اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

عاقل يفهم

في عالم يزداد ازدحاما بالضوضاء والتلوث الروحي، تصبح الطهارة صفة نادرة لكنها ضرورية. الطهارة ليست فقط في الملبس أو المظهر، بل هي في النية، في القلب، في الفكر، وفي التعامل مع الآخرين. 

عندما يقال: "كن طاهرا كقلب الرب" فإن الدعوة هنا ليست لمثالية بشرية مستحيلة، بل هي دعوة للسير على درب النور وأن نطهر قلوبنا من الحقد وافكارنا من الشر واعمالنا من الأنانية.

نعم، قلب الرب طاهر لأنه مليء بالمحبة، بالغفران، بالرحمة. لا يحمل ضغينة، ولا يرد الشر بالشر، بل يفتح ذراعيه دائما للمخطئ، يطلبه، ينتظره، ويغفر له. فأن تكون طاهرا كقلب الرب، يعني أن تحيا بمحبة لا مشروطة، أن تغفر لمن أساء إليك، أن تكون صادقا حتى وإن كلفك الصدق الكثير.

لنتعلم من قلب الرب، فالطهارة الحقيقية تبدأ من الداخل، من ذاك الصوت الخافت في أعماقك الذي يقول لك ما هو صحيح وما هو خطأ. عندما تصغي إليه، وتنقي نيتك، تصبح أقرب لقلب الرب، وتكون نورا في عالم يحتاج للنور.

الطهارة ليست فقط فضيلة فردية، هي حاجة جماعية وحجر أساس لأي مجتمع صحي. عندما يكون قلب الإنسان طاهرا، ينعكس هذا الشيء على تصرفاته، على كلامه، وعلى تعامله مع الناس وعلى تواصله مع الخالق. تخيل مجتمع أفراده يتكلمون بصدق، يفكرون بخير ويتعاملون بمحبة وغفران... كيف  سيكون شكل هذا المجتمع؟  كيف سينعمون برحمة الرب ونعمه؟ كم من المشاكل سنتفاداها؟ كم من قلوب سترتاح؟ كم من عقول ستدرك محبة الرب وتلمس حضوره الدائم؟ كم من قلوب مجروحة ستتداوى، وكم من احزان ستزول؟...

مجتمعنا اليوم متعب ممتلئ بالحقد والغيرة والكذب، والظلم، والإستغلال. نرى اناسا يصلون الى مبتغاهم على حساب غيرهم وأناس يدوسون على القيم من أجل مصالحهم الشخصية، وأناسا  يفعلون أي شيئ للحصول على ملذاتهم الأرضية... في ظل هكذا  واقع، باتت الطهارة  تمرد على السائد، بل واصبحت موقفا بطوليا. عندما تختار أن تكون طاهرا، ستواجه ثقافة الفساد، وسترفض الانجرار وراء الحقد والشر، وستتعرض لمكائد الشيطان. إذا الطهارة ليست ضعفا بل  بالعكس، هي قوة تتطلب شجاعة ووعيا، هي تتغذى على التمرد على الأنا اولا ومن ثم على أفعالها قبل أن تكون على المجتمع. الشخص الطاهر هو الذي  يقول لا للظلم، لا للإستغلال، لا للباطل  ولا للشر، بل يقول نعم للحق والسلام والمحبة والخير.

يجب أن لا ننسى أن الطهارة معدية فعندما يكون احد طاهرا فعلا، تتأثر به الناس، ليصبح مثالا لغيره، ويكون نوره مشعا وقلبه ينبض حبا ونقاء كما يقول الإنجيل المقدس: "طوبى لأنقياء القلوب، لأنهم يعاينون وجه الله".

دعونا نسأل انفسنا: ماذا سنترك وراءنا؟ أثر طيب، محبة، أو مصالحة؟ ام خوف وشر وانقسام؟

دعوا الطهارة تكون رسالتكم في هذه الدنيا. وإبدؤا بنفوسكم، لأن التغيير الحقيقي دائما يبدأ من الداخل.

فلنصلي ونطلب من الله أن ينقي قلوبنا، أن يبدل قسوة الأيام برقة الرحمة، وأن يجعلنا مرآة تعكس طهارته على الأرض. كن طاهرا كقلب الرب، ليس لأنك كامل، بل لأنك تسير نحو الكمال، مدفوعا بالمحبة والإيمان.

الأكثر قراءة

الفاتيكان يكشف سبب وفاة البابا فرنسيس