اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

يُعَد العنف الأسري سلوكاً غير شرعي يُمارَس لإحراز السلطة على الشريك ما يعكِسُ إساءةً للطرف الضعيف الذي قد يواجه تعدياتٍ جسدية ونفسية أو حرمان من حقوقه الطبيعية والمالية، يكون الهدف منها ترويع الشخص وترهيبه من أجل السيطرة عليه. في لبنان، صدر عام ٢٠١٤ قانون رقم ٢٩٣ الذي رمى إلى تأمين حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري، ولكن بعد فترةٍ وجيزة من بدء التطبيق، تبيّن وجود بعض الثغرات التي أدت إلى تفلت المرتكبين من العقاب رغم محاولة بعض القضاة الى سد هذا النقص باجتهادات جريئة. فعلى سبيل المثال، أصدر قاضي الأمور المستعجلة في بيروت قراراً لاستكمال أحكام هذا القانون وتصحيح بعض الشوائب الواردة فيه، فاعتبر أن العنف يمكن أن يرتكز أيضاً على إساءات معنوية ككيْل الشتائم والتحقير والاستيلاء على الهاتف الخليوي والأوراق الثبوتية أو منع الخروج من المنزل. لذا، تمّ تعديل المحتوى من خلال القانون رقم ٢٠٤، الصادر عام ٢٠٢٠، لضمان حسن تطبيق العدالة والنيْل من المرتكبين. ينقسم هذا القانون الى قسمين عقابي ورادع، حيث يشدّد الأوَل العقوبات المنصوص عليها في القانون اللبناني إذا ارتُكِبت بين أفراد الأسرة ويجرّم العنف المعنوي والإقتصادي. أما القسم الرادع فيشمل أمر الحماية الذي يمكن للضحية أن تطلُبه بهدف إبعاد المعنِّف عنها ونقلها مع أطفالها إلى مكانٍ آمن.

تكثرُ الأخطاء الشائعة لدى التحدث عن العنف الأسري، فالمجتمع يربط معنى العنف إجمالاً بالفعل الضار المُمارَس من الزوج على زوجته، ولكن القانون أضاء على حالاتٍ أخرى، منها العنف المُمارَس من الأب على الأولاد الراشدين بما أن القاصرين يشملهم نظام خاص يُعرف بقانون حماية الأحداث، كذلك العنف الموجَّه من الأولاد الراشدين على الأب والأم، فضلاً عن استعمال القوة والتهديد بين الأخوة. في شأنٍ متّصل، أدخلَ التعديل الزوج السابق أو الطليق في دائرة المسؤولية، في حين لم يشمل علاقات المساكنة وتلك الخارجة عن إطار الزواج الصحيح والدائم، المعترف فيه قانوناً. من جهةٍ أخرى، لم يجرّم القانون فعل إكراه الزوجة على الجماع الزوجي بحد ذاته، إنما عاقب على الضرب والإيذاء والتهديد الذي يلجأ اليه الزوج للحصول على الحقوق الزوجية.

يأتي هذا القانون ليضمن حماية أفراد العائلة من أي فعل يعكس سوء استعمال للسلطة داخل الأسرة بالقوة الجسدية أوغيرها وينتُج عنه إيذاء جسدي أو نفسي. تشمل هذه الحماية الزوجين أثناء قيام الرابطة الزوجية أو بعد انحلالها والأب والأم لأي منهما والأخوة والأخوات والأبناء ومن تجمع بينهم رابطة التبنّي أو المصاهرة حتى الدرجة الثانية. أما بالنسبةِ إلى الأحكام الجزائية، فيُلاحظ أن هذا القانون قد شدّد العقوبة على بعض الأفعال الجرمية ودعا إلى تعديل مواد معيّنة في قانون العقوبات. على سبيل المثال لا الحصر، من قتل إنساناً عن قصد عوقب بالأشغال الشاقة من خمس عشرة سنة إلى عشرين سنة أما إذا ارتكَبَ الفعل أحد الزوجين ضد الآخر فتُشدّد العقوبة لتصبح مدة السجن من عشرين إلى خمسة وعشرين سنة. كذلك يُعاقَب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات أو بالغرامة، إذا أدى العنف الحاصل في الأسرة إلى أي ضرر معنوي، جسدي أم إقتصادي مثل الحرمان من الموارد المالية والإحتياجات الأساسية. في السياق نفسه، يُعاقب بالحبس من عشر سنوات إلى خمسة عشر سنة إذا أدى العنف إلى أي تشويه في معالم الجسم أو أي عطل جسدي دائم.

عند وقوع عنف أسري يمكن للضحية أن تتقدّم بشكوى جزائية أمام المحامي العام المكلّف بالنظر في هذه القضايا لتأخذ إطار المحاكمة الجزائية، كما يمكن للشخص المعنَّف الاستحصال على أمر حماية من قاضي الأمور المستعجلة أو طلبه لاحقاً من قاضي التحقيق الواضع يده على القضية أو المحكمة الجزائية الناظرة فيها. في الحالة الأولى، يحُق للمحامي العام قبل صدور أمر الحماية عن المرجع المختص تكليف الضابطة العدلية باتخاذ التدابير التالية؛ الحصول على تعهد من المشكو منه بمنع التعرض للمدعي ومنع الجهة المعنِّفة من دخول البيت العائلي لمدة يوميْن قابلة للتمديد مرة واحدة، بالإضافة إلى إحتجاز المشكو منه ونقل الضحية إلى مكان آمن على نفقة المدعى عليه. أما إذا أردنا التدقيق بمفهوم أمر الحماية، فنجِد أنه تدبير مؤقت يصدر عن المرجع القضائي المختص بهدف حماية المرأة وأولادها القاصرين وسائر المقيمين معها، الذين يستفيدون من هذا الإجراء إذا كانوا معرضين للخطر، فضلاً عن أي شاهد أو شخص آخر يقدم المساعدة للضحية بهدف منع إستمرار العنف أو التهديد بالإيذاء. والجدير بالذكر أن طلب الحماية الذي تتقدم به الضحية هو طلب رجائي لا يستوجب إبلاغه إلى المعنِّف ولا يتم إستدعاء هذا الأخير أمام القاضي للاستماع إليه قبل إصدار قرار بالحماية. أما بعد صدور القرار، يحق للمستدعيّة والشخص المعنِّف الإعتراض عليه أمام القاضي نفسه أو الطعن به أمام محكمة الاستئناف، كما يمكن مراجعة القاضي في أي وقت للرجوع عن القرار أو تعديله وفقاً للمستجدات. واستثناء لما سبق، يمكن أن يطلب القاضي الاستماع إلى الطرفين إذا لم يجد أدلة كافية على وقوع العنف.

يتضمن أمر الحماية إلزام المشكو منه بعدم التعرض للضحية وأفراد العائلة المعرضين للخطر، إخراج مرتكب العنف من المنزل مؤقتاً لدى استشعار أي خطر على الضحية، كذلك يمكن نقل الضحية مع أولادها حكماً الذين هم في سن الثالثة عشرة وما دون، والمقيمين معها إلى سكن آمن. ويمكن الحكم على المشكو منه، وفق قدرته، بتسديد نفقات السكن والمأكل والتعليم والطبابة والإمتناع عن إلحاق الضرر بأي من الممتلكات الخاصة بالضحية. تجدر الإشارة إلى أن قرار الحماية يصدر ضمن مهلة أقصاها ثمانٍ وأربعون ساعة وإن استئناف القرار أو الطعن به لا يوقفان التنفيذ ما لم تقرر المحكمة المختصة خلاف ذلك، مع العِلم أن القرار الصادر عن المرجع الاستئنافي لا يقبل التميّيز. واللافت أن كل من خالف أمر الحماية او أحد بنوده عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين وبغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين وتشدّد العقوبة إذا رافق المخالفة استخدام العنف.

ممّا لا شك فيه، أن تعرّض المرأة وسائر أفراد العائلة للعنف الأسري ظاهرة باتت معالمها أكثر وضوحًا ولكن في ظل تطوّر القوانين والحياة الاجتماعية في لبنان، ترفع النساء بجرأة لواء الدفاع عن حقوقهن بدعم من الجمعيات الأهلية والجهات الرسمية والقضائية.  

الأكثر قراءة

الأحد التاريخي: تشييع القادة واستفتاء شعبي على قوة حزب الله الانتخابات البلدية 2025: تحالفات ومفاجآت واستعدادات مكثفة الجيش اللبناني يقود الخطة الأمنية في يوم التشييع