اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


بطانة المعدة هي الدرع الحامي الذي يفصل بين العصارات الهاضمة القوية وجدار المعدة الداخلي، وهي مكونة من طبقة مخاطية تُفرز موادًا واقية تمنع الأحماض الهضمية من إلحاق الضرر بالأنسجة. وعندما تتعرض هذه البطانة للتهيج أو التآكل، تبدأ المشاكل بالظهور، في مقدمتها الألم، الحرقة، وعسر الهضم، وقد تتطور الحالة إلى التهابات مزمنة أو حتى تقرحات إذا لم تُعالج في الوقت المناسب.

يُعد التهاب بطانة المعدة من أبرز أسباب الألم في هذه المنطقة، ويحدث نتيجة مجموعة من العوامل التي تؤثر سلبًا في سلامة الغشاء المخاطي. من بين هذه الأسباب الأكثر شيوعًا الإصابة بعدوى بكتيرية، لا سيما بكتيريا Helicobacter pylori التي تُعتبر العامل الأساسي في الكثير من حالات التهاب المعدة والقرحة الهضمية. وتعمل هذه البكتيريا على إضعاف الغشاء الواقي، ما يسمح للأحماض بإتلاف أنسجة المعدة.

ومن العوامل الأخرى المؤثرة، الاستخدام المفرط لمسكنات الألم من فئة مضادات الالتهاب غير الستيرويدية (مثل الإيبوبروفين أو الأسبرين). فهذه الأدوية تؤثر في إنتاج المادة المخاطية الواقية، ما يجعل المعدة عرضة أكثر للتآكل والتقرح. كما أن الاستهلاك المفرط للكحول والتدخين يُعدّان من العوامل الرئيسية التي تُضعف جدار المعدة وتُسرّع من تلفه، خاصةً إذا ترافقا مع نظام غذائي غير صحي غني بالدهون والبهارات.

هذا وتؤدي العوامل النفسية دورًا لا يُستهان به في صحة الجهاز الهضمي، وتحديدًا في سلامة بطانة المعدة. فقد أظهرت العديد من الدراسات أن التوتر المزمن والقلق المستمر ليسا فقط مشكلتين نفسيتين، بل لهما انعكاسات جسدية حقيقية، تبدأ بتأثيرهما المباشر في الجهاز العصبي الذاتي المسؤول عن تنظيم وظائف الأعضاء الداخلية. عندما يكون الإنسان تحت ضغط نفسي طويل الأمد، يقوم الجسم بإفراز كميات متزايدة من هرمونات التوتر مثل الأدرينالين والكورتيزول، وهي هرمونات تؤثر بشكل مباشر في المعدة من خلال زيادة إنتاج الأحماض. هذا الإفراز الزائد للأحماض يؤدي إلى تهيّج بطانة المعدة الرقيقة، مما يسبب شعورًا مزعجًا بحرقة وألم في أعلى البطن، إلى جانب الغثيان، الانتفاخ، وحتى فقدان الشهية في بعض الحالات. يشعر المريض كما لو أن معدته في حالة اضطراب دائم، ولا يجد راحة في تناول الطعام أو بعده، وهو ما ينعكس سلبًا على حالته النفسية والجسدية.

ومع استمرار هذه الحالة دون علاج حقيقي للمسبب الجذري، تتعرض البطانة المعدية لتآكل تدريجي قد يصل إلى مرحلة الالتهاب المزمن، وفي بعض الأحيان إلى تقرحات عميقة. هنا لا يعود الألم مجرد إزعاج خفيف بل يتحول إلى وجع حاد مستمر قد يمنع المريض من النوم أو التركيز. وفي الحالات الشديدة، قد تظهر مضاعفات خطرة مثل النزيف الداخلي، وهو ما يُلاحظ من خلال القيء المصحوب بدم أو البراز الأدكن بلون القطران، وهي أعراض تستدعي تدخلاً طبيًا عاجلًا دون تأخير، لتفادي حدوث مضاعفات قد تهدد حياة المريض.

لذلك، فإن الوقاية تبقى الخيار الأذكى والأكثر فاعلية. ويبدأ ذلك من اتباع نمط حياة صحي ومتوازن، يتضمن تقليل تناول الأطعمة الحارة والدسمة التي تجهد المعدة، إلى جانب الامتناع التام عن التدخين لما له من آثار مدمرة على الغشاء المخاطي للمعدة. كما يجب على الأفراد الذين يلجأون باستمرار إلى المسكنات ومضادات الالتهاب أن يعيدوا النظر في استخدامهم لها، خصوصًا إذا كانوا يعانون من أعراض هضمية مزمنة. ولا يقل عن ذلك أهمية الحفاظ على التوازن النفسي، من خلال الاسترخاء المنتظم، والنوم الجيد، وممارسة الرياضة، وتعلم تقنيات إدارة الضغط النفسي، مثل التأمل أو العلاج بالكلام، حيث تساهم جميعها في تقليل العبء العصبي على المعدة. كما يُوصى بإجراء فحوصات دورية للكشف عن بكتيريا H. pylori، والتي تُعد أحد العوامل البيولوجية الشائعة المسببة لالتهاب البطانة والتقرحات، لضمان التشخيص المبكر والعلاج الفوري قبل تفاقم الحالة.

الأكثر قراءة

الفاتيكان يكشف سبب وفاة البابا فرنسيس