اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


على إيقاع مدفع الإفطار وأصداء المآذن، وبين رائحة الخبز الساخن ونسمات الليل المضمخة بالدعوات، يولد رمضان كل عام في وجدان الشعوب، ليس فقط كشهر عبادة وصيام، بل أيضا كموسم تلفزيوني ينتظره الملايين. منذ عقود، لم يعد رمضان مجرد محطة روحية، بل أصبح شاشة واسعة تنعكس عليها حكايات مجتمعاتنا، أوجاعها، تناقضاتها وأحلامها. إنه الموعد السنوي الذي تتسابق فيه الفضائيات والقنوات على جذب المشاهدين، فتفرش شوارع الشاشة بسجادات من الدراما الاجتماعية، التاريخية والكوميدية، كأنما تهيّئ لنا ولائم سمعية وبصرية توازي موائد الإفطار.

بداية هذا التقليد

وفق الناقدين الفنانين، فانه لا يمكن الجزم بتاريخ محدد، لكن مع بدايات التلفزيون العربي في خمسينيات القرن الماضي، بدأت الأعمال الدرامية تجد في رمضان توقيتها الأمثل، حيث تجتمع العائلات بعد الإفطار حول الشاشة، تتناقل همومها في حديث سريع قبل أن يصمت الجميع أمام مسلسل جديد. ومع مرور السنوات، تحوّل رمضان إلى الموسم الذهبي للإنتاج التلفزيوني، فصارت الأعمال تُصنع خصيصا لهذا الشهر، وكأنها طقس موازٍ للصيام، لا يكتمل رمضان من دونه.

وسط هذا الزحام الفني، ارتفع سقف المنافسة في العقدين الأخيرين وتنوعت المضامين. هناك من يغرق في قضايا المجتمع بمسلسلات اجتماعية تفضح المسكوت عنه، وهناك من يعيد إحياء التاريخ ليعيد قراءة الماضي بعين الحاضر.

وفي هذا السياق، يشهد رمضان 2025 حدثا نادرا في المشهد الدرامي، حيث يعود التاريخ ليأخذ مكانه في مقدمة الأعمال الرمضانية من خلال مسلسل "معاوية"، الذي يعيد تقديم سيرة واحدة من أكثر الشخصيات المثيرة للجدل في التاريخ الإسلامي. منذ سنوات طويلة لم يحظَ المشاهد العربي بمسلسل تاريخي بحجم هذا العمل، لا من حيث الإنتاج، ولا من حيث الجدل الذي يرافقه.

بين دراما الواقع ودراما التاريخ، يبقى رمضان خشبة المسرح الأهم، حيث يترقب الجميع عروضه السنوية بفضول وشغف، فيما تتسابق القنوات والمنصات الرقمية لتقديم أفضل ما لديها، لتظل المعادلة قائمة: أي الأعمال ستنجح في أسر قلوب المشاهدين هذا العام؟

"عجقة" اعمال ولا عدد نهائي!

اما حول عدد المسلسلات الجديدة الإنتاج التي ستُعرض خلال رمضان 2025، فلا يوجد رقم نهائي وثابت حتى الآن يمكن الاعتماد عليه بشكل قاطع، لأن القوائم لا تزال تتشكل وقد تتغير مع اقتراب الشهر الكريم. ومع ذلك، بناءً على المعلومات المتداولة حتى تاريخ 28 شباط 2025، تتحدث بعض التقارير عن أن هناك تنافسا كبيرا هذا العام، خاصة في الدراما المصرية، مع ترجيحات تشير إلى وجود حوالي 39 مسلسلاً مصريا سيُعرض في موسم رمضان 2025، وفقا لما ذكرته وسائل إعلام محلية. يشمل هذا العدد مسلسلات طويلة (30 حلقة) وقصيرة (15 حلقة)، ومعظمها إنتاجات جديدة.

لذا، بشكل تقريبي، يمكن القول إن عدد المسلسلات الجديدة الإنتاج لرمضان 2025 قد يكون بين 50 و60 مسلسلاً على الأقل، مع الأخذ في الاعتبار التنوع بين الأعمال المصرية والعربية واللبنانية، التي شهدت تراجعا ملحوظا في حجم الإنتاج الخاص بدراما رمضان هذا العام.

الدراما التاريخية بين غياب لسنوات

وحسابات الإنتاج الدقيقة!

في سياق متصل بدهاليز الدراما الرمضانية، تتناوب الأعمال التشويقية المتنوعة على تصدّر المشهد، وتُبعَد الأعمال التاريخية إلى الظل كأنها آثار من زمن مضى، لا يجرؤ المنتجون على إحيائها إلا بحسابات دقيقة. لذا تحوّلت إلى طيف عابر، يحضر حينا ويغيب أعواما، متأرجحا بين كلفة الإنتاج الباهظة، وحساسية الموضوعات التي تلامس أوتارا سياسية ودينية مشدودة.

"معاوية"… العودة المرتقبة للدراما التاريخية

وسط هذه العروض الدرامية المتنوعة، يبرز مسلسلٌ مختلفٌ، وكأنه طيفٌ قادمٌ من زمنٍ آخر، إنه "معاوية"، العمل التاريخي الوحيد في موسم رمضان 2025. بعد سنواتٍ طويلةٍ من الغياب شبه التام للأعمال التاريخية، يأتي هذا المسلسل ليعيد الحياة إلى هذا اللون الدرامي، الذي اعتاد المشاهد العربي على متابعته في رمضان، عندما كانت الأعمال التاريخية تُروى كأنها ملاحم تُعرض تحت قباب المساجد، حيث تلتقي الدراما مع التأمل الروحي في الشهر الكريم.

يروي العمل سيرة معاوية بن أبي سفيان، مؤسس الدولة الأموية، ويغطي مرحلة مفصلية في التاريخ الإسلامي. العمل من إنتاج مجموعة MBC، وتأجل عرضه لعامين لأسباب إنتاجية ولوجستية، لكنه يعود هذا العام بضخامة إنتاجية لافتة، حيث تم تصويره في تونس بميزانية تُقدّر بـ 100 مليون دولار.

يضم المسلسل نخبة من النجوم، منهم لجين إسماعيل في دور معاوية بن ابي سفيان، إياد نصار، أيمن زيدان، سامر المصري، وسهير بن عمارة، فيما يتولى اخراجه طارق العريان، استنادا إلى نص كتبه خالد صلاح.

وفي هذا الإطار، يؤكد مصدر في نقابة الفنانين اللبنانيين لـ "الديار" أن "هذا الغياب لم يكن محض مصادفة، بل هو نتيجة تحولات مترابطة. فمن ناحية، تتطلب الأعمال التاريخية ميزانيات ضخمة، تصويرا مكلفا، وأبحاثا دقيقة، وهي عناصر لا تتناسب مع سرعة الإنتاج الرمضاني. ومن جهة أخرى، أصبح المناخ العام أقل تقبلًا للأعمال التي تتناول شخصيات تاريخية حساسة، خشية الدخول في دوامة الجدل السياسي والديني".

ويضيف "وسط هذه العتمة يطلّ "معاوية" ككويكب درامي، يعيد خلط الأوراق ويثير جدلًا لم يبدأ بعد عرضه. المسلسل، الذي استثمرت فيه مجموعة MBC عشرات الملايين، لا يستعيد فقط بريق الدراما التاريخية، بل يقتحم حقبة شائكة في التاريخ الإسلامي، حيث تتقاطع السياسة بالدين، ويُعاد سرد معارك السلطة التي لا تزال تردداتها حاضرة في الذاكرة الجماعية. هذا العمل ليس مجرد دراما، بل اختبار لقدرة الجمهور على العودة إلى هذا اللون الدرامي، ومدى استعداده لإعادة النظر في تاريخٍ يختلف حوله الرواة".

المصدر نفسه يشير إلى أن الدراما الرمضانية خلال السنوات الماضية، اتجهت نحو الأعمال الاجتماعية والتجارية، مدفوعةً بتغير ذوق الجمهور، الذي لم يعد يبحث عن حكايات من الماضي، بل عن قصص تلامس يومياته. ومع ذلك، يرى أن مسلسل "معاوية" قد يغيّر هذه المعادلة، لأنه لا يقتصر على استعادة الدراما التاريخية، بل يقدم مادة جدلية تفرض نفسها على النقاش العام.

فهل يهيمن "معاوية" على المشهد الرمضاني، كما يتضح من أدوات الترويج الضخمة؟ نظريا، يمتلك كل العناصر التي تضعه في الصدارة: إنتاج فخم، حبكة تستفز الفضول، وأسماء تمثل أقطابا في التمثيل العربي. لكن النجاح ليس فقط في ضخامة المشهد، بل في قدرة العمل على جذب جمهور تعوّد على الإيقاع السريع للدراما الحديثة. التحدي الحقيقي ليس فقط في إقناع المشاهدين بمتابعة عمل تاريخي، بل في جعلهم يتفاعلون معه، وسط زخم من الأعمال التي تخاطب واقعهم المباشر.

في جميع الأحوال، فان عودة الدراما التاريخية، ليست مجرد قرار إنتاجي، بل هي انعكاس لتحولات أعمق تطرح سؤالًا: هل الجمهور مستعد للتصالح مع الماضي، أم أن زمن المسلسلات التاريخية قد ولى بلا رجعة؟ "معاوية" سيكون إما بوابة عبور جديدة لهذا النوع الدرامي، أو علامة أخيرة على أفوله في عالم تتحكم فيه معايير الإثارة وسرعة الاستهلاك. كما لم يكن الغياب وليد الصدفة، بل نتاج تحولات معقدة. اذ ان الإنتاج التاريخي لا يُكتب على عجل، بل يحتاج إلى عمق بحثي وسيناريو متقن، وأماكن تصوير تحاكي أزمنة غابرة، ما يجعله يتعارض مع وتيرة السباق الرمضاني، حيث تفضّل شركات الإنتاج الأعمال السريعة والمضمونة العائد. كما أن الجمهور، المتخم بحكايات الواقع، وجد في الدراما الاجتماعية والكوميدية نافذة أقرب إلى يومياته، فتقلّصت مساحة المسلسلات التي تعيد رواية الحقبة السالفة، خصوصا حين يكون ذلك الماضي محملًا بإرث من الصراعات.

الى جانب كل ما تقدم، تبرز مجموعة متنوعة من الأعمال الدرامية التي تتنافس على جذب انتباه المشاهدين، من بينها مسلسلان لبنانيان حظيا بترويج واسع، وهما "نَفَس" و"بالدم".

مسلسل "نَفَس"

يُعتبر من أبرز الإنتاجات اللبنانية المنتظرة في رمضان 2025، اذ تدور أحداثه حول شخصية "روح شهاب"، التي تجسدها الممثلة اللبنانية دانييلا رحمة، وهي امرأة تواجه تحديات حياتية معقدة، وتسعى لتحقيق أحلامها، قبل أن تغمر حياتها ظلال الماضي. يشاركها البطولة عابد فهد ومعتصم النهار. المسلسل من تأليف إيمان السعيد وإخراج إيلي السمعان، وسيُعرض على منصة "شاهد"، بالإضافة إلى تلفزيون دبي وقناة MTV اللبنانية.

اما مسلسل "بالدم"، فهو عمل درامي من انتاج شركة "Eagle Films" للمنتج جمال سنان، مستوحى من قصص حقيقية، يسلط الضوء على أسرار الماضي وتأثيرها في الحاضر. تجسد ماغي بو غصن دور البطولة إلى جانب باسم مغنية، بديع أبو شقرا، وجيسي عبدو. المسلسل من تأليف نادين جابر وإخراج فيليب أسمر، وسيُعرض على منصة "شاهد" وقناة MTV اللبنانية خلال شهر رمضان، وتغني الشارة ماريلين نعمان. 

ومن الانتاجات اللبنانية السورية المشتركة مسلسل "تحت الأرض- موسم حار" و "سكرة الحب".

حضور مكثف للدراما العربية

بعيدا عن الشاشات اللبنانية، تفرض مجموعة MBC نفسها كحاضنة لأكبر عدد من الأعمال الرمضانية، ما يجعلها الوجهة الأساسية لعشاق الدراما العربية. من بين الأعمال المنتظرة:

"إش إش": مسلسل مصري بطولة مي عمر وإخراج زوجها محمد سامي، الى جانب نخبة ممثلين من الصف الأول مثل ماجد المصري وهالة صدقي، يحكي قصة فتاة فقيرة تجد نفسها في عالم الرقص وسط أسرارٍ عائليةٍ غامضة.

في الختام، رمضان 2025 يحمل معه تنوعا لافتا في الإنتاجات الدرامية، بين الاجتماعي والتاريخي والكوميدي، وبين المحلي والعربي. الشاشات اللبنانية ستقدم أعمالًا تستهدف جمهورها التقليدي. أما مسلسل "معاوية"، فهو الرهان الأكبر، إما أن يكون مفاجأة الموسم، أو مجرد تجربة أخرى في تاريخ الدراما التاريخية ،قد تؤسس لمرحلة جديدة او تنهي هذا النوع من الاعمال.

الأكثر قراءة

سلام يخسر الكباش الاول مع عون : سعيد حاكما للمركزي رئيس الجمهورية يضع النقاط على الحروف قبل لقاء ماكرون ضمانات سعودية لتنفيذ التفاهمات الامنية بين لبنان وسوريا