اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

 

المشهد الأول

في "كليلة ودمنة" حكاية عن فيل مرّ، في طريق مشربه، بمكان وضعت فيه قبّرةٌ بيضها، فوطِئ الفيل المكان، وقتل فراخها، وهشم بيضها، ومشى في طريقه غير آبه بما فعل.

حطّت القبرة، وفي الحطّ خضوع، على رأس الفيل باكية، تسائله إن كان قد فعل ذلك استصغارًا لها واحتقارًا لشأنها، فتغطرس الفيل وقال: نعم… هذا ما دفعني إلى ذلك… لم يعتذر… فالطغاة لا يملكون شجاعة الاعتذار.

المشهد يمكن إسقاطه على غابة معاصرة، فيلها كيان عنصري طاغٍ مستبد اسمه إسرائيل يؤازرها فيل آخر اسمه الولايات المتحدة الإمريكية، وطئا أرضنا وقتلا صغارنا وشيوخنا ونساءنا، واستصغرا شأننا، وفرضا قانونهما الغابوي (نسبة إلى غابة) القائم على مبدأ "من له القوة له الحق"!

المشهد الثاني

…القبّرة، هذا الطائر الصغير الحجم، أخذت المبادرة. تواصلت القبّرة مع رفقائها الطيور، فتداعَوا إليها، وقرّروا مواجهة الفيل، والنيل منه. حوّموا فوق رأسه، وراحوا ينقرون عينيه إلى أن فقد بصره.

طارت القبّرة إلى جماعة الضفادع، فروت لهنّ ما ساءها من الفيل، وطلبت منهنّ أن ينققْنَ في وهدة لا ماء فيها، حتى إذا عطش الفيل توهّم أن في الوهدة ماءً، فيتوجه إليها، ويسقط فيها.

سقط الفيل في الوهدة، وقبل أن ينفق طارت القبّرة، وفي الطيران علوٌّ واعتزاز، فوق رأسه لتعلن انتصارها رغم صغر حجمها وضخامة حجمه.

والمشهدان يؤكدان أن في الاتحاد قوّةً، وأن التعاون أمر طبيعي للمحافظة على النوع، وأن قوة العقل وحسن التدبير هما السبيل إلى الانتصار، وأن رفرفة القبرة فوق الفيل إعلان لانتصار الحق على الباطل، والعدالة على الظلم، والإرادة على التردد، والشجاعة على الخنوع .

المشهد الثالث والأخير

…وحدث أن العرب، خلال كل هذه السنوات الطويلة في صراعهم مع الكيان الصهيوني، لم يقرؤوا مثل القبّرة والفيل، أو قرؤوا ولم يفهموا، فتفرّقوا شيعًا وعاثوا فسادًا، واستسلموا، وباعوا وشرَوا، وقبلوا أن يعيشوا في غابة تحكمها قطعان من الفيلة.

ولكن حدث أيضًا أن هناك من رفعوا الصوت، ورفضوا أن يرفعوا أيديهم مستسلمين، وراهنوا على الانتصار رغم كلّ الترسانة العسكرية التي يباهي بها العدوّ الصهيوني، فتعاونوا واتّحدوا، وأجبروا الصهاينة، في محطات كثيرة، على الفرار من الجبل، من بيروت، من صيدا، من صور، ومن ثَمّ من الجنوب.

هؤلاء القديسون قرؤوا جيدًا المعادلة التي كتبتها القبّرة، وفهموا أن العقل هو الشرع الأول للإنسان كما قال المعلّم سعاده، وهو القادر على إخراج العرب من غابة الأمم حيث الفيلة ما زالت متربصة بنا.

الأكثر قراءة

الفاتيكان يكشف سبب وفاة البابا فرنسيس