اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


محاولة "التشويش" على زيارة امين المجلس الاعلى للامن القومي الايراني علي لاريجاني الى بيروت، من قبل القوى المحسوبة على واشنطن والرياض لم تثمر الا ضجيجا اعلاميا لم يؤثر في جوهر "الرسالة" الايرانية التي لم تكن وجهتها بعبدا او السراي الحكومي حيث نتائج المحادثات معروفة مسبقا، او الخارجية التي تجاهلها الضيف الايراني لادراكه المسبق ان اللقاء مع الوزير يوسف رجي مضيعة للوقت. ما تريد ايصاله طهران الى اصدقائها وحلفائها اللبنانيين هو الاهم في هذه الزيارة، وما تمت مناقشته في "عين التينة" ومع قيادة حزب الله، هو الجزء المفصلي في جولة لاريجاني حيث ارادت طهران التاكيد لمن يضغط على هذه البيئة انها لن تقف مكتوفة اليدين في محاولة الاستفراد بها،وانها لا تزال لاعبا اقليميا فاعلا لا يمكن تجاوزها بالسهولة المفترضة من قبل البعض في الداخل والخارج.

لذلك، فان ما كرره رئيس الجمهورية جوزاف عون على مسامع امين المجلس الاعلى للامن القومي الايراني علي لاريجاني بأن لبنان يرفض التدخلات الخارجية في شؤون لبنان الداخلية، والكلام المشابه لرئيس الحكومة نواف سلام، لم يكن ذات معنى بالنسبة للضيف الايراني، العارف بتفاصيل الواقع اللبناني المثير "للشفقة" حيال الخرق المتمادي من قبل الاميركيين وبعض الدول الاقليمية التي تستبيح السيادة اللبنانية تزامنا مع استباحة العدو الاسرائيلي للسيادة برا وبحرا وجوا. ووفق مصادر مطلعة، يعرف لاريجاني مسبقا الاجواء السياسية الحاكمة في بعبدا والسراي الحكومي، ولم يكن يمني النفس باحداث تغييرات في التوجهات العامة للحكومة اللبنانية، لكنه بوضوح جاء ليقول للقاصي والداني ان لطهران حلفاء في لبنان، وهي لن تتخلى عنهم، ولن تسمح باستفرادهم في هذه الظروف الصعبة، وقول الرئيس عون ان "الصداقة التي نريد أن تجمع بين لبنان وإيران يجب ألا تكون من خلال طائفة واحدة أو مكوّن لبناني واحد بل مع جميع اللبنانيين"، هي برسم هؤلاء اللبنانيين الذين لا يريدون صداقة طهران التي لم تلعب يوما اي دور تخريبي على الساحة اللبنانية، وهي تواجه بمواقف عدائية غير مبررة، علما انها لطالما عرضت التعاون مع الجميع وخصوصا الدولة بكامل مكوناتها، لكنها دائما كانت تواجه بمواقف متصلبة تخشى اغضاب الاميركيين.

اما كلام الرئيس عون ان الجميع دفع ثمناً غالياً للاستقواء بالخارج على اللبناني الآخر في الداخل، والعبرة التي يستخلصها اللبنانيون هي أنه من غير المسموح لأي جهة كانت ومن دون أي استثناء حمل السلاح والاستقواء بالخارج"، فكان تلميحا لا يمت الى واقع المقاومة بشيء، تقول تلك الاوساط، وهو مستغرب لان حزب الله لم يستخدم فائض القوة يوما لفرض اي سياسات داخلية، كانت في متناول اليد في الكثير من الحقبات الزمنية، بل كان مراعيا للتوازنات الداخلية، والتي يدفع ثمنها اليوم. اما تشديد عون على أن "الدولة اللبنانية وقواها المسلحة مسؤولة عن أمن جميع اللبنانيين من دون أي استثناء"، مشيراً إلى أن "أي تحديات تأتي من العدو الإسرائيلي أو من غيره، هي تحديات لجميع اللبنانيين وليس لفريق منهم فقط، وأهم سلاح لمواجهتها هو وحدة اللبنانيين". هذا الكلام تؤيده ايران على نحو كامل، لكنه غير واقعي لان الدولة اللبنانية وقواها المسلحة لا تملك القدرات المناسبة لمواجهة المخاطر، ولا تزال طهران على تعهداتها بتقديم المساعدة المطلوبة للجيش اللبناني لتنمية قدراته، لكن الحكومة اللبنانية الحالية كسابقاتها لا تزال ترفض اي تعاون في هذا المجال، لاسباب باتت معروفة لدى الجميع. اما وحدة اللبنانيين، فمن يعرضها لاختبار خطير اليوم، القرارات الحكومية الاخيرة والتي وضعت البلاد امام مفترق طرق سيء للغاية.

وما قاله لاريجاني، بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري، بأنّ إيران مستعدة للوقوف إلى جانب لبنان في حال أي تصعيد إسرائيلي وكذلك مستعدة لتقديم الدعم إذا طلبت الحكومة اللبنانية، يختصر الكثير من المشهد الذي ارادت طهران تظهيره في ظل التهويل بحرب اسرائيلية جديدة، ملمحا ان المواجهة قد لا تبقى محصورة جغرافيا بل قد تصبح اقليمية. اما داخليا، فان لاريجاني، جدد حرص طهران على عدم انزلاق لبنان الى مواجهة داخلية مهما كان عنوانها، مشددا على التحذير من محاولة إقصاء مكون مؤسس للدولة اللبنانية، ولهذا كان حريصا على التاكيد ان إنّ بلاده "تحترم أي قرار تتخذه الحكومة اللبنانية بالتعاون والتنسيق مع المقاومة"، في موقف واضح حيال الوقوف وراء الموقف "الشيعي" الموحد الرافض لمعالجة ملف السلاح بعيدا عن التفاهمات الوطنية الجامعة، وضمن استراتيجية دفاعية تحمي لبنان ولا تضعفه وتضعه في مواجهة مخاطر كبيرة كان لاريجاني حريصا على اطلاع المسؤولين اللبنانيين عليها، في ظل حالة الفوضى السائدة في المنطقة.

وفي السياق، لم يكن ما سمعه لاريجاني في بعض لقاءاته مفاجئا لجهة حجم الضغوط الاميركية المترافقة مع الاعتداءات الاسرائيلية المتواصلة على السيادة اللبنانية، مستهدفة على نحو مباشر حزب الله وبيئته الحاضنة، لكنه توقف مليا عند حجم الدور السعودي "التخريبي" والذي تجاوز الكثير من "الخطوط الحمراء" المفترضة في ظل التواصل المباشر بين المملكة وطهران وتطور العلاقة الثنائية بينهما.فخلال محادثاته في بيروت تلقى لاريجاني دلائل ملموسة حيال الدور السعودي السلبي تجاه حزب الله، وجرى اطلاعه على تدخلات المسؤول الحالي عن الملف اللبناني يزيد بن فرحان في كل "شاردة وواردة"، فوجد تطابقا كبيرا بين تقارير السفارة الايرانية في بيروت وما سمعه من عدد من المسؤولين الرسميين وغير الرسميين حيال المسؤولية المباشرة للرياض عن حالة جزء كبير من حالة التوتر القائمة حاليا على الساحة اللبنانية بفعل سياسة الضغط القصوى التي تمارسها المملكة بتوجيهات مباشرة من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لاستغلال الفرصة الحالية التي تشهد تصعيد اسرائيلي ميداني وضغوط اميركية كبيرة للقضاء على حزب الله ليس فقط بشقه العسكري، وانما السياسي والاجتماعي.

في الخلاصة، يغادر لاريجاني قلقا من حجم تسليم بعض المسؤولين "للقدر والقضاء" الاميركي، لكنه اكثر طمأنينة على قدرة الحلفاء في بيروت على المواجهة، لديه الكثير من العمل في طهران خصوصا في الملف السعودي حيث بات من الضروري ان تتحرك الدبلوماسية الايرانية لكبح جماح "التهور" السعودي على الساحة اللبنانية، وتملك ايران الكثير من الادوات للضغط. اما مع الاميركيين فلا تزال الاتصالات غير المباشرة في بدايتها، ولا يمكن التعويل كثيرا على تاثيرات محتملة على الملف اللبناني قريبا. ويبقى ان مسؤولية اللبنانيين عدم وضع البلاد في "عين العاصفة"، واقله يجب ان يعيد الرئيس عون ما قاله للاريجاني حول التدخلات الخارجية، على مسامع المبعوث الاميركي توم براك القادم الى بيروت الاسبوع المقبل.

الأكثر قراءة

هل هدف زيارة الموفدين لبيروت منع الانفجار؟ المخاوف تتصاعد من مشاريع تغيّر وجه لبنان السياسي