اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


 

يعد البول الأسود من الاضطرابات النادرة التي قد تثير القلق لدى المرضى والأطباء على حد سواء، نظرًا الى ارتباطه بعدة مشكلات صحية خطرة قد تؤثر في جودة الحياة وتسبب مضاعفات معقدة. ويُعرف هذا الاضطراب طبيًا بمرض "الالـكابتونوريا"، وهو اضطراب وراثي نادر يحدث نتيجة خلل في استقلاب الأحماض الأمينية، خاصة "التيروزين" و "الفينيل ألانين"، مما يؤدي إلى تراكم مادة "حمض الهوموجنتيسيك" في الجسم، وهي المادة التي تعطي البول لونه الأدكن المميز عند تعرضه للهواء.

تبدأ أعراض البول الأسود عادة منذ الطفولة، حيث قد يلاحظ الأهل تلون حفاضات الطفل باللون الأدكن بعد تعرضها للهواء لفترة قصيرة. ومع تقدم العمر، تتفاقم الأعراض وتزداد حدة المضاعفات الصحية، حيث تترسب مادة حمض الهوموجنتيسيك في الأنسجة والغضاريف والمفاصل، مما يؤدي إلى ما يُعرف بـ "الالـكابتونوريا العظمية" أو "التكلس النسيجي"، حيث تبدأ المفاصل بفقدان مرونتها تدريجياً وتُصاب بالخشونة والتصلب، خصوصًا في العمود الفقري والمفاصل الكبيرة كالركبتين والوركين.

من تداعيات البول الأسود الخطرة أيضًا الإصابة بمشكلات قلبية وأوعية دموية. مع مرور الوقت، تتراكم مادة الحمض المتأكسد في صمامات القلب والأوعية الدموية، مما يزيد من خطر الإصابة بتضيق الصمامات القلبية أو تصلب الشرايين، وهي مضاعفات قد تؤدي إلى مشكلات خطرة مثل قصور القلب أو السكتات القلبية. ولا تقتصر الأضرار على ذلك فحسب، بل قد يُصاب الأشخاص المصابون بالبول الأسود بحصوات في الكلى أو المثانة، نتيجة تراكم بلورات الحمض في المسالك البولية، ما يسبب آلامًا شديدة واضطرابات في وظائف الكلى.

أما من الناحية الجلدية، فقد يلاحظ المرضى ظهور بقع دكناء في الجلد وخصوصًا في مناطق الأذن، بياض العين (الصلبة)، والغضاريف الأنفية، وهي أعراض تُعرف بـ "تصبغ الأنسجة" أو "ochronosis". هذه البقع الدكناء قد تُعد علامة فارقة تساعد الأطباء في تشخيص المرض.

يُعزى السبب الرئيسي  لهذا الاضطراب إلى طفرة وراثية في الجين المسؤول عن إنتاج إنزيم "حمض الهوموجنتيسيك دايوكسيجيناز"، وهو الإنزيم الذي يُفكك حمض الهوموجنتيسيك إلى مواد غير ضارة. وعندما يكون هذا الإنزيم غير فعال أو غائبًا بسبب الطفرة الجينية، يتراكم الحمض تدريجيًا في الجسم، مسببًا الأعراض سالفة الذكر. هذا المرض يورث بطريقة متنحية، أي أن كلا الوالدين يجب أن يكونا حاملين للطفرة كي يُصاب الطفل بالمرض.

حتى اليوم، لا يوجد علاج نهائي للبول الأسود، لكن يتمحور العلاج حول تقليل تراكم الحمض وتأخير مضاعفات المرض. يُنصح المرضى باتباع نظام غذائي منخفض بالبروتينات، وبخاصة الأطعمة الغنية بالتيروزين والفينيل ألانين، وذلك لتقليل إنتاج الحمض المتراكم. كما قد تُستخدم بعض المكملات الغذائية مثل فيتامين "سي" للحد من ترسيب الحمض في الأنسجة، إضافة إلى العلاجات الداعمة مثل العلاج الطبيعي لتخفيف آلام المفاصل وتحسين الحركة، والمتابعة الدورية مع أطباء القلب والكلى لتقليل مخاطر المضاعفات الجهازية.

إن البول الأسود رغم ندرته، فإنه يحمل في طياته تحديات صحية معقدة تستدعي الوعي المبكر والتشخيص الدقيق لضمان الحد من تفاقم الأعراض وتحسين نوعية حياة المريض. لذا، فإن التثقيف الطبي والدعم النفسي لهؤلاء المرضى وعائلاتهم يُعد أمرًا جوهريًا في التعامل مع هذا المرض المزمن.

الأكثر قراءة

العدو يتذرع بصواريخ مجهولة لتوسيع اعتداءاته ووضع لبنان تحت النار الرئيس عون يحذّر من ضرب مشروع انقاذ لبنان وحزب الله ينفي علاقته ويقف خلف الدولة تعيين حاكم مصرف لبنان ينتظر الحسم الداخلي والخارجي... ووزير الدفاع الى دمشق قريبا؟