لا تُختصر هذه الجريمة بمجرد عملية قتل نُفّذت بدم بارد داخل أحد المسابح، بل هي مشهد مؤلم من مسلسل قديم اسمه "الثأر"، لا يزال يتسلّل إلى واقعنا رغم كل ما بلغه الإنسان من رقي وتحضّر. ثقافة القتل للانتقام، التي تلبس عباءة "الكرامة" و "الرجولة"، لا تزال تفتك ببعض المجتمعات، متناسية أن العدالة لا تُبنى على الدم، بل على القانون والمحاسبة. وما القرار الظني الصادر عن قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان، القاضي نقولا منصور، بتاريخ 7 نيسان 2025، إلا خطوة قانونية على طريق مواجهة هذا الإرث العنيف الذي لا مكان له في دولة القانون.
فقد كُشف النقاب في هذا القرار عن جريمة بشعة راح ضحيتها الشاب علي شبلي، الذي قُتل داخل مجمع سياحي في الجية خلال حفلة زفاف، بعدما أطلق عليه المدعى عليه أحمد زاهر الغصن (من مواليد عام 2000) النار من مسدس حربي غير مرخّص، من مسافة قريبة، انتقامًا لمقتل شقيقه في حادث سابق. الحادثة أدّت أيضًا إلى إصابة عنصر في الأمن العام بشظية، بعدما صودف وجوده في المكان.
التحقيقات أثبتت أن الغصن لم يكن وحده، بل ساعده في تنفيذ الجريمة صديقه منذ الطفولة، عوض النعيمي (مواليد 1994)، الذي قام بإخفاء المسدس وإدخاله إلى المجمع، وسلّمه له لحظة تنفيذ القتل. أما المدعى عليه الثالث، عمر قليلات (مواليد 1995)، فتبيّن أنه لم يكن على علم بوجود الضحية في المكان، ولا بمخطط القتل، وأن دوره اقتصر على طلب شريحة هاتف ونقل صديقته، ولم يُثبت عليه أي تدخل مباشر أو غير مباشر في الجريمة، فصدر قرار بمنع المحاكمة عنه لعدم كفاية الدليل.
وقد اعترف الغصن خلال التحقيقات أنه كان يحمل السلاح بشكل دائم، بسبب المشاكل الأمنية في منطقته، وأنه توتر عند رؤية علي شبلي داخل المجمع، فطلب من النعيمي تسليمه المسدس، ثم نزل إلى الصالة وأطلق عليه النار. شهادات الشهود والتقارير الفنية والطبية دعّمت أقواله، كما أكد النعيمي بدوره أنه كان يعلم أن الغصن يحمل السلاح، وأنه ساعده في إدخاله.
وعليه، اعتبر القاضي نقولا منصور أن فعل أحمد الغصن يُشكّل جناية القتل العمد المنصوص عليها في المادة 549 من قانون العقوبات، إضافة إلى الظن به بارتكاب جنحتي الإيذاء وحيازة سلاح حربي من دون ترخيص. كما اعتبر فعل عوض النعيمي تدخّلًا مباشرًا في جناية القتل، معطوفًا على المادة 219 من قانون العقوبات، وظنّ به بالجنح نفسها. في المقابل، تقرّر منع المحاكمة عن عمر قليلات لعدم توافر الدليل الكافي.
هكذا، يعود شبح الثأر ليطلّ برأسه في قلب المجتمع اللبناني، ليسلب حياة شاب، ويزج بشباب آخرين في السجن، ويفتح جرحًا جديدًا في جسد العدالة. إنها دعوة صارخة لمواجهة ثقافة الدم، وتجديد الإيمان بأن الحق لا يُنتزع بالقوة، بل يُستعاد بالقانون مهما طال الزمن.
يتم قراءة الآن
-
ما خفي من كلام براك... فضحته "عشاواته"
-
لا حرب... ولا سلم: لبنان في حالة المراوحة القاتلة الرئيس عون يتمسك بالتوازن... جورج عبدالله في رحاب لبنان
-
رسالة أمنية حازمة شمالا... وغياب للمرجعية السنية! الورقة الأميركية مذكرة استسلام ولا مهل زمنية جورج عبدالله يعود اليوم يعد 41 عاماً...
-
راقصات الباريزيانا في السياسة اللبنانيّة
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
22:39
الرئاسة السورية: الشرع أكّد لماكرون أنّ أحداث السويداء نتيجة فوضى أمنية قادتها مجموعة خارجة عن القانون
-
22:38
الرئاسة السورية: الشرع أكد لماكرون أن الدولة ستتحمل المسؤولية الكاملة لفرض الأمن بالسويداء
-
22:35
الرئاسة السورية: اتصال هاتفي بين الشرع وماكرون أكد على إدانة التصعيد الإسرائيلي
-
22:30
الجيش الإسرائيلي: سنحدد ممرات إنسانية للمرور الآمن لقوافل المساعدات الأممية
-
22:29
وسائل إعلام إسرائيلية: "الجيش" يستعد الليلة للسيطرة على السفينة "حنظلة" المتوجهة نحو قطاع غزة
-
22:10
معلومات الجديد عن لقاء بري - سلام: كان مشحوناً لجهة الرسائل الدولية التي حملها سلام من باريس والتي تؤشر إلى أجواء سلبية يعيشها لبنان على المستوى الامني والسياسي على حد سواء
