اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

إنها حكومة التغيير التي ستطوي صفحة الماضي، مكرسة حالة جديدة بعد الحرب الاخيرة. ‏هذا ما قيل، وهذا ما هو متوقع من حكومة نواف سلام، في ظل العهد الجديد. ‏لا بل إن المطلوب منها هو التغيير الجذري في طريقة إدارة الدولة، وكسر المنظومة التي حكمت وتحكمت وما زالت متحكّمة بلبنان، بمعنى كفّ يدها عن النهش من المال العام والمحاصصة وغيرها من الممارسات التي أدت بالبلد الى ما آل إليه، وكف يدها بشكل خاص عما تبقى من اموال للمودعين وغير المودعين من المواطنين بعد ان نجحت هذه العصابة بالتمكّن في السلطة وازاحة الذين حاربوها. المطلوب والمرجو اليوم هو نهج جديد، وطيّ لصفحة الإساءة في إدارة الدولة، وتثبيت سلطة مؤسسات متعافية وعادلة، وترسيخ دولة القانون عبر قضاء منزّه وبعيد عن المحسوبية وغير خاضع للشعبوية، واتباع السياسات الجريئة والاصلاحية في وجه مافيا السياسة ومافيا بعض المصرفيين المتحكمين في البلد وبأجزاء لا بأس بها من الإعلام، و بجزء من القضاء.

هذا ما هو منتظر، وهذا سبب المجيء أصلاً بنواف سلام تحديداً، لانه يفترض ان يكون رجل مؤسسات، ورجل العدالة، ورجل لا ينتمي الى الجو السياسي الفاسد. مع العلم انه ليس الوحيد لذي عمل في القطاع العام، (تحديداً سفيراً في نيويورك) ولم يتلوّث مع الطبقة الحاكمة، وانه يستحسن الحفاظ على اصحاب الخبرات غير الملوّثين. وهذا امر جيّد لمصلحته وليس امراً يسجل عليه.

‏نواف سلام ابن عائلة سياسية، إلا أنه ‏نشأ في جوّ يساري، وانخرط في الدفاع عن القضية الفلسطينية، وهو اليوم يبدو قريبا من بعض المجموعات التغييرية، ولو كان وجود وجهين سياسيين يشعان حوله بشكل شبه دائم، وهذا امر مقلق جدا.

‏بمعنى آخر يكون ترؤس نواف سلام لهذه الحكومة - الأولى في المرحلة الجديدة التي انطلقت - اختبارا له و للمشروع الذي يفترض أنه يحمله، ولقدرته على تجسيد الآمال التي بنيت عليه، دون مساومة ودون خوف.

‏بطبيعة الحال، بدأت المنظومة الإعلامية التابعة للفاسدين والمفسدين بإطلاق النار عليه وعلى كل من يفترض انه يدعمه او يدور في فلكه، تماماً كما فعلت قبل ذلك مع الاصلاحيين الذين حاولوا الدفاع عن الناس وعن البلاد، محاولة ثنيه عن الاتكال على الوزراء الصالحين وفريق العمل المقدام وعن المضي في تنقية الوضع المؤسساتي والمصرفي. ‏كما بدأت القوى السياسية التقليدية في إعداد العدة للهجوم عليه حين تأتي الساعة، ومن المتوقع أن يواجه حربا من قبل ما يسمى بالهيئات وبعض المجموعات والابواق الممولة من العصابة ومن وراءها، واستمرار الضغط عبر الوسائل النتنة من قبل الجوقة التابعة لانطون الصحناوي وسليم صفير ونديم القصار وبعض مالكي المصارف الآخرين لإجباره على التراجع وعدم إعطاء المودعين ما تبقى من حقوقهم ليستمر هؤلاء في السطو على اموال زبائنهم.

‏ولا شك ان انطلاقة حكومة نواف سلام كانت بطيئة ومترددة، وكل ما رآه الجمهور لا يدل على شجاعة كبيرة في أخذ القرار وفي مواجهة «الزعران». ‏لا بل أن المحيطين بسلام في البيت الداخلي من بعض السياسيين، وفي الحكومة نفسها من مهادنين ومتخوفين، كل من جهته، يشجع على التسويات والمهادنات وعدم المواجهة، ظنا منهم أن ذلك سوف يبعد عنهم شر الأعداء ويقلل من هجماتهم. ‏وإذا كان ذلك بالفعل الخيار الذي توصل إليه رئيس حكومة العهد الأولى، يكون مخطئا جدا ويكون يرتكب خطيئة تجاه لبنان، أولا لأن الملفات المطروحة لا تتحمل سوء معالجة وانصاف حلول وتراجعات، ‏وثانيا لأن المهادنة تلك سوف تفهم ضعفا، وسوف تكثّف المجموعات المعنية هجماتها لكسره وإخراجه نهائيا من اللعبة، لأن معركتها شاملة ودائمة، ولا يجدي نفعاً سوى مواجهتها وكشف غاياتها و برامجها المجرمة وفضحها أمام الرأي العام.

‏في العام 1999 وحتى عام 2000، علقت آمال مشابهة بحكومة الرئيس المرحوم الدكتور سليم الحص، التي جاءت كأولى حكومات العهد، وكان برنامجها المعلن هو طي صفحة الخيارات الحريرية والعجز المتراكم والدين المستفحل والإنفاق الملطخ بالفساد. ‏الا أن حكومة الحص التي انطلقت بعزم وبتبني برنامج إصلاحي شامل، بدأت بسرعة تتردد وتتراجع، فقد طوت صفحة البرنامج الاصلاحي (كما فعلت ايضاً حكومة حسان دياب بعد اقرارها لخطة اصلاحية جيدة جداً)، ومددت لرياض سلامه وابقت على السياسات النقدية ذاتها، واستمرت في الحريرية دون الحريري. ‏وكانت النتيجة الطبيعية بأن اتت الانتخابات النيابية دون أن ترى الناس أي تغيير فعلي وجذري. ورغم الباع الطويل للرئيس الحص في عالم السياسة اللبنانية، هزم بقساوة، وعاد الأصيل ليستمر في السياسات التي لم يجرؤ خلفه (وسلفه) على تغييرها.

إن هذه التجربة يجب أن تلقى اهتمام نواف سلام ومن يريد له النجاح والاستمرار. عند الحاجة إلى القرار الحاسم لمواجهة الفساد والقوى المتحكمة زورا بالبلاد، لا يمكن المساومة، أولا لأنه لا يجوز تفويت فرصة الإصلاح الموجودة، وثانيا لأن اللبنانيين داعمون بقوة لهذا الاصلاح ولن يفهموا سبب التعاطي بضعف مع منظومة الفساد المتجذرة في السياسة والمصارف. ‏ثالثا، لانه ان لم يكن نواف سلام مختلفا بشكل جذري عن النموذج التقليدي، ‏فلا يوجد عندئذ سبب للناس للعودة به إلى السراي بدل من هو أصيل في التعاطي مع المافيات.

‏ان ظنّ نواف سلام بأن حياته السياسية تطول بمهادنة العصابة، فهو يكون مخطئا تجاه نفسه وتجاه لبنان، وسوف يكون الخيار أمامه اما الانسحاب دون ارث يذكر ودون معركة شرف بعد عام ونيف، واما الهزيمة أمام غنوة جلول مستحدثة له خصيصاً، ولو كان من آل سلام الكرام.


الأكثر قراءة

ترقب لمزيد من الضغوط الأميركيّة... أورتاغوس تنتقد الجيش؟! القوانين الانتخابيّة الى «مقبرة اللجان»... والبلديّات في أيار خطة أمنيّة لطرابلس وعكار... ووزير الدفاع في دمشق غداً