اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


عندما يُذكر المطبخ اللبناني، يُذكر معه فن الطهي الراقي، الذي يجمع بين اللذة والصحة، وبين الأصالة والابتكار. فهو ليس مجرد مجموعة من الأطباق، بل حكاية ترويها نكهات عريقة تناقلتها الأجيال، تمتدّ من أطباق المشاوي المتبّلة بدقة، إلى المازات الشهية والمخبوزات الطازجة. لم يكن هذا المطبخ يوماً مجرد عنصر من عناصر الهوية اللبنانية، بل أصبح سفيراً عالمياً يجوب المطابخ الراقية والمطاعم الفاخرة في مختلف أنحاء العالم.

وفي ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية التي شهدها لبنان منذ عام 2019، وصولاً إلى الحرب "الإسرائيلية" الأخيرة التي استمرت شهرين من الاشتباكات والقصف المكثّف على الأراضي اللبنانية، لم يُهزم هذا القطاع الحيوي.

فعلى الرغم من الدمار والإنهاك الذي خلّفته الحرب، استطاعت المطاعم والمقاهي اللبنانية النهوض من تحت الرماد، لتعيد رسم المشهد الاقتصادي وكأن شيئاً لم يكن. وقد جاء انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة ليعزز مناخ الاستقرار النسبي، ما أعطى دفعة قوية للقطاع السياحي والمطاعم، لتستعيد بريقها في فترة قياسية.

نقابة في مستوى المسؤولية!

من جهة أخرى، لطالما كانت نقابة أصحاب المطاعم و "الباتيسري" الداعم الأساسي لهذا القطاع، إدراكاً منها لدوره المحوري في الاقتصاد اللبناني، حيث يعتمد أكثر من 90% من اقتصاد البلاد بشكل مباشر أو غير مباشر على هذا المجال، سواء من خلال المطاعم التقليدية أو المطابخ الفاخرة أو حتى قطاع الضيافة.

كما أنها عملت دائماً على الحفاظ على معايير الجودة والسلامة العامة، مما جعل المطاعم اللبنانية وجهة مفضلة للسياح والمقيمين على حدّ سواء.

الشاورما اللبنانية "عالمية"!

وبينما كان القطاع يخطو خطواته الأولى نحو التعافي، جاء تكريم جديد ليؤكد مكانته العالمية: الشاورما اللبنانية تحصد لقب أفضل سندويش في العالم. فقد اختار موقع TasteAtlas الشهير الشاورما اللبنانية، لتتصدر قائمة أفضل 100 ساندويش في العالم، بعد حصولها على تقييم 4.6 من أصل 5، متفوقةً على جميع أنواع الساندويشات العالمية، ومتجاوزة حتى الدونر التركية التي حلّت في المركز الثالث.

وأشار الموقع إلى أن أفضل مكان لتناول الشاورما في لبنان هو مطعم بربر في الحمرا- بيروت، مؤكداً أن السر الحقيقي وراء تفوّق الشاورما اللبنانية يكمن في تتبيلتها الفريدة، التي تجعلها متميزة عن نظيراتها في الدول العربية الأخرى. هذه الوجبة، التي تعود أصولها إلى العصر العثماني، تحوّلت بفضل المطبخ اللبناني إلى طبق استثنائي، تُصنع من أجود أنواع اللحوم المتبّلة بعناية، لتُطهى ببطء حتى تكتسب طراوة ونكهة لا مثيل لهما.

إعداد الشورما فنّ متكامل

وفي هذا السياق، يتحدث أحد العاملين في مطعم بربر في الحمرا- بيروت عن سرّ ريادة الشاورما اللبنانية، مشيرا إلى أن المطعم يحرص على تقديم الشاورما وفق أعلى معايير الجودة، بدءاً من اختيار أفضل أنواع اللحوم الطازجة، مروراً بمراعاة معايير السلامة الصحية العالمية في كل مراحل التحضير، وصولاً إلى الطهي والتقديم بطريقة نظيفة تضمن تجربة استثنائية للزبائن".

ويوضح لـ "الديار" أن "إعدادها ليس مجرد عملية طهي تقليدية، بل هو فنّ متكامل يبدأ بتتبيل اللحم بمزيج من البهارات الخاصة التي تمنحه نكهته المميزة، ثم يُترك ليتشرب النكهات قبل أن يوضع على السيخ الدوار ليُطهى ببطء، مما يمنحه القوام الطري والمذاق الغني. وعند التقديم، تُقطع الشرائح بحرفية عالية وتُلف في خبز طازج، مع الإضافات التي تُضفي عليها تميزها الخاص، لتصل إلى الزبون بطعم يليق بالمكانة، التي حققتها الشاورما اللبنانية عالمياً".

علماً أن هناك الكثير من المطاعم اللبنانية العريقة التي تقدّم الشاورما وغيرها من الأصناف التقليدية بمواصفات رفيعة، ما يجعل تجربة الطعام في لبنان استثنائية بكل المقاييس. فالمطبخ اللبناني لا يقتصر على النكهات الغنية فحسب، بل يعكس تراثاً ثقافياً يمتزج فيه الإبداع بالحرفية. وهذا ما يجذب السياح من مختلف أنحاء العالم إلى هذا البلد الصغير، الذي لطالما كان منارة العرب وسويسرا الشرق، حيث يجتمع الجمال الطبيعي مع الإرث الحضاري، ليقدّم تجربة سياحية متكاملة تمتد من مذاق الأطباق الفريدة إلى دفء الضيافة اللبنانية.

المطبخ اللبناني سفيراً للعالم

وفي سياق الحديث عن هذا الإنجاز، طرحت "الديار" هذا السؤال على اهل الاختصاص: ماذا يعني تصنيف الشاورما كأفضل شطيرة في العالم؟ يجيب جورج، وهو صاحب أحد المطاعم في الجميزة ان "هذا الفوز ليس مجرد تقييم على موقع عالمي، بل هو شهادة جديدة على قدرة المطبخ اللبناني على تحدّي الصعاب والاحتفاظ بمكانته المرموقة، رغم كل التحديات الاقتصادية والسياسية. وبينما يواصل هذا القطاع نهوضه بثبات، يبقى المطبخ اللبناني سفيراً حقيقياً للحياة في لبنان، حيث يتلاقى الذوق الرفيع مع الإرث العريق في كل لقمة".

ويؤكد أن "المطبخ اللبناني يعد من أشهر المطابخ في العالم العربي والعالمي، حيث يجمع بين النكهات الغنية والتوازن الغذائي، مما يجعله لذيذاً وصحياً في آنٍ واحد. ويعتمد على مكونات طازجة وطبيعية مثل زيت الزيتون، الحبوب، الخضار، واللحوم المشوية، مع التركيز على التوابل الخفيفة التي تعزز النكهات دون أن تطغى عليها".

ويضيف "يتميّز هذا المطبخ بتشكيلة واسعة من الأطباق، بدءاً من المازات اللبنانية مثل الحمص، المتبل، الفتوش والتبولة، وصولاً إلى الأطباق الرئيسية مثل الكبة، المشاوي والصيادية. كما أن الحلويات اللبنانية، مثل الكنافة، المعمول والعثملية، تُعتبر من أرقى وألذ الحلويات في المنطقة.

فإلى جانب الطعم المميز، يحرص المطبخ اللبناني على تقديم وجبات متوازنة غذائياً، حيث تُستخدم مكونات غنية بالفيتامينات والبروتينات، مما يجعله خياراً صحياً للكثيرين. كما أن طريقة تحضير الطعام، التي تعتمد على الطهي البطيء أو الشواء بدلاً من القلي، تساهم في تعزيز قيمته الغذائية".

ويختم "بفضل هذه المزايا، أصبح المطبخ اللبناني سفيراً للثقافة اللبنانية حول العالم، حيث تجد مطاعمه منتشرة في العواصم الكبرى، ويحظى بإقبال واسع من محبي الطعام الباحثين عن النكهة والجودة معا".

ابداع وتفوق وتميّز!

من جهته، يقول نائب رئيس نقابة اصحاب المطاعم والملاهي و"الباتيسري" السيد خالد نزهة، لـ "الديار"، تعليقًا على تربع لبنان على عرش أفضل سندويش شاورما في العالم: "تفوق اللبنانيين لا يقتصر على الشاورما فحسب، بل يتجلى في مختلف الأصناف التي يبدع بها المطبخ اللبناني، إذ يتميّز بتنوعه الفريد في المنطقة والعالم. فمن لا يستمتع بالمازة اللبنانية الصحية ، التي تحرص معظم المطاعم على تقديمها للذوّاقة والزبائن عمومًا، نظرًا لأهميتها وتعدد أصنافها التي تصل إلى نحو 50 طبقًا مختلفًا؟ المطبخ اللبناني ليس مجرد مجموعة من الأطباق، بل هو انعكاس لتراث غني، يجمع بين النكهة والجودة والهوية الثقافية، ما يجعل اللبناني رائداً في الكثير من الأصناف، وليس في الشاورما وحدها".

ويكشف عن جانب مهم جداً في القطاع المطعمي، حيث يشير إلى أن "لكل منطقة في لبنان مطبخها الخاص، مما يعزز التنوع الفريد لهذا التراث". ويقول: "في الجنوب، البقاع، الشمال، والعاصمة بيروت، لكل منطقة بصمتها الخاصة في عالم الطهو، حيث تشتهر بأطباق مميزة تعبّر عن هويتها. على سبيل المثال، نجد الصفيحة البعلبكية التي تتميز بطعم خاص، والكبة الزغرتاوية والنبطية والزحلاوية، حيث تختلف طريقة تحضير كل منها عن الأخرى. وهناك أيضا أطباق أصيلة مثل "الفراكة" و"الكبة بالجبن"، مما يعكس غنى المطبخ اللبناني وتنوعه الواسع".

أيقونة عالمية

ويضيف "المطبخ اللبناني لا يتفرد فقط بتنوعه، بل أيضا بقيمة مكوناته الغذائية والصحية، حيث يعتمد على مواد طازجة وطبيعية، بدءاً من الحبوب والخضراوات، إلى زيت الزيتون والتوابل الشرقية الفريدة". ويؤكد نزهة ان "الإبداع اللبناني لا يقتصر على الطعم، بل يمتد إلى كل مراحل التحضير، من اختيار المكونات، مرورا بطريقة الإعداد، وصولا إلى تقديم الطبق الذي يجمع بين اللذة، الفوائد الصحية والجمالية في التزيين. فمن منا لا يعشق الحمص اللبناني الذي أصبح أيقونة عالمية تعكس أصالة المطبخ اللبناني"؟

وينوّه نزهة في الختام الى ان "المطبخ اللبناني لا يعد فقط مصدر فخر للبنانيين فحسب، بل أصبح اليوم أحد أبرز ممثلي الثقافة اللبنانية على الساحة العالمية، حيث يمتاز بتنوعه الكبير وجودته الاستثنائية، التي جعلته يحقق شهرة واسعة خارج حدود لبنان. من الشاورما الشهيرة إلى المازة الصحية المدهشة، يقدّم المطبخ اللبناني طيفا واسعا من الأطباق التي تجمع بين الطعم الشهي والفائدة الصحية. هذا الامتياز لا يقتصر فقط على الأصناف التقليدية، بل يمتد ليشمل طريقة التحضير، التي تعتمد على المواد الطازجة والصحية، إضافة إلى الأساليب الإبداعية في التنسيق والتقديم".

في الخلاصة، إن المطبخ اللبناني اليوم يتجاوز حدود لبنان، ليكون علامة ثقافية وتجارية مميزة. فقد استطاع تصدير مذاقه الفريد إلى الأسواق الأوروبية والعالمية والعربية. وتنتشر المطاعم اللبنانية الآن في العديد من البلدان، مما يعكس النجاح الكبير لهذا المطبخ في جذب الأذواق العالمية. كما أن العديد من المنتجات اللبنانية الشهيرة، مثل الحمص والفلافل، أصبحت

جزءا من حياة الناس في مختلف أنحاء العالم. وبالتالي، لا يظهر المطبخ اللبناني فقط المذاق الرائع، بل يدل أيضا على الهوية اللبنانية بثرائها وتنوعها.

تأتي هذه النجاحات العالمية كنتيجة طبيعية لإصرار نقابة أصحاب المطاعم والباتيسري على دعم هذا القطاع الحيوي، الذي يعد أحد الأعمدة الأساسية للاقتصاد اللبناني. في ظل الظروف الصعبة التي مر بها لبنان، استمر هذا القطاع في الصمود والتطور، ليحقق لبنان اليوم مكانة مرموقة في عالم الطهو. إن تميز المطبخ اللبناني، بمكوناته الصحية وأطباقه المتنوعة، هو شهادة حية على قدرة هذا القطاع على التكيف والازدهار حتى في أصعب الأوقات، كما يبين أيضا استدامة العلامات اللبنانية في استحواذ مكانة عالمية تليق بإبداعها وتفردها.

الأكثر قراءة

سلام يفعّل المفاوضات لحسم التمثيل المسيحي والسنّي بعد الاتفاق مع الثنائي الشيعي القوات ممتعضة من اسلوب التعاطي والتأليف... والتيار على لائحة الانتظار زحف شعبي متجدد اليوم لاستكمال تحرير القرى الحدودية واشادة بدور الجيش