الحلول الاميركية» وبالطريقة التي تطرحها واشنطن؟ الجواب طبعاً لا. فالرؤساء الثلاثة طالبوا بانسحاب اسرائيل من المواقع التي احتلتها مؤخرا كما بوقف الضربات الجوية والاغتيالات التي تنفذها المسيرات «الاسرائيلية»، ومن ثم اشاروا الى ان حصرية السلاح بيد الدولة تصبح امرا لا مفر من بحثه على طاولة مجلس الوزراء، لينتقلوا الى المرحلة العملية بألا يبقى سلاح خارج اطار الدولة، علاوة على ذلك، قال البطريرك الراعي خلال زيارته لقرى جنوبية حدودية، ان انسحاب جيش الاحتلال الاسرائيلي من المواقع الخمسة ووقف خرق سيادة لبنان سيسهلان على رئيس الجمهورية التحاور مع حزب الله حول سلاحه. ولكلام الراعي قيمة كبيرة فهو لطالما طالب باعتماد لبنان سياسة الحياد حيال كل الصراعات التي تدور من حوله وكان ناقدا مباشرا لحزب الله في عدة مناسبات، ولذلك عندما يقول الراعي ان على «اسرائيل» تنفيذ ما يقتضيه القانون وسيادة الاراضي اللبنانية اولا، ومن ثم يتعاطى لبنان الرسمي مع سلاح حزب الله من زاوية مختلفة فهو يقول ان العدل هو مفتاح الحل لاي ملف معقد او خلاف او صراع، ولكن متى عدلت اميركا مع لبنان او مع أي دولة عربية مناهضة لـ»اسرائيل»؟!

من هنا، بات واضحا ان لبنان، هذا الوطن الصغير، الواقع تحت ضغوط خارجية، يقف عاجزاً عن معالجة قضية السلاح بطريقة تحول دون اي انفجار داخلي او صدامات محتملة بين الجيش والأهالي الموالين لحزب الله، وبخاصة في ظل الضغوط الاميركية المستمرة. هذا الواقع يفرض علينا ان نترقب المرحلة المقبلة، اياماً وأشهراً، بقلق وحذر على مصير وطن وشعب قلما عرف فترات من الاستقرار والهدوء، بل اعتاد الأزمات والخيبات المتلاحقة نتيجة التدخلات الخارجية وتبعية بعض القوى الداخلية لها. ويبقى السؤال المؤلم والذي يطرح نفسه: أهو قدر اللبناني أن يظل شعباً محكوما بالخيبات، ممنوعاً من حياة عادلة كريمة يستحقها؟


الأكثر قراءة

لقاء سري يعيد الحرارة بين «بعبدا» و«حزب الله» شرط اميركي جديد «لتمديد محدود» للطوارئ الدولية صيد ثمين لـ«الجيش»: تنسيق بين «عين الحلوة» وفصائل سورية