اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


تُعتبر "الهيموفيليا" من الاضطرابات الوراثية النادرة التي تصيب الجهاز الدموي، وتتمثل بشكل رئيسي في خلل في قدرة الدم على التجلّط بشكل طبيعي، مما يجعل المصاب عرضة لنزيف متكرر أو مفرط، سواء بعد الإصابات البسيطة أو حتى دون وجود سبب واضح. وبالرغم من التقدم الطبي الكبير، لا تزال الهيموفيليا تشكل تحديًا صحيًا ونفسيًا للفئات المصابة، وتؤثر على جودة حياتهم اليومية بشكل كبير.

تحدث الهيموفيليا نتيجة نقص أو غياب أحد عوامل التخثر في الدم، وغالبًا ما يكون العامل الثامن (في الهيموفيليا A) أو العامل التاسع (في الهيموفيليا B). وعندما يُصاب الشخص بهذا الاضطراب، فإن الجروح أو الإصابات لا تتوقف عن النزيف بسهولة، وقد يؤدي النزيف الداخلي، خاصة في المفاصل أو العضلات، إلى مضاعفات مزمنة وآلام شديدة.

وراثيًا، تنتقل الهيموفيليا عبر الكروموسوم X، مما يعني أن الرجال هم الأكثر عرضة للإصابة، بينما تكون النساء حاملات للجين المَرضي عادة دون ظهور الأعراض عليهن. وتُعتبر الهيموفيليا من الأمراض المرتبطة بالجنس، إذ أن الذكور يمتلكون كروموسوم X واحد، فإذا ورثوه من الأم الحاملة للجين المَرضي، يصابون بالمرض مباشرة. أما الإناث، فتحتاج إلى وراثة الجين من كلا الوالدين ليظهر المرض عليهن، وهو أمر نادر جدًا.

ووفقًا للإحصاءات العالمية، فإن نسبة انتشار الهيموفيليا تبلغ تقريبًا حالة واحدة بين كل 5,000 ولادة ذكر. وتُعد الفئات الأكثر عرضة للإصابة هي الذكور الذين وُلدوا لأمهات حامِلات للجين المُسبب، خاصة في حال وجود تاريخ عائلي سابق للإصابة. ورغم أن معظم الحالات وراثية، فإن نسبة صغيرة من المصابين قد تُصاب بالهيموفيليا نتيجة طفرات جينية عشوائية دون وجود سجل عائلي.

تتنوع أعراض "الهيموفيليا" حسب شدة النقص في عامل التخثر. ففي الحالات الخفيفة، قد لا تظهر الأعراض إلا بعد إجراء عملية جراحية أو إصابة كبيرة، بينما تظهر الأعراض في الحالات الشديدة منذ الطفولة المبكرة، وتشمل نزيفًا متكررًا في المفاصل، نزيفًا طويلًا بعد الجروح الطفيفة، ظهور كدمات بسهولة، ونزيفًا داخليًا قد يكون مهددًا للحياة، خاصة في الدماغ.

هذا وتتطلب إدارة "الهيموفيليا" مراقبة دقيقة مدى الحياة، وتشمل العلاج ببدائل عوامل التخثر عن طريق الحقن الوريدي المنتظم، أو عند حدوث نزيف. كما بدأت بعض الدول اعتماد العلاجات الوقائية الحديثة مثل العلاج الجيني، الذي يحمل آمالًا واعدة في الحد من الحاجة للعلاج المستمر وتحسين حياة المرضى.

أما على الصعيد النفسي والاجتماعي، فإن مرضى "الهيموفيليا" غالبًا ما يعانون من تحديات في ممارسة حياتهم اليومية بحرية، ويشعرون بالخوف من الإصابات والنزيف، مما قد يقيّدهم في الأنشطة البدنية والاجتماعية. لذا، فإن توفير الدعم النفسي، والتثقيف المستمر حول طرق الوقاية والعناية الذاتية، يُعد جزءًا أساسيًا من خطة العلاج الشامل.

في النهاية، تبقى "الهيموفيليا" مرضًا نادرًا لكنه خطير، يستوجب وعيًا مجتمعيًا وطبيًا واسعًا لتقديم الدعم المناسب للفئات الأكثر عرضة. ومع التقدم في العلاجات والبحث العلمي، فإن الأمل يظل قائمًا في تقليل آثار هذا المرض وتحقيق حياة أكثر أمنًا واستقرارًا للمرضى.

 

الأكثر قراءة

الفاتيكان يكشف سبب وفاة البابا فرنسيس