يحتفل العالم ولبنان ايضا بعد يومين بعيد الأم تقديرا لعطاياها اللامتناهية، التي من المستحيل أن تختصر بيوم واحد. وفي لبنان يحتفل بالمناسبة بشكل مختلف، فالعيد منذ سنوات طوال وبسبب الازمات المتلاحقة التي يمر بها، والواقع الاقتصادي والانخفاض الكبير في القدرة الشرائية، بات يأتي مرتديا ثوب الحزن حاملا الغصة في صوت الفرح.
الأزمات المتلاحقة سرقت فرحة الاعياد كافة دون استثناء، فعيد الأم الذي يصادف في 21 آذار يحل مثقلا بالهموم المعيشية والحياتية، بعد أن فتكت الأزمة الاقتصادية بكل مدخرات المواطن اللبناني، وباتت معظم العائلات تحت خط الفقر المدقع تبحث عن كفاف يومها، بعيداً عن أعياد كانوا ينتظرونها من عام إلى آخر.
يذكر أن أول احتفال بعيد الأم كان في عام 1908 في ولاية فرجينيا بالولايات المتحدة الأميركية، عندما قامت آنا جارفيس بالاحتفال كتخليد لأمنية والدتها، وأطلقت بعدها حملة لاعتراف الولايات المتحدة بعيد الأم، تحقيقاً لرغبة والدتها قبل وفاتها، ليصبح فيما بعد تقليداً تحتفل به الشعوب في مناطق مختلفة حول العالم.
وآنا جارفيس هي ناشطة أميركية ولدت في 1864، كانت أمها دائماً تردد العبارة الاتية: "في وقت ما وفي مكان ما، سينادي شخص ما بفكرة الاحتفال بعيد الأم"، وتترجم رغبتها هذه أنه إذا قامت كل أسرة من هذه الأسر المتحاربة مع بعضها بتكريم الأم والاحتفال بها، سينتهي النزاع والكره الذي يملأ القلوب. وعندما توفيت والدة آنا، أقسمت لنفسها أنها ستكون ذلك الشخص الذي سيحقق رغبة أمها ويجعلها حقيقة.
مشهدية الاحتفال في لبنان بعيد الأم العيد الذي يبشر بحلول فصل الربيع، يأتي هذا العام أيضاً في ظل ارتفاع غير مسبوق للأسعار، حيث حرم الكثير من الأبناء من متعة شراء الهدايا والورود احتفاء بهذه المناسبة السنوية، وجعل الحصول على باقة ورد وقالب "كيك" وأي هدية صعب المنال بالنسبة إلى الشباب الذين تآكلت رواتبهم.
شيرين وهي موظفة في إحدى الشركات الخاصة أكدت أنها لم تتمكن من شراء هدية لوالدتها كما اعتادت سابقا مع باقة الورد الكبيرة، بسبب انشغالها كما كل العائلات بتأمين الأقساط المدرسية لأولادها، وتوفير الحاجات الأساسية لمنزلها، مضيفة "الأولوية اليوم للأكل والمياه والقسط المدرسي". وقد اكتفت هذا العام بشراء وردة واحدة علها تسعفها في هذه الظروف للتعبير عن حبها الكبير لوالدتها، وإصرارها على الاحتفال بها رغم كل الظروف.
أما رشا فتقول ان العيد لا يعني لها شيئا لا من قريب ولا من بعيد ، "فأمي تخلت عني فلمن أبحث عن هدية وحالي يشبه حال الكثيرين ممن تخلت عنهم امهاتهم، إما مجبرات أو لاجل أن يعشن حياتهن".
"العين بصيرة واليد قصيرة وراتبي بالليرة اللبنانية"، عبارة اكد عليها الشاب جورج وقال ان لا قدرة لديه على شراء هدية لأمه كما اعتاد سابقا، "فهذا أسوأ عيد يمر علينا"، مضيفا "سأكتفي هذا العام بتقديم باقة ورد متواضعة، فالورد غالٍ والباقة تساوي نصف راتبي".
"تعذرت المهمة" تقول جانيت، وهي موظفة في أحد المصارف، وهي الباحثة في الأسواق اللبنانية عن هدية متواضعة تتناسب مع دخلها لوالدتها، لتعبر لها عن حبها وتقديرها لها ولو بشيء رمزي ، مضيفة " نأسف لما وصل إليه لبنان والعائلات من حرمان وترشيد للنفقات، فالعيد سيكون خجولاً بكل معالمه مع الأسف".
وبغصة ودموع تملأ عينيها تقول سهى "يا ليتها كانت بيننا لنحتفل بها، مهما اشتدت مصاعب الحياة في هذا الجحيم الذي نعيش فيه، فالجنة تحت اقدامها" ، اضافت: " لقد تساوى الفرح والحزن من بعدها في هذه الحياة". حال سهى يشبه حال الكثيرين ممن فقدوا أمهاتهم، فهذا العيد بالنسبة لهم يزيد الحزن المدفون في قلوبهم، ويطلق العنان لحسرات على ايام كانت امهاتهم ملاذهم الوحيد في وقت الضيق.
يذكر أن العالم العربي بدأ الاحتفال بعيد الأم من مصر، ثم انتقل الى باقي الدول العربية في خمسينيات القرن الماضي، وترجع بداية الاحتفال بعيد الأم للكاتب الصحافي علي أمين مؤسس جريدة "أخبار اليوم"، حيث طرح في مقال له فكرة الاحتفال بعيد الأم، قائلا: "لماذا لا نتفق على يوم في أيام السنة نطلق عليه يوم الأم"، ونجعله عيدا قومياً في بلادنا وبلاد الشرق، وفي مثل هذا اليوم يقدم الأبناء لأمهاتهم الهدايا الصغيرة".
وقد لاقى المقال إعجاب الكثيرين من القراء، واستجاب الكثير من القراء لهذه الدعوة، ومنها تم اختيار يوم 21 آذار أول أيام فصل الربيع، ليصبح رمزا للجمال وتفتح الزهور وللعطاء والحياة، وكان أول احتفال بعيد الأم في مصر عام 1956.
لعيد الأم رمزية خاصة، حيث يجتمع الأهل مع ابنائهم ويحتفلون بعيد السيدة، التي أنجبت وربت وتعبت، يغدقونها بالهدايا. لكن في لبنان المشهد مختلف، فهذا البلد الذي فقد خيرة أبنائه خلال الأزمة الإقتصادية، جلهم من الشباب، تقف الامهات صابرات على واقع موجع حمل قلوبهن الحزن والالم لبعد أبنائهم عنهن، وكأنه مكتوب على الأم اللبنانية أن تنجب الأبناء لأجل الاغتراب، وسط ما يعيشه لبنان من أوضاع صعبة.
يشار إلى أن معدلات الهجرة في لبنان وفق ما أفاد به الباحث في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين، وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، حيث غادر 820 ألف لبناني ولبنانية بين عامي 2012 و2024، 70% منهم من الفئة العمرية بين 25 و35 عاماً، الأرقام في تصاعد مستمر حيث هاجر 172 ألف شخص عام 2022، و في 2023 ارتفع العدد إلى 183 ألفاً، ومن المتوقع في عام 2025 أن يتجاوز العدد السنوات السابقة، إن لم يتم اتخاذ الإجراءات المطلوبة لوقف هذا النزيف.
كم هو حزين عيد الأم في لبنان المثقل بالألم والوجع، فليست الهجرة وحدها من يخطف الأبناء من أمهاتهم في لبنان، فالموت بمختلف أشكاله، ولا سيما الشهادة في سبيل الدفاع عن الوطن، حيث يزرع الغصة الموجعة في قلوب الأمهات الثكالى بابنائهن، لكن الام اللبنانية صابرة لن تهزها حرب أو غيمة سوداء، فهي كما قال عنها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون "هي الوطن، هي الملهمة وعنوان التضحية"، مضيفاً "في عيدك، لا تحزني لفقدان شهيد على مذبح الوطن، فأنت أم الوطن".
وتبقى الأم وحدها رمز الثبات والأمل والحياة، لأنها تمثل أسمى معاني التضحية والعطاء، فهي الرباط الذي يشدنا إلى الوطن الذي ينتظر العبور من هذا النفق المظلم إلى نور الحياة وبر الامان.
وتحتفل الكثير من الشعوب والمجتمعات بعيد الأم في تواريخ مختلفة. ففى الوقت الذى تحتفل فيه العديد من الدول فى 21 آذار بعيد الأم، هناك دول أخرى مثل الجزائر وتونس والمغرب تحتفل بعيد الأم يوم 26 ايار من كل عام، كما تحتفل الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وكندا وجنوب أفريقيا، بعيد الأم في شهر أيار، وتحتفل المملكة المتحدة بعيد الأم فى نيسان، أما إندونيسيا فتحتفي بعيد الأم يوم 22 كانون الأول، وتختلف النرويج بالاحتفال يوم 2 شباط، وفي الأرجنتين يوم 3 تشرين الثاني.
يتم قراءة الآن
-
ترقب لمزيد من الضغوط الأميركيّة... أورتاغوس تنتقد الجيش؟! القوانين الانتخابيّة الى «مقبرة اللجان»... والبلديّات في أيار خطة أمنيّة لطرابلس وعكار... ووزير الدفاع في دمشق غداً
-
اللبنانيّون ينتحرون
-
الجيش يرفع الصوت: إنتهاكات إسرائيليّة فاضحة... ولوقف النار تحرّك أميركي خلال أيّام على خط بيروت ــ تل أبيب لودريان في بيروت الثلاثاء... وتوجه لتعيين حاكماً للمركزي هذا الأسبوع
-
ثلاثة أشهر حاسمة وخطرة أمام لبنان إذا لم يستجب للمطالب الأميركيّة العدو "الاسرائيلي" وضع سيناريو الوصول الى بيروت لاجتثاث حزب الله!!!
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
15:03
البيت الأبيض: الضربات ضد الحوثيين ناجحة وهذا هو الأهم بالنسبة لترامب
-
14:37
مجلس الورزاء يتجه الى تعيين كريم سعيد حاكماً لمصرف لبنان في جلسة الخميس من ضمن ثلاثة اسماء رفعها وزير المال ياسين جابر وتبلغت بها رئاسة الجمهورية
-
14:37
الاسماء الثلاثة التي رفعها وزير المال هي كريم سعيد وإدي الجميل وجميل باز واستبعاد اسم جهاد ازعور
-
14:37
توافق بين الرئيسين عون وبري على اسم كريم سعيد ولقاء مسائي جمع بري بوزير المال ياسين جابر للتشاور في الاسماء المرشحة
-
14:16
رئيس الحكومة نواف سلام من مطار القليعات: مشاريع عدة ستكون موضع اهتمامنا وسنستدرج عروضا عدّة وملتزمون بإعادة تشغيل مطار القليعات خلال عام
-
14:16
ارتفاع عدد ضحايا انفجار صهريج المازوت في الهرمل إلى 4 وإصابة عسكري بحروق بالغة
