اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


أصوات، بل صرخات من كل المناطق ومن كل الطوائف السورية تتصل بي وتسأل "بعد كل ذلك الضجيج حول سقوط نظام عشنا أهواله حتى الثمالة، أين أنتم، ولماذا هذا الغياب المروع عن تغطية الأهوال التي تحدث الأن؟ لا في الأقبية ولا في الكهوف، وانما في المنازل وفي الشوارع، كما لو أن أبو محمد الجولاني ورجاله هبطوا من السماء، لا من الغرف السوداء لكي يحولوا سوريا الى جهنم؟

 سيرة غرائبية لرجل من "القاعدة" الى "تنظيم الدولة الاسلامية" ("داعش")، الى "جبهة النصرة" التي تحولت، وداخل الغرف السوداء اياها، الى "هيئة تحرير الشام". والآن الى ذلك النوع الهجين من الديموقراطية بثقافة تورا بورا، وبلحى تورا بورا؟ "حالة أفغانية" في قلب العالم العربي. من الطبيعي التساؤل عما ينتظر لبنان، وعما ينتظر العراق، بل سائر بلدان المشرق العربي، اذا عرفنا أي نوع من الثعابين يقف وراء ذلك السيناريو، الذي ينفذ حلقة حلقة على الأرض.

أين اختفت كل تلك الوجوه المدنية التي ملأت الشاشات على امتداد سنوات "الثورة"، لنرى أمامنا نظاماً ثيوقراطياً يحاول، على نحو كاريكاتوري، اظهار حداثته؟ ما حصل هو ابدال نظام الأقبية بنظام القبور. دائماً أصحاب الأدمغة الميتة والقلوب الميتة، هم من يمتطون ظهور الرعايا. حقاً لما نحن هكذا ؟ حين دخل الجنرال هنري غورو الى دمشق على متن عربة تجرها الأحصنة، بلغ الحماس ببعض الجمهور أن فك الأحصنة، وراح يجر عربة المندوب السامي الفرنسي. هكذا نحن في وداعنا للأنظمة البائدة، وفي ترحيبنا بالأنظمة البديلة !!!

 شاهدنا الفصائل بثياب الميدان، وهي تمارس أرقى أنواع الديموقراطية، وتختار أحمد الشرع رئيساً للدولة. تأملنا في الوجوه المسننة، وفي اللحى المسننة، ليقال لنا أن ما يحصل هو فصل من فصول الخطة الخاصة، بتصنيع ذلك النوع من الاسلام (اسلام الخنادق واسلام القبور) لتفجير البنية السوسيولوجية للمجتمع السوري، كمدخل ديالكتيكي الى تفكيك سوريا، بعدما أدت الحرب، ناهيك عن الضغوط الاقتصادية الهائلة، الى احداث تلك الحالة السيكولوجية القابلة للتفاعل مع أي تغيير على الأرض، حتى لو كان يقود الى الانفجار الجغرافي والدستوري للدولة.

 بالضرورة كلام عن "غباء بشار الأسد الذي لم يكن مؤهلاً لادارة عربة خضار، فاذا به، بالرأس الفارغ، على رأس دولة هي نقطة التقاطع بين صراع الأمم وصراع القبائل".

 كثيرون بعثوا اليّ بالصور وبالأسماء. اذ يتجول الدعاة في الأحياء والبلدات المسيحية، لهدي الناس الى الطريق المستقيم (وهو كما قلنا طريق تورا بورا)، ثمة من يفرض الجزية على نصارى حلب، باعتبارهم أهل ذمة ولم يهتدوا الى الحق. هذه الانتهاكات الصارخة تنسحب على السنّة الذين يبحثون عن موطئ قدم في القرن، لا العودة الى القرون الوسطى.

 مقابل ذلك ثمة مناطق، وبرعاية خارجية، بما فيها الرعاية "الاسرائيلية"، ما زالت تحتفظ بسلاحها، دون أن يتجرأ "رجال الهيئة" من الاقتراب منها. هذا لا ينطبق على الأقلية الشيعية المحدودة العدد التي تتعرض للقتل، ثم القتل، ثم القتل. زارني أحدهم الذي قارب الستين، وقال أنه هرب من الداخل السوري الى لبنان عبر وادي خالد، ليفاجأ بثلاثة حواجز لسوريين داخل الأراضي مجهزين بالسواطير. انتزعوا منه المبلغ الذي يحمله، لينجو باعجوبة من الذبح،

 المشكلة الأساس تبقى : العلويون. هؤلاء كانوا ضحايا ما دعي "النظام العلوي"، والآن ضحايا "النظام اللاعلوي". لا شك أن هناك ضباطاً علويين شاركوا ضباطاً من طوائف أخرى في ورشة الفساد، ناهيك بالقمع والتنكيل وحتى القتل. لكن المؤكد أنهم لم يلتفتوا يوماً لتطوير مناطقهم ، التي تبقى الأكثر بؤساً بين كل المناطق السورية.

 واذا كان معظم الذين تورطوا في تلك الأعمال المشينة قد تمكنوا من الفرار، تركز الثأر على كل ضابط أو جندي أو رجل أمن علوي، وحتى على كل شخص علوي. فظاعات ان في الاذلال أو في الضرب والركل، أو في الرصاصة على الرأس. هذا طاول ايضاً شخصيات أكاديمية بعيدة كل البعد عن الوحول السياسية. كل علوي هو جثة مع وقف التنفيذ أو مع التنفيذ. حتى قناة "الحرة" الأميركية تتوجس من "عودة العهد المظلم"، وتنقل عن "المرصد السوري لحقوق الانسان"، وقائع عن الانتهاكات اليومية، وحتى الفظاعات اليومية، ذات المنحى الطائفي.

 أكثر من ارتكبوا الفظاعات في مناطق الساحل هم من الأوزبك. ربما كانوا أحفاد الفرقة الأوزبكية التي شاركت في حملة هولاكو على بغداد عام 1258 ، وحيث كانت الرؤوس تقطع اما أن تلقى في الطرقات، أو توضع على النصال في أجواء من الرقص والابتهاج فوق أنهار الدم.

 معلومات موثوقة تتحدث عن لقاء عقد بين قيادات علوية سورية وأخرى تركية (حيث الأقلية التي تتجاوز الـ 15 مليوناً)، لينتهي بانذار بالتحرك للمواجهة. وهذا كان السبب في سحب العناصر الآتية من آسيا الوسطى والقوقاز، ومع اعتبار أن هناك الآلاف الذين بعث بهم راشد الغنوشي من جبال الجنوب التونسي، لمؤازرة اخوانهم الاسلاميين في سوريا.

 مظاهر وظواهر سورية تشي باحتمالات خطيرة. بالرغم من خطوات منسقة من قوى خارجية لضبط الايقاع (في اطار الصراع الجيوسياسي بين هذه القوى)، ساعة التفجير والتفكيك آتية لا محالة...

الأكثر قراءة

ضغوط لإجهاض تفاهم سلام مع «الثنائي» حكومياً؟! حرد أرمني ــ سني... «التيار» مُهمّش و«القوات» ترفع السقف المبعوثة الأميركيّة تحمل الى بيروت نتائج لقاء تـرامب ــ نتانـــياهو