أثر نقص الماء على الجسم والعقل... خطر لا يجب تجاهله

اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

يُعد الماء عنصرًا أساسيًا لا غنى عنه لاستمرار الحياة، إذ يشكّل ما يقارب 60% من وزن جسم الإنسان، ويؤدي دورًا محوريًا في جميع العمليات الحيوية، بدءًا من تنظيم درجة الحرارة إلى نقل العناصر الغذائية والتخلص من الفضلات. إلا أن الكثيرين يستهينون بأهمية الحفاظ على الترطيب الكافي للجسم، مما قد يؤدي إلى عواقب صحية خطيرة في حال النقص المزمن أو الحاد.

عند انخفاض نسبة الماء في الجسم، تبدأ الأعراض بالظهور تدريجيًا، بداية من الشعور بالعطش وجفاف الفم، إلى التعب العام والدوخة. ويُعتبر الصداع أحد أكثر العلامات المبكرة شيوعًا لنقص الماء، حيث يؤثر الجفاف في الأوعية الدموية ويقلل تدفق الأوكسجين إلى الدماغ. ومع استمرار النقص، تبدأ وظائف الجسم الحيوية في التراجع، بما في ذلك أداء الكلى، التي تحتاج إلى كمية كافية من الماء لتصفية السموم والفضلات.

الجهاز الهضمي هو الآخر يتأثر بشكل مباشر، إذ يؤدي نقص الماء إلى صعوبة في هضم الطعام وامتصاص العناصر الغذائية، ويزيد من احتمالية الإصابة بالإمساك المزمن. أما الجلد، فيفقد نضارته ومرونته، وتظهر عليه علامات الجفاف والبهتان، مما يعكس التأثير الخارجي لنقص الترطيب الداخلي.

أخطر ما في نقص الماء هو تأثيره في القلب والدورة الدموية. فعندما ينخفض حجم السوائل في الجسم، يضطر القلب إلى العمل بجهد أكبر لضخ الدم، مما قد يؤدي إلى انخفاض ضغط الدم أو تسارعه بشكل غير طبيعي. وفي الحالات الشديدة، قد يؤدي الجفاف الحاد إلى فشل كلوي أو حتى فقدان الوعي والدخول في غيبوبة.

هذا ولا يقتصر خطر نقص الماء على الجانب الجسدي فحسب، بل يمتد ليشمل القدرات الذهنية والإدراكية والعاطفية بشكل كبير. فالدماغ يتكوّن بنسبة تزيد على 75% من الماء، وأي انخفاض في مستويات الترطيب يؤثر بشكل مباشر في كفاءته في أداء وظائفه. وقد أظهرت دراسات متعددة أن حتى الجفاف الطفيف بنسبة 1 إلى 2% من وزن الجسم يمكن أن يؤدي إلى انخفاض في التركيز، وتشويش في التفكير، وضعف في القدرة على اتخاذ القرار. كما أن الذاكرة قصيرة المدى تتأثر بسرعة في حالات الجفاف، ما يُصعّب على الإنسان أداء المهام اليومية البسيطة، خاصة تلك التي تتطلب انتباهًا ودقة.

الأمر لا يتوقف عند الوظائف الإدراكية، بل إن الحالة النفسية بدورها تدخل في دوامة التأثر بنقص الماء. فقد تبين أن الأشخاص الذين يعانون من الجفاف المزمن يصبحون أكثر عرضة لتقلبات المزاج، والتهيج العصبي، والقلق، وحتى أعراض الاكتئاب. والسبب يعود إلى أن نقص الماء يقلل من إنتاج الناقلات العصبية المسؤولة عن تحسين المزاج مثل السيروتونين والدوبامين، ما يخلق شعورًا بالانزعاج الذهني والضغط النفسي غير المبرر.

هذا التأثير النفسي والمعرفي يظهر بشكل أكثر حدة عند الأطفال، الذين قد يبدون فجأة عدوانيين أو منزعجين دون سبب واضح، وغالبًا ما يُساء تفسير سلوكهم على أنه تمرد أو ضعف تركيز. أما كبار السن، فهم الفئة الأكثر عرضة للجفاف دون أن يشعروا بالعطش، نتيجة لتراجع استجابة الجسم لمؤشرات العطش مع التقدم في العمر، ما يضعهم في خطر أكبر للتدهور العقلي، والإصابة بالهذيان أو حتى الارتباك الذهني المفاجئ.

من هنا، تظهر أهمية الوعي المستمر بضرورة شرب الماء بانتظام، وليس فقط عند الشعور بالعطش. فمن الجدير بالذكر أن احتياجات الجسم من الماء تختلف من شخص لآخر حسب العمر، الوزن، النشاط البدني، ودرجة حرارة البيئة المحيطة. ومع ذلك، يبقى شرب ما لا يقل عن 8 أكواب من الماء يوميًا قاعدة عامة ينصح بها الخبراء، مع الانتباه إلى زيادة الكمية في حالات التعرّق الشديد، أو خلال ممارسة التمارين الرياضية، أو عند الإصابة بالحمى.

في النهاية، لا يمكن اعتبار الماء مجرد وسيلة لإرواء العطش، بل هو شريان الحياة وصمّام الأمان لصحة الجسد والعقل معًا. تجاهل إشارات الجفاف، مهما بدت بسيطة، قد يقود إلى سلسلة من المشاكل الصحية والنفسية التي يصعب تداركها لاحقًا. لذا، اجعل من شرب الماء عادة يومية واعية، كأنك تُغذي بها دماغك وروحك، لا فقط جسدك. صحتك، واتزانك النفسي، وكفاءتك العقلية تبدأ جميعها من قطرة ماء.