اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


تعتبر الأمراض المناعية من الحالات الصحية المزمنة التي قد تؤثر في قدرة المرأة على الإنجاب، سواء من خلال منع حدوث الحمل أو التسبب في مضاعفات أثناءه. وتُعرف الأمراض المناعية بأنها اضطرابات يهاجم فيها الجهاز المناعي خلايا وأنسجة الجسم السليمة عن طريق الخطأ، ظنًا منه أنها أجسام غريبة يجب محاربتها. هذا الخلل في آلية الدفاع الطبيعي قد يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر في الجهاز التناسلي، ويؤدي إلى صعوبات في الحمل أو تكرار الإجهاض.

من أبرز هذه الأمراض "الذئبة الحمراء"، وهي من أشهر اضطرابات المناعة الذاتية التي تصيب النساء في سن الإنجاب. تسبب الذئبة التهابية مزمنة يمكن أن تؤثر في الكلى، القلب، الرئتين، المفاصل، والجلد، ولكنها قد تؤثر أيضًا على بطانة الرحم أو الأوعية الدموية التي تغذي الرحم، مما يعيق انغراس البويضة أو استقرار الحمل. كما أن الأجسام المضادة التي يُنتجها الجسم، مثل الأجسام المضادة للفوسفوليبيد، قد تُسبب تجلطات صغيرة في الأوعية الرحمية، ما يؤدي إلى صعوبة في تثبيت الحمل أو حدوث إجهاضات متكررة.

وبالإضافة إلى الذئبة، هناك حالات أخرى من أمراض المناعة الذاتية مثل التهاب المفاصل الروماتويدي، ومرض الغدة الدرقية المناعي (هاشيموتو أو غريفز)، والسكري من النوع الأول، وكلها قد تُحدث خللًا في التوازن الهرموني أو تُضعف وظيفة المبيض، مما يؤدي إلى تأخر التبويض أو توقفه. كما أن بعض هذه الحالات تتطلب علاجًا طويل الأمد بأدوية مثبطة للمناعة أو الكورتيزون، والتي بدورها قد تؤثر في الخصوبة، وتحتاج إلى متابعة دقيقة مع الطبيب قبل التخطيط للحمل.

ما يزيد من تعقيد هذه الحالات هو أن الجهاز المناعي في بعض النساء قد يُخطئ في التعرف الى البويضة المخصبة ويهاجمها على أنها "جسم غريب"، مما يؤدي إلى فشل في الانغراس أو حتى إلى إيقاف تطور الجنين في مراحل مبكرة. وهذا ما يُعرف علميًا بـ "رفض البويضة المخصبة"، ويُعد من الأسباب المناعية النادرة لتأخر الإنجاب.

من هنا تتجلى أهمية التشخيص المبكر للحالات المناعية، لا سيما لدى النساء اللواتي يواجهن صعوبات في الحمل أو يعانين من فقدان الحمل المتكرر دون أسباب واضحة. فالتأخر في الكشف عن الأسباب المناعية قد يؤدي إلى تكرار المحاولات الفاشلة، وما يرافقها من ضغط نفسي وجسدي شديد. لذا، تُعدّ الفحوصات المتخصصة مثل تحاليل الأجسام المضادة الذاتية، واختبارات تجلط الدم، وتحاليل وظائف الغدة الدرقية أساسية في بناء صورة واضحة عن حالة الجهاز المناعي. كما قد يُوصى بإجراء فحوصات متقدمة مثل تحليل الأجسام المضادة للفوسفوليبيد أو اختبار ANA للكشف عن الذئبة الحمراء أو غيرها من الاضطرابات المناعية.

وفي حال تأكد وجود خلل مناعي، يتم وضع خطة علاجية متكاملة تهدف إلى تثبيط النشاط المناعي المفرط بطريقة لا تُضر بصحة المرأة العامة أو تعيق فرص الحمل. قد تتضمن الخطة أدوية مناعية بجرعات مدروسة، مكملات غذائية خاصة، وتعديلات في نمط الحياة، بالإضافة إلى متابعة دقيقة للحمل في حال حدوثه، لضمان استمراريته وتجنب المضاعفات. بعض النساء قد يحتجن أيضًا إلى علاجات تُساعد على تثبيت الحمل، مثل أدوية السيولة أو الكورتيزون، وذلك بحسب طبيعة الحالة.

ختامًا، لا يعني تشخيص المرأة بمرض مناعي نهاية طريق الإنجاب. على العكس، فقد أثبتت التجارب السريرية والواقع الطبي أن معظم النساء اللواتي يتلقين العلاج المناسب ويتمتعن بمتابعة منتظمة، يتمكنّ من الحمل والولادة بأمان. يكمن السر في الوعي الطبي، والحرص على الفحوصات، والالتزام بالعلاج، والأهم من ذلك هو التواصل المستمر بين المريضة وفريقها الطبي المتخصص، الذي يشمل طبيب أمراض المناعة، وأخصائي أمراض النساء والعقم، وربما اختصاصي تغذية. هذا التعاون هو ما يصنع الفارق في رحلة الإنجاب، ويمنح الأمل والطمأنينة للنساء الراغبات في تحقيق حلم الأمومة رغم تحديات المرض.

الأكثر قراءة

الفاتيكان يكشف سبب وفاة البابا فرنسيس