اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


حين تتلاحق، حثيثاً، الخطوات الخاصة بتغيير الشرق الأوسط، ودوماً وفق الرؤية الأميركية ـ الاسرائيلية، كيف لنا أن نتصور ولوغ بعض القادة السياسيين، والحزبيين، عندنا في ثقافة التفاهة. البلاد أمام أيام مصيرية. تلويح توماس براك، بالحاق لبنان ببلاد الشام لم يكن هفوة فرويدية، بل نتاج اقتراح دولة عربية طرح على الادارة الأميركية ولقي الصدى .

ذلك الهاجس الشعبوي الذي يقوم على تضليل القاعدة، من خلال التأجيج السياسي، والتأجيج الطائفي، ضد "حزب الله"، يكشف مدى هشاشىة أولئك القادة في مقاربة الاحتمالات التي تنتظرنا ـ وهي أكبر حجماً منهم بكثير ـ حين يظنون أن سلاح الحزب هو الشاغل الأساسي للأميركيين والاسرائيليين الذين يتمنون اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، وهذا رهان بعض القادة للوصول الى الكانتونات الطائفية. أكثر من أن تكون الغيتوات الطائفية، المقابر الطائفية. الخرائط والصيغ على الطاولة ...

محور التغيير سوريا، باعتبارها قلب المنطقة العربية. ولكن بيد من، وبادارة من، ستكون في المرحلة المقبلة. حتى الساعة التنسيق غير المباشر (تقاطع المصالح) بين القوى المعنية، ريثما تحين لحظة الصدام. ما نتوقعه القبضة الأميركية الاسرائيلية على سوريا، بل على المنطقة.

سوريا التي نعرفها لم تعد، ولن تعود، كذلك. لا سوريا ـ الدولة ولا سوريا ـ الدور. هي الآن حلبة مفتوحة لأصحاب المصالح الجيوسياسية، والجيوستراتيجية. الواضح أن الرئيس بشار الأسد وضع في المكان الخطأ. كان يفترض أن يكمل اختصاصه في طب العيون، بعيداً عن العيون أكانت صفراء أم حمراء. واذ تأثر بالحداثة الغربية، ببعض اللمسات الليبرالية، حاول أن يطبّق شيئاً منها في بلاده، ولكن بعدما أحاط نفسه بأصحاب الرؤوس الفارغة، أو بحملة العقد النفسية القاتلة. تصوروا تعيين رستم غزالي، بالجلافة المنقطعة النظير، وبالحماقة المنقطعة النظير، والياً على لبنان.

الاسد الابن لم يكن، قطعاً، بتجربة الأب، وبرؤية الأب، وبحنكة الأب. شخصية عائمة، استعراضية، وبعيدة عن الاستيعاب الديناميكي، والرؤيوي، للحالة السورية بأبعادها المحلية، والاقليمية، والدولية، المعقدة. الأب عرف كيف يرسي معادلة داخلية مذهلة. على الصعيد الاقليمي توازن نسبي مع الرياض وطهران، وعلى الصعيد الدولي توازن نسبي بين واشنطن وموسكو. واذا كان قد وصف باللاعب الاستراتيجي البارع، كان اللاعب التكتيكي الأكثر براعة.

منذ البداية كان واضحاً أن خطأ، بل خطيئة التوريث، وسط تلك الضوضاء الطائفية المبرمجة، والعاصفة، التي تجتاح المنطقة (التي وحدها تعود الى الوراء) لا بد أن تصل بسوريا الى ما وصلت اليه. حلبة لكل أنواع (وأجناس) اللاعبين. وبعدما سقط نظام الأسد، أيضاً حلبة لكل أنواع (وأجناس) اللاعبين، دون أن يكون في تصور العرب والأتراك أن بنيامين نتنياهو سيظهر، هكذا، في وسط الحلبة، ليوحي للجميع، بالدبابات التي تقضم الجنوب، وبالطائرات التي تقصف دمشق، أن مصير سوريا في قبضته، (هنا السؤال الذي لا داعي له : أين كان العرب وأين كان الأتراك حين كانت دمشق تحت النيران؟ بعدما كان قد قال لستيفن ويتكوف "يخيّل اليّ أننا هنا أكثر استيعاباً منكم لمصلحة اميركا في الشرق الأوسط"، وذلك تعقيباً على كلام الأخير، وهذا ما نشر على مواقع التواصل، "لا تدعني أقول إن الأميركيين أكثر ادراكاً من الاسرائيليين في مصلحة اسرائيل".

بطبيعة الحال رئيس الحكومة الاسرائيلية يريد أن يكون لبنان ضاحية لأورشليم لا ضاحية لدمشق التي من دون أي قوة عسكرية، باستثناء فصائل القتل والنهب، ومن دون أي قوة ديبلوماسية ما دامت الأشباح التركية ترابط في جدران وزارة الخارجية كما في جدران القصر الرئاسي.

الثابت أن الأميركيين بحاجة الى رجب طيب اردوغان الذي يمسك بمفاتيح البحر الأسود، وهو مسرح الأسطول البحري الروسي، ولكن ليس الى الحد الذي يقبلون فيه "سلطان البحر وخاقان البحر". دور آني مثلما كان دور حلفاء أميركا في فيتنام وفي أفغانستان.

الاسرائيليون الذي تصول طائراتهم وتجول في أكثر من عاصمة عربية، باتوا واثقين من أن الملف الفلسطيني سقط من الأجندة العربية، ومن الذاكرة العربية، بحيث لا تظهر سوى على الشاشات التي تتعاطى ميكانيكياً مع الابادة المنهجية للفلسطيين ان بالنار أو بالجوع. من قضية قومية الى قضية تلفزيونية لنبدو كلنا، كعرب، كائنات تلفزيونية.

واذا كان الأميركيون يرون أن التغيير يبدأ من سوريا. ومن هناك يتغير لبنان، يظهر أمام الملأ أسعد الشيباتي مع رون ديرمر في باريس كمقدمة لرؤية أحمد الشرع وبنيامين نتنياهو في واشنطن. الآن لقاءات استعداداً للصفقة الكبرى التي قد يكون لبنان أحد بنودها. تهديد توماس براك لا يزال ساخناً في ذاكرتنا، وكذلك تصريحات ويتكوف حول التطبيع الثنائي السوري ـ اللبناني مع الدولة العبرية.

من جعل لبنان الدولة التابعة، الدولة الرهينة ؟ اسألوا ذلك النوع من الساسة، بمواصفات راقصات الدرجة الثالثة في ملهى الباريزيانا. أقل من أن يكونوا الحجارة على رقعة الشطرنج. الحجارة على قارعة الطريق. على قارعة ... التاريخ!!