اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


لن نستغرب اذا رأيناه أمام الكاميرا، وهو يوقع قراراً تنفيذياً باقالة "يهوه" والحلول محله. لا شيء ينقصه الآن ليقول "أنا ترامب... أنا يهوه". لا نتصور أن "يهوه" قدم للعبرانيين ما قدمه دونالد ترامب "للاسرائيليين".

واذا كان بوب وورد وروبرت كوستا قد رأيا فيه كتابهما PERIL (حول أيامه الأخيرة في البيت الأبيض) الكائن البشري الذي يخرج النيران من أذنيه، فهو أيضاً الكائن البشري الذي ينفث النيران من شفتيه. لفتنا كثيراً كلام الباحث روبرت ساتلوف عن "وجود كائن خرافي في البيت الأبيض". هذا كائن لن يكتفي بتحطيم أميركا، قد يحطم العالم اذا لم توجد قوة في الداخل، لغياب أي قوة في الخارج، إما أن تخرجه من البيت الأبيض أو تقفل فمه بالشمع الأحمر...

أصوات تعلو حتى داخل "الدولة العميقة" أميركا الى أين؟ حين تخوض كل تلك الحروب، من أميركا الشمالية الى أميركا الجنوبية، مروراً باميركا الوسطى، من ضفاف الأطلسي الى ضفاف الباسيفيك، ومن الشرق الأقصى الى الشرق الأدنى. حتى الآن لم تقرع طبول التام تام في أفريقيا اتقاء للأرواح الشريرة. لكن القارة السمراء ليست بأي حال، خارج الأجندة السوداء.

لاءات حتى في صفوف المتنورين "اليهود". آفي شلايم، المؤرخ واستاذ العلاقات الدولية في جامعة أوكسفورد، يحذر بنيامين نتنياهو "حين يمتطي ترامب ظهورنا، لكأن الشيطان يمتطي ظهورنا". وصف القيادة "الاسرائيلية" بالحمقاء، لأنها فرشت الطريق الى الشرق الأوسط أمام الرئيس الأميركي بالجثث، سائلاً "ما الذي يجعلنا نثق بأنه لن يمشي فوق جثث "اليهود"ن مثلما يمشي الآن فوق جثث العرب، ما دام ذلك الرئيس الذي ينقب عن الذهب ولو في جهنم"؟

كثيراً ما رددنا أن المنطقة بين مجنون واشنطن ومجنون أورشليم. آراء كثيرة على مواقع التواصل "الاسرائيلية" تصف رئيس الحكومة بالعمى السياسي والاستراتيجي. ما من مرة كان ترامب قريباً من "اليهود"، الذين كانوا ينافسونه ان في منهاتن أو في وول ستريت، وحتى تحت ضجيج الثريات في لاس فيغاس. "لوس أنجلس تايمز" كتبت الكثير عن "صراع اللوردات" أو "صراع الفيلة" في الطبقة العليا من الكرة الأرضية.

وسائل الاعلام الأميركية التي شاركت ترامب في حملة التشهير بجو بايدن، على أنه مصاب بالبارانويا (أي الخرف)، تتساءل الآن اذا كان الرئيس الحالي مصاباً بالشيزوفرانيا، بسبب التناقض في مواقفه بين الساعة والأخرى، وربما بين الدقيقة والأخرى. هذيان على مدار الساعة ما يحمل ليسلي غليب على التساؤل، اذا كانت هذه لغة الأمبراطور أم لغة حصان الأمبراطور؟

ها أن رجاله يتكلمون باللغة نفسها. آفيفا تشومسكي، المؤرخة التي عرفت بصدقيتها (وأميركيتها)، أبدت ذهولها حيال تصريحات السفير المعين في "اسرائيل" مايك هاكابي، "أعتقد أننا سنحقق تغييراً بأبعاد توراتية خلال هذه الادارة في الشرق الأوسط"، مضيفاً "هناك بعض الكلمات التي أرفض استخدامها، لا يوجد شيء يدعى الضفة الغربية". سألته اذا كان سفير أميركا في "اسرائيل" أم سفير "اسرائيل" في أميركا.

تشومسكي، وعلى خطى أبيها ناعوم تشومسكي الذي لم يعد قادراً على النطق، تحذر من الغرق في الشرق الأوسط، الذي قد يتحول بين ليلة وضحاها الى الجحيم. الجنرال البارز ديفيد بترايوس اقترب من هذا التوصيف حين دعا، لدى الخروج من أفغانستان، كجزء من الشرق الأوسط الكبير، الى عدم السقوط ثانية في "استراتيجية المستنقعات". هذه منطقة ضائعة بين التضاريس التاريخية والايديولوجية من جهة، ومن جهة أخرى بين الترسبات الأمبراطورية والترسبات القبلية.

من الداخل "الاسرائيلي" تعليقات حول دور الحروب الأخيرة في الكشف عن "هشاشة عظامنا". هي الحروب التي فتحت أبواب الجحيم التي لا تغلق ابداً. التماهي بين حماقة بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب في النظر الى غزة والضفة الغربية. الاثنان لم يلاحظا أن كل تلك الأهوال التي حدثت لم تتمكن، ولن تتمكن، من اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم.

في كل الأحوال ما تفوه به ترامب، وما تفوه به نتنياهو في الآونة الأخيرة، لا يترك مجالاً للشك في أن عبارة "تغيير الشرق الأوسط" تعني تغيير الخرائط (لاحظوا ما حال الدولة السورية)، ما يستتبع ميكانيكياً تغيير الدول وتغيير الأنظمة. واذ شاهدنا كيف تعامل الرئيس الأميركي مع ضيفه الملك الأردني عبدالله الثاني، وما سنشاهده لدى استقباله الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ندرك مدى الضغط الذي سيمارس على الدول العربية، للتكيف مع "الأبعاد التوراتية" للتغيير.

قمة عربية في مصر في 27 شباط. هلى يتخطى العرب مبادرتهم الديبلوماسية العرجاء التي أقرتها قمة بيروت عام 2002، وما زالت تراوح مكانها بعد أن أدخل عليها، خجلاً أو خلسة، بند العودة، باتجاه استراتيجية تلحظ البدائل الديبلوماسية والعسكرية العملانية؟ هكذا تواجه بيد واحدة، بل بقبضة واحدة، المشروع الأميركي ـ "الاسرائيلي" الذي يمكن أن يدفع بدول عربية الى الاختفاء، وبدول أخرى الى التفكك، لنعود وكما وصفنا برنارد لويس "تلك القوافل التائهة في الصحارى والتي تحمل أكياس الرمل على ظهورها".

هل تكون مرة أخرى "قمة عكاظ". بمنتهى الفظاظة قالت قناة "فوكس نيوز": "كل رؤوسهم وكل تيجانهم في قبضة دونالد ترامب". خوفنا أن تكون قمة... قفا نبك!!

الأكثر قراءة

المعادلة «الاسرائيلية»: التطبيع مع الطوائف اذا فشل مع الدولتين اللبنانية والسورية «أم المعارك» على قانون الانتخابات والاتجاه لصوتين تفضيليين الاستعدادات اكتملت في المختارة لإحياء ذكرى 16 اذار