اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


يعتبر الحاجز الأنفي أحد المكونات الأساسية في بنية الأنف، ويتكوّن من عظم وغضروف يفصل بين فتحتي الأنف. وفي الوضع الطبيعي، يكون هذا الحاجز مستقيمًا بحيث يوفّر توازنًا في تدفّق الهواء إلى الرئتين من كلتا الفتحتين. إلا أنّ كثيرًا من الناس يعانون من انحراف في الحاجز الأنفي، وهي حالة شائعة قد تكون بسيطة لا يشعر بها الشخص، أو حادة تؤثر سلبًا في التنفس وجودة الحياة.

تنشأ حالة انحراف الحاجز الأنفي إما نتيجةً لسبب خلقي، أي أن الشخص يُولد به، أو نتيجة إصابة مباشرة في الأنف كضربة قوية أثناء ممارسة الرياضة، أو حادث سير، أو حتى أثناء الولادة. وتزداد احتمالية الانحراف عند من يعانون من كسور سابقة في الأنف أو لديهم تاريخ عائلي مشابه.

تتفاوت الأعراض الناتجة من انحراف الحاجز الأنفي بحسب شدّة الانحراف. فقد يعاني الشخص من انسداد في إحدى فتحتي الأنف أو كليهما، وهو ما يؤدي إلى صعوبة في التنفّس الطبيعي، خاصة أثناء النوم أو ممارسة الرياضة. كما يُلاحظ بعض المرضى تكرار التهابات الجيوب الأنفية، نتيجة لاضطراب تدفّق الهواء وتراكم الإفرازات في الممرات الأنفية. وقد تظهر أعراض أخرى مثل الصداع المزمن، نزيف الأنف المتكرر، والشخير أثناء النوم، الأمر الذي قد ينعكس سلبًا على النوم العميق ويسبب الإحساس بالإرهاق والنعاس في النهار.

إلى جانب الأعراض الجسدية، يمكن لانحراف الحاجز الأنفي أن يؤثر نفسيًا واجتماعيًا في المريض. فاضطرابات النوم المتكررة، وصعوبة التنفّس، والإحراج الناتج من الشخير أو الصوت الأنفي أثناء الحديث، كلها عوامل تؤثر في الحالة النفسية والثقة بالنفس. وفي بعض الحالات، قد يُلاحظ الشخص تغيّرًا في شكل الأنف الخارجي إذا ترافق الانحراف مع مشاكل في عظام الأنف أو في حالات الإصابات الشديدة.

أما من حيث العلاج، فإن النهج العلاجي يعتمد بشكل أساسي على مدى شدّة الانحراف وتأثيره في حياة المريض اليومية. ففي الحالات البسيطة، التي لا تؤثر بشكل ملحوظ في التنفس أو لا تسبب أعراضًا مزعجة، يمكن الاكتفاء بالعلاج الدوائي دون الحاجة إلى تدخل جراحي. تشمل الخيارات الدوائية استخدام بخاخات الأنف المحتوية على الكورتيزون (الستيرويدات الموضعية) التي تعمل على تقليل الالتهاب وتورم الأغشية المخاطية، ما يساعد على توسيع مجرى الهواء جزئيًا. كما تُستخدم مضادات الاحتقان لفترات قصيرة للتخفيف من الشعور بالانسداد، بالإضافة إلى أدوية مضادة للهيستامين في حال وجود حساسية مصاحبة تزيد من تفاقم الأعراض.

لكن في الحالات المتوسطة إلى الشديدة، حيث يصبح الانحراف عائقًا حقيقيًا للتنفس أو يؤثر في جودة النوم ويؤدي إلى التهابات متكررة في الجيوب الأنفية أو مشاكل في الأداء اليومي، يكون الحل الجراحي هو الخيار الأكثر فعالية. تُعرف العملية الجراحية لعلاج هذه الحالة باسم "رأب الحاجز الأنفي" (Septoplasty)، وهي تدخل جراحي دقيق يهدف إلى إعادة الحاجز إلى موضعه الطبيعي في منتصف الأنف. يتم ذلك من خلال إزالة أو تعديل الأجزاء المنحرفة من الغضروف أو العظم دون التأثير في الشكل الخارجي للأنف، ما يجعلها عملية وظيفية أكثر من كونها تجميلية.

تُجرى عملية رأب الحاجز الأنفي تحت التخدير العام أو الموضعي، وغالبًا ما تكون مدتها قصيرة نسبيًا، وتُصنّف ضمن العمليات ذات الخطورة المنخفضة. يمكن للمريض العودة إلى المنزل في اليوم نفسه أو في اليوم التالي على أبعد تقدير، مع ضرورة اتباع تعليمات ما بعد الجراحة بدقة، مثل تجنب النشاطات البدنية العنيفة، والامتناع عن فرك الأنف، واستخدام الأدوية الموصوفة لتقليل التورم والوقاية من العدوى. وفي أغلب الحالات، يُلاحظ المرضى تحسنًا ملحوظًا في قدرتهم على التنفس خلال أيام إلى أسابيع قليلة من الجراحة، إلى جانب تحسّن كبير في النوم وجودة الحياة.

في الختام، يُعتبر انحراف الحاجز الأنفي مشكلة شائعة ولكنها قابلة للعلاج بفاعلية، سواء بالوسائل التحفظية أو الجراحية، بحسب ما تقتضيه الحالة. لذلك، لا ينبغي التقليل من شأن الأعراض المصاحبة لها، خاصة عند الشعور بضيق في التنفس أو الشخير أو التهابات الجيوب المتكررة. فالتشخيص المبكر والتدخل المناسب، بإشراف طبيب مختص في الأنف والأذن والحنجرة، يمكن أن يُحدث فرقًا جذريًا في حياة المريض ويمنحه راحة طال انتظارها.

الأكثر قراءة

الفاتيكان يكشف سبب وفاة البابا فرنسيس