اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


الموت الفجائي، ذلك الكابوس الذي يطال الشباب في ذروتهم ويترك وراءه الحيرة والألم، أصبح أكثر وضوحا في لبنان مؤخرًا. وبات سؤالٌ محيرٌ يتردد في أذهان الجميع: لماذا أصبح الموت المفاجئ ينقضّ على قلوب شبابنا وأطفالنا بلا سابق إنذار؟ وما الذي يخبئه هذا القاتل الصامت من عوامل خطرة تنذر بالألم قبل أن تأتي مفاجأة النهاية؟

لذلك، يواجه أطباء القلب وذوي الاختصاص صعوبة في تحديد أسباب الموت المفاجئ، الذي يشبه العاصفة التي تأتي بلا مقدمات بدقة في العديد من الحالات، خاصة عندما يتعلق الأمر بالأطفال الذين يموتون دون أن تظهر عليهم أعراض الأمراض المعروفة. هؤلاء الذين لا يعانون من أمراض قلبية أو صحية واضحة، ربما يكونون ضحايا أمراض بسيطة للغاية، قد لا يلاحظها الأهل أو الأطباء. هذه الأمراض التي قد تبدو هامشية، ولكنها في الحقيقة يمكن أن تكون مفاتيح حقيقية للمأساة التي تطيح بالأرواح في لحظات غير متوقعة.

الأكاذيب على شبكات التواصل "عودٌ على بدء"!

هناك أيضا عامل آخر يستحق الانتباه، ألا وهو تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل وعي الناس حول صحتهم، إذ شاعت مؤخرا مقاطع "فيديو" تُشير إلى أن طقطقة الرقبة قد تؤدي إلى إصابة الشخص بجلطة دماغية، وهو ما أثار جدلاً واسعا بين الناس. وعلى الرغم من تزايد هذه الادعاءات، إلا أنه لا يوجد دليل علمي يؤكد صحتها.

هذه المعلومات المغلوطة قد تكون أشبه بحقل ألغام، تُعرّض حياة الأفراد للخطر، خاصة لأولئك الذين يصبحون متضررين من تلك الأساطير الطبية، دون دراية علمية أو فحص دقيق.

"الديار" تتقصّى من اجل السلامة العامة!

وفي ظل هذه الفوضى المعلوماتية، تسعى جريدة "الديار" لإلقاء الضوء على هذا الموضوع الشائك، من خلال إجراء حوار مع أهل الاختصاص، بهدف تصحيح الأفكار المشوّهة حول الأسباب الحقيقية للموت الفجائي وطرق الوقاية منه. فما قد يبدو للبعض مسألة بسيطة كطقطقة الرقبة أو الشعور بألم طفيف قد يكون بدايةً لمشكلة صحية أكبر، قد تنهي حياة شخص دون سابق إنذار. لذلك، تصبح ضرورة استشارة الأطباء ومتابعة الحالات الصحية الصغيرة في وقت مبكر، لانه السلاح الأمثل للوقاية من هذا العدو الصامت الذي لا يرحم.

من هنا، نشدد على ان الوعي الطبي هو الدرع الذي نحمي به أنفسنا من الموت المفاجئ. لكن هذا الوعي يجب أن يكون مدعوما بالمعرفة الصحيحة، وليس بالمعلومات الزائفة التي قد تقودنا إلى قرارات قاتلة.

أسباب وراثية ومكتسبة للموت الفجائي

بناء على ما تقدم، يقول رئيس قسم أمراض القلب ونائب المدير التنفيذي في المركز الطبي في مستشفى رزق، البروفيسور جورج غانم لـ "الديار"، إن الذبحة القلبية تعد من الأسباب المهمة، وقد تكون العامل الرئيس للموت الفجائي. فعندما نسمع أن شخصاً في الأربعين أو الخامسة والأربعين من عمره توفي وهو يمارس هواية التنس أو التزلج على الثلج، أو عندما ينام في المساء ولم يستيقظ في اليوم التالي، أو يتناول طعام الغذاء ثم يأخذ قيلولة ولكنه لم يستيقظ، يظهر أن أغلب حالات الموت الفجائي التي تحدث فجأة، تكون ناتجة من الذبحة القلبية".

وهنا يطرح السؤال: ماذا نعني بالذبحة القلبية؟ يشرح غانم: "يحدث هذا العارض عندما يقاسي الشخص من انسداد في أحد شرايين القلب نتيجة لتجلط الدم، حيث يضيق مجرى الشرايين الصغيرة بسبب تراكم الكوليسترول، كما ان التدخين يلحق الضرر ببطانة الشرايين من الداخل، مما يسهم في تجمع الكوليسترول بشكل متزايد. مع مرور الوقت، ونتيجة لعوامل مثل القلق أو ضربة قوية جدا أو مجهود رياضي كبير، أو التعرض لأشعة الشمس لفترة طويلة، قد تصل الشرايين إلى مرحلة يتكون فيها تجلط دموي، ما يؤدي الى انسداد الشريان، وبالتالي الإصابة بالذبحة القلبية".

ويضيف "في الكثير من الحالات، نتمكن من التعامل مع حوالي 80 إلى 90% من حالات الذبحة القلبية. يصل المريض إلى المستشفى وهو يعاني من ألم في الصدر، تعرق شديد، انخفاض في الضغط، ويظهر عليه الانزعاج الشديد مع لون شاحب يميل الى الاصفرار، بالإضافة إلى شعوره بثقل في صدره. يتم إجراء تخطيط للقلب لتشخيص الذبحة، ثم يجرى له قسطرة قلبية (تمييل) لتقييم حالته بدقة. نقوم بزراعة شريان له ووضع دعامة (رصور)، مما يساعده على التعافي. ولكن هناك 10% من المرضى لا ينجون ويصابون بالموت الفجائي بسبب انسداد الشريان في منطقة خطرة وحساسة، مما يؤدي إلى اضطراب في كهرباء القلب، ما يعرف بالرجفان البطيني، فتتوقف وظيفة القلب ويموت الشخص".

عوامل خُلقية

ويشيرغانم إلى أسباب أخرى للموت الفجائي، وخاصة عند الأطفال. قائلاً: "إذا تعرض طفل في عمر 14 عاماً للموت الفجائي أثناء ممارسة الرياضة، أو لاعب كرة قدم محترف في العشرينات من عمره سقط في الملعب أثناء التدريب، فإن ذلك لا يكون ناجماً عن الذبحة القلبية، بل عن مشكلات خلقية في القلب، غالباً ما تكون مرتبطة بعضلة القلب. تتمثل هذه الحالة في سماكة غير طبيعية في عضلة القلب، خاصة في المجرى الذي يخرج منه الدم الى الصمام الأبهر (Hypertrophic Obstructive Cardiomyopathy - HOCM)، وهو نوع من اعتلال عضلة القلب الضخامي، يتميز بتضخم غير طبيعي في الحاجز بين البطينين، مما يؤدي إلى انسداد جزئي أو كامل في تدفق الدم من البطين الأيسر إلى الشريان الأبهر، ما يعرقل توزيع الدم إلى الجسم".

ويتابع : "قد ينجم عن هذا العارض اضطرابات في ضربات القلب (الرجفان البطيني)، ما يتسبب بخلل كبير في كهرباء القلب، خاصة خلال فترة بذل المجهود، مما يسبب الوفاة المفاجئة. وهذه هي الأسباب الرئيسية للموت الفجائي لدى الشباب الرياضيين".

ويتطرق غانم إلى عوامل أخرى تسبّب الموت الفجائي لدى "الفيترينز" (المحاربين القدامى) الذين تتراوح أعمارهم بين الأربعين والخمسين عاما، ويمارسون التمارين الرياضية المكثفة، في درجات حرارة مرتفعة. يقول: "إذا تعرض هؤلاء لحرارة شديدة دون شرب كمية كافية من الماء، فقد يعانون من نقص البوتاسيوم والصوديوم في الجسم، مما قد يؤدي إلى اضطرابات خطرة في وظائف القلب ونظم ضرباته، وبالتالي قد يسبب الموت الفجائي. وأؤكد أن أحد أسباب الذبحة القلبية، قد يكون ناتجا من ضغط أو خوف أو قلق شديد".

طقطقة الرقبة مرتبط بالجلطات!

وبعد انتشار فيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل أطباء يحذرون من خطر "طقطة الرقبة"، التي قد تؤدي إلى الإصابة بجلطة دماغية، يؤكد غانم لـ "الديار" أنه "لا صحة لهذه الادعاءات". ويضيف، إن هذا السلوك قد يسبب مشكلات ميكانيكية في الرقبة ويولّد ضغطاً على العظام والمفاصل، لكن لا توجد علاقة مباشرة بين هذه المسألة والإصابة بالجلطة الدماغية".

ويشير غانم الى مسائل مهمة بالقول:

- "أولا: تحدث الجلطة الدماغية نتيجة لمجموعة من المشكلات الصحية الناجمة عن أمراض القلب، التدخين، السكري، ارتفاع مستوى الكوليسترول، الضغط المرتفع والسمنة. تساهم هذه العوامل في حدوث مشكلة في الشرايين المغذية للدماغ، مما يسبب انسداد الشريان أو انتقال جلطة من القلب إلى الشرايين الصغيرة في الدماغ، مما يؤدي إلى الإصابة بالجلطة الدماغية.

- ثانيا: الضغط المرتفع المزمن الذي لا يعالج، يؤدي إلى تصلب الشرايين الصغيرة في الدماغ، مما يزيد من احتمال حدوث جلطة.

- ثالثًا: المشكلات القلبية، وبالأخص الرجفان الأذيني، وهو نوع من اضطرابات إيقاع القلب، يمكن أن يؤدي أيضا الى انتقال جلطات إلى الدماغ. تتشكل هذه الجلطات الصغيرة نتيجة لتجمع الدم في القلب. هناك أيضا أسباب أخرى مثل وجود ثقب في القلب بين الأذينين الأيمن والأيسر، إلا أن هذه الحالات أقل شيوعا".

ويؤكد غانم "أن علاج الجلطة الدماغية مشابه لعلاج الذبحة القلبية، ويعتمد بشكل كبير على سرعة التصرف. الوصول السريع إلى المستشفى يمكن أن يقلل من خطر الإصابة بالجلطة. لدينا نافذة زمنية مدتها 3 ساعات، يمكن خلالها إعطاء الدواء المسيل للدم، أو إجراء عملية قسطرة، حيث يقوم الطبيب المختص بإزالة الجلطة من الشريان المسدود. وأخيرا، يُعتبر تناول حبة الأسبرين مسألة بسيطة، ولكن لها تأثير كبير في تقليل الأضرار، سواء في حالة الجلطة الدماغية أو الذبحة القلبية. وإذا تمكنا من إعطاء المريض حبة الأسبرين فورا، فإنها يمكن أن تسعفه الى حين وصوله إلى المستشفى".

الأكثر قراءة

الأحد التاريخي: تشييع القادة واستفتاء شعبي على قوة حزب الله الانتخابات البلدية 2025: تحالفات ومفاجآت واستعدادات مكثفة الجيش اللبناني يقود الخطة الأمنية في يوم التشييع