اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


ندرك ما الظروف الحساسة والضاغطة على الرئيس جوزف عون. ثقتنا بعقلانيته ثقتنا بمناقبيته، لذا لن نسأله رأيه في قول وزير خارجيته يوسف الرجي، الذي حمل البندقية وهو في الخامسة عشرة، والذي يفترض أن يكون الناطق الديبلوماسي باسم الدولة اللبنانية، لا باسم حزب أو باسم فئة أو باسم دولة أخرى، "ان حزب الله تنظيم خارج على القانون... ولا يريد التخلي عن سلاحه"!

 لست من الخط الايديولوجي، ولا من الخط السياسي لحزب الله، لكنني أعلم بمنتهى الدقة، لماذا يقال هذا الكلام ولحساب من. كما انني ضد "حرب الاسناد"، لا من حيث المبدأ، وانما من حيث القراءة الدقيقة للواقع "الاسرائيلي" وللواقع الأميركي، ناهيك بالواقع العربي والدولي، لتترك الحرب في غزة جراحًا هائلة في أرواحنا، حين نكون أمام كائنات بشرية (بل وأمام عالم) على هذا المستوى من الهمجية، دون أن أتحدث عن نقاط التقاطع بين وزير دفاع "اسرائيل" يسرائيل كاتس، الذي يطلق العنان لطائراته لملاحقة حزب الله، ووزير خارجية لبنان الذي يطلق العنان للسانه لملاحقة الحزب. هنا التصريحات القاتلة لا تقل هولاً في حال من الأحوال عن الغارات القاتلة.

 أعتذر عن اضطراري المرة تلو المرة، الى استعادة بعض أحداث العقود المنصرمة، والتي أخذتنا بطريقة أو بأخرى الى هذه اللحظة، لنسأل معالي الوزير متى كانت هناك دولة لكل أبنائها، ليكون هناك قانون. الدولة التي عقدت اتفاق القاهرة عام 1969، وسلمت مفاتيح الجنوب، بل مفاتيح لبنان، لياسر عرفات الذي حول القضية الفلسطينية، على قداستها، الى مسرحية ديبلوماسية كان الجنوبيون ضحاياها، قبل أن يسلم عرفات المفاتيح الى آرييل شارون، الذي كاد يقتحم مكتب الرئيس الياس سركيس في القصر الجمهوري، لولا التدخل الأميركي.

 على مدى سنوات، كان الجنوبيون يعانون الذل والقهر على يد الأشقاء الذين ارتكبوا الفظاعات في المدن وفي القرى. ولا ندري اذا كان معالي الوزير يدري أن مناحيم بيغن وآرييل شارون، ثابرا على التصريح بأن الغاية من اجتياح 1982 تدمير الآلة العسكرية لمنظمة التحرير الفلسطينية. بالفعل دخلا، وتم بالبواخر ترحيل رئيس المنظمة والآلاف من رجاله، الذين كانت قضية الأكثرية منهم الملاهي الليلية لا الخنادق.

 "الاسرائيليون" بقوا على مدى 18 عاماً، لأنهم يريدون أن يكون لبنان ضاحية للهيكل. أقاموا حواجز الذل عند كل أبواب الجنوب، وأنشأوا معتقل الخيام بمواصفات المعتقلات النازية، حيث السبيل الوحيد للخلاص هو الموت، وبمزاجية قادة الميليشيا، وعلى وقع سيكارة الحشيش، كانت القذائف تتساقط على المدن والقرى، تقتل من تقتل، وتدمر ما تدمر، بعدما ألقى "الاسرائيلون" بقرار مجلس الأمن رقم 425 في سلة المهملات.

 هل كان يفترض بأهل الجنوب أن ينثروا الزهور على دبابات الميركافا، وأن يرتضوا بالأقدام الهمجية تجثم عل صدورهم. قاوموا كأي شعب يريد أن يعيش بعنفوان فوق أرضه. هؤلاء الذين هلل لهم العرب من المحيط الى الخليج، وأثاروا ذهول العالم كلبنانيين قهروا القوة التي لا تقهر، هم في نظر صاحب المعالي، خارجون على القانون الذي يفرض على الجنوبيين، بل وعلى كل اللبنانيين، أن يكونوا عبيداً (وهكذا تقول التوراة) لـ"شعب الله المختار"، دون أن نغفل تهديد نائب من الحزمة الحزبية اياها ببنيامين نتنياهو من الجنوب، وبأحمد الشرع من الشمال، لنزع سلاح (أم أرواح ) حزب الله.

 السلاح اياه الذي اقتلع المغول الجدد من السفوح الشرقية، حيث دفن جنودنا وهم أحياء، وحيث كان المقاتل الآتي من كهوف تورا بورا، يتلهى بتفريغ بندقيته الرشاشة في رؤوس أبنائنا، وكانت خطتهم الاستيلاء على مرفأ طرابلس، لالحاق البقاع والشمال بالخلافة، لترفرف الرايات السوداء أخيراً، فوق القصر الجمهوري، كما فوق السراي الحكومي.

 الى جانب الجيش. بالتأكيد الكل الى جانب الجيش الذي يضم أفضل الضباط، وأفضل الجنود، والذي حلمنا أن يمتلك الامكانات اللازمة لحماية حدودنا. ولكن ألم تقل "اسرائيل" أنها تريد سوريا مثل الأردن، دون قدرات عسكرية حين كانت طائراتها تدمر كل ما يتعلق لوجيستياً وعملانياً بالجيش السوري.

 في هذا الجو المعبأ سياسياً وطائفياً، وبطبيعة الحال المعبأ "اسرائيلياً"، وفي مفترق قد يكون الأكثر خطورة في تاريخ الجمهورية، يطلب من حزب الله تسليم سلاحه. ماذا تقول "البيئة الحاضنة" التي ما زالت تذكر بلغة القلب، كيف فتحت كل الطوائف صدرها لها ؟ هي خائفة فعلاً من أن يصيبها ما أصاب العلويين في سورية عندما سلموا سلاحهم، اذا أخذنا بالاعتبار وجود قوى سياسية في لبنان تتلقى الأوامر، كما تتلقى الأموال، من جهات خارجية تدعو الى ازالة اي اثر لمن يقف عائقاً ضد التطبيع مع "اسرائيل". دون أن ننسى الخطة التي اقتربت من التطبيق توطين اللاجئين الفسطينيين، على أن تكون الخطوة التالية توطين النازحين السوريين، لأن الحديث عن الاعمار في سورية وفي لبنان، خط أحمر "اسرائيلي".

 وسط هذا الطوفان من الخناجر الداخلية والخناجر الخارجية، التي تنغرز في صدر وفي ظهر حزب الله، لا تحتاج المسألة سوى الى خمس كلمات من الشيخ نعيم قاسم ، لكي ينقلب المشهد رأساً على عقب " لسنا ضد التطبيع مع اسرائيل"...

الأكثر قراءة

«حبس أنفاس» في المنطقة... ولبنان لن يدخل الحرب باراك يتفهم موقف عون: تأجيل البحث بملف السلاح الصواريخ الايرانية تنقل الصدمة والترويع «لاسرائيل»