اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


في ظل تصاعد المخاطر البيئية وتغير المناخ، حذرت وزارة الزراعة اللبنانية من انتشار حشرة الجادوب الصنوبرية، التي باتت تشكل تهديدًا متزايدًا للغابات والصحة العامة. وأوضحت الوزارة أن هذه الحشرة تمتلك دورة حياة سنوية، لكن ارتفاع درجات الحرارة في الشتاء وانخفاض معدلات البرودة ساهما في تكاثرها وانتشارها بشكل واسع، مما يزيد من تأثيراتها السلبية.

دورة حياة حشرة الجادوب

تبدأ دورة حياة هذه الحشرة في فصل الصيف، حيث تظهر الفراشات البالغة وتبدأ بالتزاوج، لتضع الإناث بيضها على أشجار الصنوبر البري. بعد 30 إلى 45 يومًا، تفقس اليرقات التي تنمو على مدار عدة أشهر، وتمر بخمسة أطوار، تزداد خلالها خطورتها بسبب إفرازها شعيرات سامة تسبب حساسية جلدية وتنفسية لدى البشر والحيوانات. ومع حلول الخريف، تنسج اليرقات أعشاشها الشتوية في المواقع المشمسة، لتستعد للخروج في نهاية الشتاء، حيث تبدأ في التنقل بشكل جماعي، بحثًا عن أماكن دافئة، مما يعزز فرص وصولها إلى المناطق السكنية وزيادة تعرض السكان لمخاطرها.

تؤثر حشرة الجادوب بشكل كبير في الغابات من خلال التسبب  بتعرية الأشجار من أوراقها، مما يضعف قدرتها على النمو الطبيعي. ورغم أنها لا تؤدي مباشرة إلى موت الأشجار، إلا أنها تقلل من إنتاج الخشب وتزيد من هشاشة الأشجار، مما يجعلها أكثر عرضة للإصابة بالأمراض والآفات الأخرى. على المدى الطويل، يمكن أن تهدد هذه التأثيرات الغطاء الحرجي وتؤثر في التوازن البيئي.

هذا ولا تقتصر الأضرار على الأشجار فحسب، بل تمتد لتشمل الإنسان والحيوان أيضًا. تفرز يرقات الجادوب شعيرات سامة تسبب حساسية جلدية شديدة، تظهر في شكل احمرار، حكة، وطفح جلدي مؤلم. كما أن استنشاق هذه الشعيرات قد يؤدي إلى مشاكل تنفسية مثل السعال وضيق التنفس، خاصة لدى الأشخاص الذين يعانون من أمراض الجهاز التنفسي أو الحساسية المفرطة. أما الحيوانات الأليفة والمواشي، فقد تتعرض لخطر تورم الحلق وصعوبة في البلع في حال ملامسة هذه الشعيرات أو ابتلاعها، مما قد يستدعي تدخلاً بيطريًا عاجلًا.

استراتيجيات المكافحة والوقاية

لمواجهة المخاطر البيئية والصحية التي تشكلها هذه الحشرة، أكدت وزارة الزراعة على ضرورة اتخاذ تدابير وقائية فعالة للحد من انتشارها. من بين هذه التدابير، تأتي المكافحة الميكانيكية في المقدمة، حيث يُنصح بإزالة الأعشاش الشتوية خلال شهري كانون الأول وشباط والتخلص منها عبر الحرق الآمن، مع تجنب التعامل المباشر مع الأعشاش أو اليرقات دون استخدام معدات وقائية.

أما المكافحة الحيوية، فتشمل استخدام المبيد الحيوي Bacillus thuringiensis var. kurstaki خلال الأطوار اليرقية الأولى، وتحديدًا بين شهري أيلول وكانون الأول، مما يحد من انتشار اليرقات قبل وصولها إلى مراحل الخطر. في بعض الحالات، قد يكون من الضروري اللجوء إلى الرش الجوي بتقنية الحجم المتناهي الصغر (ULV) للقضاء على أعداد كبيرة من اليرقات المنتشرة في الغابات.

وفيما يخص المكافحة الكيميائية، فقد شددت الوزارة على ضرورة تقليل استخدامها واقتصارها على الرش الأرضي في المناطق القريبة من التجمعات السكانية، مثل الطرقات والمدارس ودور العبادة. كما منعت استخدام المبيدات الكيميائية داخل الغابات للحفاظ على التوازن البيئي وحماية الكائنات المفيدة.

توصيات للمواطنين

في ظل المخاطر الصحية التي تشكلها حشرة الجادوب، دعت وزارة الزراعة المواطنين إلى توخي الحذر واتخاذ الاحتياطات اللازمة، مثل تجنب الاقتراب من يرقات الجادوب أو لمسها، وارتداء ملابس واقية عند التواجد في المناطق المصابة. كما أوصت بغسل الجلد جيدًا بالماء والصابون في حال التعرض للشعيرات السامة، مع ضرورة استشارة الطبيب في حال ظهور أعراض حساسية حادة.

إضافةً إلى ذلك، شددت الوزارة على أهمية الإبلاغ عن انتشار اليرقات في المناطق السكنية لتتمكن الجهات المختصة من اتخاذ الإجراءات اللازمة في الوقت المناسب. كما دعت إلى دعم حملات التوعية والمشاركة في جهود المكافحة المجتمعية، من أجل حماية البيئة والصحة العامة.

أخيراً، يشكل انتشار حشرة الجادوب الصنوبرية تحديًا بيئيًا وصحيًا متزايدًا، خاصة مع تفاقم تأثيرات التغير المناخي. ولهذا، من الضروري تكثيف جهود المراقبة والمكافحة، إلى جانب توعية المواطنين والمزارعين حول أفضل السبل للحد من انتشارها. التعاون بين الجهات المختصة والأفراد سيساهم في الحفاظ على الغابات والصحة العامة في لبنان، وضمان بيئة أكثر أمانًا للأجيال القادمة.

الأكثر قراءة

المعادلة «الاسرائيلية»: التطبيع مع الطوائف اذا فشل مع الدولتين اللبنانية والسورية «أم المعارك» على قانون الانتخابات والاتجاه لصوتين تفضيليين الاستعدادات اكتملت في المختارة لإحياء ذكرى 16 اذار