اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


البول الأسود، أو ما يُعرف طبيا بداء "ألكابتونوريا"، هو اضطراب وراثي نادر يؤثر على عملية استقلاب الأحماض الأمينية، مما يؤدي إلى تراكم مادة حمض الهوموجنتيسيك في الجسم. يُسبب هذا التراكم تغيرًا في لون البول ليصبح داكنًا أو أسود عند تعرضه للهواء، إلى جانب العديد من المشكلات الصحية الخطيرة التي تؤثر على المفاصل، القلب، والكلى.

ينتج داء ألكابتونوريا عن طفرة جينية في جين HGD المسؤول عن إنتاج إنزيم "هوموجنتيسات 1,2-ديوكسيجيناز"، وهو إنزيم ضروري لتحليل حمض الهوموجنتيسيك في الجسم. في غياب هذا الإنزيم، تتراكم المادة الحمضية في الدم والأنسجة، مما يؤدي إلى ترسبها في المفاصل والغضاريف والجلد، متسببة في تلف تدريجي يظهر مع التقدم في العمر. يُورث المرض بطريقة متنحية، مما يعني أن الشخص يحتاج إلى نسختين من الجين المصاب، واحدة من كل من الوالدين، ليصاب بالمرض.

غالبًا لا تظهر أعراض داء ألكابتونوريا في مرحلة الطفولة، حيث يكون التغيير الوحيد الملحوظ هو تحول لون البول إلى الأسود عند تعرضه للهواء. لكن مع مرور الوقت، تبدأ الأعراض في الظهور تدريجيًا، خاصة في العشرينيات والثلاثينيات من العمر. تشمل الأعراض الرئيسية:

- التهاب المفاصل المزمن: يؤدي تراكم حمض الهوموجنتيسيك في الغضاريف إلى تصلب المفاصل وألم مزمن، يشبه في تطوره التهاب المفاصل التنكسي، لكنه يظهر في سن مبكرة.

- تلف العمود الفقري: يعاني المرضى من تصلب في الظهر والرقبة، مما يحد من حركتهم ويؤثر على جودة حياتهم.

- تصبغات جلدية وعينية: قد يؤدي ترسب الحمض في الجلد إلى ظهور بقع زرقاء أو داكنة على الأذنين، والأنف، والبياض العيني (الصلبة).

- مشاكل قلبية: يمكن أن يترسب الحمض في صمامات القلب، مما يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب ويؤدي أحيانًا إلى الحاجة لجراحة استبدال الصمامات.

- حصى الكلى والبروستاتا: يتسبب تراكم الحمض في تكوين حصوات الكلى والمثانة، مما قد يؤدي إلى مضاعفات بولية مؤلمة.

يتم تشخيص داء ألكابتونوريا من خلال تحليل البول، حيث يُلاحظ اسوداد البول عند تعرضه للأكسجين. كما يمكن إجراء اختبار حمض الهوموجنتيسيك في البول باستخدام كروماتوغرافيا السائل عالي الأداء (HPLC). بالإضافة إلى ذلك، يمكن للاختبارات الجينية الكشف عن الطفرات في جين HGD لتأكيد الإصابة بالمرض، خاصة في الحالات العائلية.

هذا ولا يوجد علاج نهائي لداء ألكابتونوريا حتى الآن، لكن هناك طرق لإدارة الأعراض وتقليل المضاعفات. يُعد دواء نيتيسينون أحد أهم العلاجات الحديثة، حيث يساعد في تقليل إنتاج حمض الهوموجنتيسيك في الجسم، مما يبطئ من تقدم المرض. كما يُنصح المرضى باتباع نظام غذائي منخفض بالبروتينات، لتقليل تراكم الحمض.

فالعلاج الطبيعي والتمارين المنتظمة ضروريان للحفاظ على مرونة المفاصل وتخفيف الألم. وفي الحالات المتقدمة، قد تكون الجراحة ضرورية، مثل استبدال المفاصل التالفة أو صمامات القلب.

وعلى الرغم من أن داء ألكابتونوريا يسبب مشكلات صحية خطيرة، فإن الاكتشاف المبكر وإدارة الأعراض يمكن أن يساعدا المرضى على العيش حياة طبيعية نسبيًا. مع تطور الأبحاث، يُتوقع أن تُتاح علاجات أكثر فعالية في المستقبل، مما يفتح المجال لتحسين جودة حياة المرضى وتقليل المضاعفات المرتبطة بهذا الاضطراب النادر.

الأكثر قراءة

الحدود الجنوبية والشرقية «قنبلة» موقوتة في طريق الحكومة اسرائيل تروّج لتأجيل جديد ولبنان ينتظر الموقف الاميركي! الجيش يرفع جهوزيته بقاعا وتهجير للبنانيين من داخل سورية