اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

د . ماجد جابر

شهدت السنوات الأخيرة تحوّلًا جذريًا في أساليب الحروب، حيث أصبح الذكاء الاصطناعي أداة رئيسية في العمليات العسكرية والاستخباراتية. والكيان الإسرائيلي الذي يعد رائدًا في هذا المجال، طور تقنيات متقدمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لجمع المعلومات، تحليل البيانات، وتحديد الأهداف العسكرية بسرعة غير مسبوقة. بعد تجربتها في قطاع غزة، وسع العدو الإسرائيلي نطاق هذه الأدوات لاستخدامها في عدوانه على لبنان تجسّسًا واستهدافًا وتدميرًا، مستندًا إلى قدرات الوحدة 8200، والأنظمة المتقدمة التي طورتها.

الوحدة 8200: قلب الاستخبارات "الإسرائيلية"

تُعد "الوحدة 8200"من أبرز الوحدات الاستخباراتية "الإسرائيلية"، حيث تركز على جمع المعلومات الإشارية (SIGINT)، فك الشيفرات، والمراقبة الرقمية، إضافةً إلى الحرب السيبرانية. ومع تصاعد أهمية الذكاء الاصطناعي عسكريًا، أصبحت الوحدة مركزًا لتطوير أنظمة تحليلية تُستخدم في تحديد الأهداف واتخاذ القرارات. تحت قيادة يوسي سارئيل (Yossi Sariel)، أُعيد هيكلة الوحدة لتعزيز دور المهندسين وتقليص المتخصصين في اللغة العربية، مع استبعاد معارضي الذكاء الاصطناعي. وبحلول أكتوبر 2023، أصبح 60% من موظفيها يعملون في مجالات الهندسة والتكنولوجيا، مما جعلها تُشبه "مصنعًا للذكاء الاصطناعي".

في كتابه "الفريق البشري-الآلي"(The Human-Machine Team)، دعا سارئيل إلى استبدال 80% من المحللين البشر بالذكاء الاصطناعي خلال خمس سنوات، مؤكدًا قدرة الخوارزميات التنبؤية على تحليل بيانات مثل مواقع الهواتف، منشورات التواصل الاجتماعي، لقطات المسيرات، والاتصالات المعترضة، للتنبؤ بأفعال الأفراد المستهدفين. ويرى أن الذكاء الاصطناعي سيُسرّع تشكيل الأهداف أثناء الحروب، ويُزيل "عنق الزجاجة البشري" الذي يعوق سرعة اتخاذ القرارات العسكرية.

عند توليه قيادة "الوحدة 8200" في فبراير2021، كانت الوحدة قد بدأت منذ سبع سنوات في تجارب علوم البيانات، مستفيدة من تطور تكنولوجيا الاتصالات لتعزيز قدرتها على معالجة كميات ضخمة من البيانات مثل الرسائل والمكالمات، ما ساهم في تحديد الأهداف بدقة أعلى وتجاوز القيود البشرية. احتفظت الوحدة بـ "بنك أهداف" يضم إحداثيات دقيقة لبنية حماس وحزب الله التحتية، مع تحديث مستمر للمعلومات. كما جُمعت مليارات الإشارات من أجهزة استشعار على الطائرات المسيرة وطائراتF-35، وأجهزة مراقبة زلزالية تحت الأرض، والاتصالات المعترضة، وقورنت ببيانات مثل أرقام الهواتف وملفات التواصل الاجتماعي لتغذية برامج تحليل أنماط، وتوقع الأهداف المحتملة. كما تم تدريب خوارزميات التعرف على الصور لتحليل آلاف الصور الفضائية واكتشاف أساليب التمويه التي تستخدمها حماس وحزب الله لإخفاء الصواريخ ومنصات الإطلاق، مما قلّص وقت التحليل من أسبوع إلى 30 دقيقة. وفي حزيران 2021، أطلق الجيش الإسرائيلي أول بنك أهداف مدعوم بالخوارزميات، وحدد 450 هدفًا خلال حرب الـ11 يومًا مع حماس، منها قادة ووحدات صواريخ. وتُحدد هذه الأنظمة الأهداف تلقائيًا اعتمادًا على بيانات محدثة لحظيًا، مما يزيد من دقة وسرعة الاستهداف. وكانت إسرائيل أسست في عام 2019 "وحدة الاستهداف" ضمن مديرية الاستخبارات العسكرية، والتي كانت محورية في استجابة الجيش لهجوم حماس في 7 أكتوبر 2023. بالاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، سُرّعت عملية تحديد الأهداف وتقديم التوصيات للقوات عبر تطبيق ذكي يُدعى"Pillar of Fire"، ما مكّن القادة من تنفيذ هجمات دقيقة. وأسهمت هذه الوحدة في استهداف أكثر من 1,000 هدف يوميًا وتنفيذ اغتيالات دقيقة.

ساهمت الوحدة 8200 في تطوير أنظمة متقدمة مثل "لافندر(Lavender)"، "البشارة" (The Gospel)، وأين أبي؟ (""Where’s Daddy?)، التي تعمل على أتمتة تحديد الأهداف العسكرية عبر تحليل البيانات الضخمة، مع تقليل المشاركة البشرية في اتخاذ القرار، ما يُسرّع العمليات العسكرية ويُعزز كفاءتها.

نظام "Lavender": تصنيف الأهداف البشرية بسرعة فائقة

. يعدُّ نظام "لافندر" أداة ذكاء اصطناعي متقدمة طورتها إسرائيل لتحديد الأهداف البشرية عبر تحليل سلوك الأفراد واتصالاتهم. يعتمد على بيانات ضخمة مثل المكالمات الهاتفية والعلاقات الاجتماعية الرقمية، ويصنف الأشخاص كمشتبه فيهم خلال 20 ثانية دون مراجعة بشرية. رغم سرعته، كشفت تقارير عن ثغر في دقته، إذ صُنّف نحو 37,000 فلسطيني كمشتبه فيهم خلال الأسابيع الأولى من حرب غزة، مما أدى إلى غارات أودت بحياة مدنيين. كما استُهدف أفراد لمجرد تشابه سلوكهم أو استخدامهم لهواتف مرتبطة بحماس، مما يبرز ضعف دقة التحليل وغياب الرقابة البشرية.

نظام: "The Gospel" أتمتة توليد الأهداف العسكرية

يهدف نظام "The Gospel" المعروف أيضًا بـ Habsora بالعبرية، أي البشارة، الذي أعلن الجيش الإسرائيلي عنه في نوفمبر 2023، إلى تحديد الأهداف العسكرية بدقة وسرعة من خلال تحليل بيانات مثل صور الأقمار الصناعية، تسجيلات الطائرات بدون طيار، كاميرات المراقبة، والاتصالات، إلى جانب معلومات استخباراتية عن تحركات الأفراد والجماعات. يستخدم مؤشرات دقيقة للكشف عن مواقع مثل المباني المحصنة والأنفاق، ويحلل الحركات اللوجستية لنقل الأسلحة والمعدات وتحديد المنشآت الخاصة. كما يدمج بيانات من مصادر متعددة كالرادارات وأجهزة الاستشعار الحرارية لتقديم صورة شاملة عن أنشطة حماس وحزب الله، ما يمكّنه من توليد نحو 100 هدف يوميًا، محققًا نقلة نوعية مقارنة بالأساليب التقليدية.

نظام "Where’s Daddy?": استهداف الأفراد في منازلهم

صُمم هذا النظام لتتبع الأفراد المستهدفين وتنفيذ القصف عند دخولهم منازل عائلاتهم، بدلًا من استهدافهم أثناء النشاط العسكري، استنادًا إلى فرضية أن المنازل أقل تحصينًا من المقرات العسكرية. يعتمد على تتبع مواقع الهواتف المحمولة لتنبيه المشغلين عند دخول الأفراد أماكن محددة، خاصة منازلهم. ورغم فعاليته في الربط بين الأفراد ومواقعهم، إلا أن دقة تحديد المواقع ليست مضمونة دائمًا، مما قد يعرض المدنيين للخطر بسبب بيانات غير دقيقة أو تفسير خاطئ للسلوك الرقمي.

نموذج لغوي شبيه بـ ChatGPT لتحليل اللهجات: سلاح لغوي رقمي جديد

بعد هجوم حماس في أكتوبر 2023، طورت الوحدة 8200 نموذجًا لغويًا مشابهًا لـ ChatGPT، دُرّب على كميات ضخمة من بيانات المراقبة كالمكالمات والرسائل النصية وتحليل اللهجات الفلسطينية واللبنانية، بهدف رصد الأشخاص والأنشطة ذات الأهمية الاستخباراتية، حيث تم الكشف جزئيًا عن جهود بناء "نموذج اللغة الكبير" (LLM) الذي يولّد نصوصًا مشابهة للبشر. ساهم النموذج في تسريع التحليل وتصنيف الأفراد حسب درجة التهديد، لكنه أثار جدلًا بسبب احتمالية حدوث أخطاء أو تحيزات خوارزمية. استعانت الوحدة بخبراء من شركات تكنولوجيا عالمية، في وقت تسعى فيه وكالات استخبارات أخرى مثل وكالة الأمن القومي الأميركية (NSA) والمخابرات البريطانية لتطوير نماذج مشابهة. ويعتمد النموذج على تقنيات "التعلم العميق" ضمن استراتيجية لتعزيز كفاءة التحليل الاستخباراتي.

التعاون بين شركات التكنولوجيا الكبرى والجيش الإسرائيلي

بعيد 7 أكتوبر 2023، تعاونت غوغل (Google) مع الجيش الإسرائيلي ضمن عقد "نيمبوس" (Nimbus ) السحابي لتوفير تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة، مثل أدوات "Vertex" لتحليل البيانات العسكرية و"Gemini" لتطوير مساعد ذكي لمعالجة المستندات والصوت. تم توقيع العقد في 2021 بقيمة 1.2 مليار دولار، بمشاركة أيضًا من شركة أمازون (Amazon). استخدم الجيش مزارع خوادم من Cisco وDell، وحصل على تقنيات الحوسبة السحابية من Red Hat و Palantir Technologies

بالإضافة إلى ذلك، دعمت شركات تكنولوجيا أمريكية كبرى مثل Microsoft و OpenAI الجيش الإسرائيلي، حيث بلغ عقد 133 Microsoft مليون دولار، حيث تزايد الاعتماد على الخوادم السحابية مثل Microsoft Azure لتخزين أكثر من 13.6 بيتابايت من البيانات العسكرية، بما في ذلك المكالمات والرسائل، مما يعزز كفاءة التحليل. كما تُستخدم Azure لاكتشاف الأنماط والمصطلحات داخل كميات ضخمة من النصوص. كما اعتمد الجيش الإسرائيلي على أدوات"Chemist" و"Depth of Wisdom" لتحديد احتمالية انتماء الأفراد إلى جماعات مسلحة، وأداة "Flow" لتحليل البيانات الميدانية وتحديد الأهداف بسرعة أكبر. بالإضافة إلى ذلك، استثمر الجيش في تقنيات سحابية حديثة لمعالجة الخوارزميات بسرعة تحضيرًا لصراعه مع حزب الله على الحدود الشمالية للكيان. شملت هذه الأدوات تطبيق "Hunter" الذي يتيح للجنود في ساحة المعركة الوصول المباشر إلى المعلومات، و"Z-Tube" الذي يتيح مراجعة لقطات فيديو حية للمناطق التي يدخلها الجنود. كما قدم تطبيق "Map It" تقديرات فورية بشأن الخسائر والإصابات المدنية المحتملة في المناطق المُخلاة.

استخدام "إسرائيل" للذكاء الاصطناعي في حروبها يمثل تحولًا كبيرًا في تعزيز تفوقها العسكري، حيث أصبحت الأنظمة الذكية هي المحرك الرئيسي للتجسس والاستهداف. لكن هذه الأنظمة تثير مخاوف قانونية وأخلاقية، خاصة في ما يتعلق بقتل المدنيين دون تدقيق، وتوسيع الحروب السيبرانية، وإلغاء دور البشر في اتخاذ القرارات العسكرية. ومع استمرار تطوير التقنيات الذكية، تُطرح أسئلة مقلقة حول ما إذا كانت الخوارزميات ستحدد مستقبل الحروب، وجعلها أكثر دموية؟ وهل من يردع إسرائيل من تحويل الخوارزميات إلى أدوات للإبادة والتدمير؟ 

الأكثر قراءة

لبنان في مهب التصعيد الأميركي ــ الإسرائيلي: تكثيف الضغوط النار تحت الرماد شرقا وحزب الله يدعو للالتفاف حول الجيش إقرار آلية التعيينات ولا توافق على الحاكم..عون: ننتصر معًا