اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


مع التقدم في العمر، يمر جسم الإنسان بسلسلة من التغيرات الطبيعية التي تؤثر في مختلف الأجهزة والأنسجة، ولا تُستثنى العظام من هذه العملية. فصحة العظام ليست ثابتة، بل تتأثر بعوامل عديدة تبدأ في التراكم تدريجيًا، لتظهر آثارها بشكل أكثر وضوحًا مع دخول الإنسان في مرحلة الشيخوخة.

من المعروف أن العظام في جسم الإنسان تصل إلى أقصى كثافتها في أواخر العشرينيات أو أوائل الثلاثينيات. بعد هذه المرحلة، تبدأ الكتلة العظمية في التراجع ببطء، لكن هذه الخسارة تزداد تسارعًا بعد سن الخمسين. هذا التراجع لا يعني فقط فقدان القوة، بل يزيد من خطر الإصابة بالكسور، خاصة في مناطق حساسة مثل الورك والعمود الفقري والمعصم.

التغيرات الهرمونية تؤدي دورًا محوريًا في هذه العملية، خصوصًا لدى النساء. فمع انقطاع الطمث، ينخفض مستوى هرمون الإستروجين بشكل حاد، وهو هرمون يُعد ضروريًا للحفاظ على كثافة العظام. أما عند الرجال، فيكون التراجع تدريجيًا وأكثر بطئًا، لكنهم أيضًا يواجهون خطر تدهور صحة العظام مع التقدم في العمر، لا سيما بعد سن السبعين.

لا يتأثر جميع الأفراد بتقدم السن بالطريقة نفسها. هناك فئات معينة تعتبر أكثر هشاشة وأسرع في فقدان كتلتها العظمية. النساء، كما ذكرنا، يمثلن الشريحة الأكثر عرضة، وخاصة بعد سن اليأس. لكن الخطر يزداد أيضًا لدى الأشخاص ذوي الأجسام النحيفة أو من يعانون من نقص في الكالسيوم وفيتامين D، وهما عنصران أساسيان لصحة العظام.

بالإضافة إلى ذلك، تُعد الأمراض المزمنة مثل السكري وأمراض الكلى والروماتويد من العوامل التي تساهم في إضعاف بنية العظام مع مرور الوقت. كما أن نمط الحياة له تأثير بالغ؛ فقلة الحركة، التدخين، الإفراط في تناول الكافيين أو المشروبات الغازية، وعدم التعرض لأشعة الشمس بانتظام كلها عوامل تؤدي إلى تفاقم الوضع.

الخبر الجيد هو أن تراجع صحة العظام ليس حتميًا. على الرغم من أن التغيرات الطبيعية في العظام تحدث مع تقدم السن، إلا أن هذا التراجع يمكن تقليص مخاطره أو تأخيره بشكل كبير من خلال تبنّي أسلوب حياة صحي منذ مراحل مبكرة من العمر. من خلال اتخاذ قرارات يومية مدروسة، يمكن الحفاظ على قوة العظام لأطول فترة ممكنة.

أحد العناصر الأساسية في الحفاظ على صحة العظام هو التغذية السليمة. تناول غذاء غني بالكالسيوم يعد ضروريًا لبناء العظام والمحافظة على قوتها، حيث يعتبر الكالسيوم العنصر الرئيسي المكوّن للعظام. يمكن الحصول على الكالسيوم من الأطعمة مثل الحليب ومنتجاته، والخضراوات الورقية الدكناء، والأسماك الدهنية مثل السلمون. بالإضافة إلى الكالسيوم، البروتين يعد عنصراً هاماً أيضًا في دعم العظام، حيث يساعد في تكوين الخلايا العظمية وتعزيز صحة النسيج العظمي بشكل عام. تشمل المصادر الجيدة للبروتين اللحوم، البيض، المكسرات، والبقوليات.

الفيتامين D يؤدي دورًا أساسيًا في تعزيز امتصاص الكالسيوم في الأمعاء، وبالتالي فإن الحصول على كميات كافية منه أمر لا غنى عنه. يمكن الحصول على فيتامين D من خلال التعرض المعتدل لأشعة الشمس، وكذلك من الأطعمة مثل الأسماك الزيتية وصفار البيض والأطعمة المدعمة مثل الحبوب والحليب. في حال كان التعرض للشمس غير كافٍ، قد يحتاج البعض إلى تناول مكملات فيتامين D لضمان امتصاص الكالسيوم بشكل فعال.

إلى جانب النظام الغذائي، يُعد النشاط البدني المنتظم أحد الأسس المهمة للحفاظ على قوة العظام. تساعد التمارين الرياضية، خاصة تمارين المقاومة مثل رفع الأثقال أو تمارين الجسم باستخدام وزن الجسم، في تحفيز تكوين العظام وزيادة كثافتها. كما أن المشي والأنشطة البدنية الأخرى، مثل السباحة وركوب الدراجات، تعزز من قدرة العظام على التحمل وتقلل من خطر الكسور. تعتبر هذه الأنشطة مفيدة بشكل خاص لأن زيادة الحمل على العظام يحفزها على النمو والتجدد، مما يؤدي إلى تعزيز كثافتها وصلابتها.

بالنسبة للفئات المعرضة لخطر أكبر من غيرها، مثل النساء بعد انقطاع الطمث أو الأشخاص الذين يعانون من حالات طبية معينة، من المهم إجراء فحوصات دورية لقياس كثافة العظام. يُعد اختبار DEXA هو الطريقة المثلى لتقييم صحة العظام وتشخيص الهشاشة في وقت مبكر، مما يسمح باتخاذ تدابير وقائية وعلاجية مناسبة في وقت مبكر. من خلال هذا الفحص، يمكن للطبيب تحديد مستويات كثافة العظام وتقديم استراتيجيات علاجية تشمل الأدوية، التغذية السليمة، والتمارين الرياضية.

 

الأكثر قراءة

الفاتيكان يكشف سبب وفاة البابا فرنسيس