اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب



منذ عام 2019 دخل لبنان في نفق مظلم بسبب أزماته الخانقة، التي حرمت المواطن اللبناني ابسط مقومات الحياة، فمع بداية الأزمة الاقتصادية التي أدت إلى ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، والتي فقدت الكثير من قيمتها، وتجميد الودائع في المصارف، وازمة كورونا، ولاحقا انفجار مرفأ بيروت عام 2020 والأزمات السياسية المتلاحقة في البلاد، دون أن نغفل عن الحرب المدمرة من قبل العدو "الإسرائيلي" على البلاد، كلها عوامل اثرت بشكل سلبي وأصاب الشلل معظم قطاعات البلاد، لا سيما على الحركة الفنية. فالمسلسلات المحلية توقفت بشكل شبه كلي قبل أكثر من خمس سنوات، لان شركات الإنتاج قلصت من إنتاجاتها، وغرقت القنوات المحلية في دوامة أزماتها المالية، فغابت المسلسلات المحلية عن الشاشة.

فن الدراما هو من الفنون المتجددة من خلال الوسائل التقنية، وجد مع وجود الإنسان في الحكاية والقصص الشعبية والأساطير، وهو بشكل عام، وخاصة في بلداننا، من الفنون المحبوبة من قبل الجميع، ومن المفترض أن يستثمر هذا الفن بنقل المعارف، التي من خلالها نستطيع أن نكوّن مواقف وبالتالي سلوك. فالإنسان يأخذ معرفته من خلال بيئته الأسرية والمدرسة ووسائل الإعلام، التي من ضمنها وأهمها والأكثر تأثيرا فن الدراما، إضافة إلى قيمته الاقتصادية.

 هذا ما أكد عليه وزير الإعلام بول مرقص خلال استقباله وفدا من " تجمع منتجي الدراما في لبنان"، الذي عرض واقع القطاع وأبرز العقبات التي يواجهها والتي تمنع انتشاره، مع تقديم اقتراحات عملية تهدف إلى دعمه وتمكينه. وأعرب مرقص عن دعمه للدراما اللبنانية ووقوفه الى جانب هذا القطاع، لتحقيق مطالبه وتأمين الحماية اللازمة لتطوره وانتشاره قائلا: "الإنتاج الدرامي اللبناني يشكل قيمة ثقافية واقتصادية، لا تقل أهمية عن باقي القطاعات الحيوية في البلاد، وإن أي دعم لهذا القطاع سينعكس إيجاباً على صورة لبنان في الخارج، وسيساهم في استقطاب الاستثمارات العربية والدولية".

وهنا، لا بد من الإشارة إلى دور الدراما اللبنانية في تحريك العجلة الإقتصادية، فقد بات العديد من المناطق اللبنانية مقصدا للزائرين من داخل لبنان وخارجه، ليتعرفوا الى المواقع والبيوت التي تم فيها تصوير مسلسلاتهم المفضلة، كساحة حمانا التي شهدت أحداث مسلسل "الهيبة"، والقصر القديم الذي جرى فيه تصوير مسلسل "ثورة الفلاحين" في منطقة جزين سابقا، ناهيك عن تشغيل مئات اللبنانيين من أصحاب الاختصاص.

 وتشكل المناطق الريفية اللبنانية خياراً ممتازاً للأعمال التاريخية، أو التي تعود قصتها الى مراحل زمنية سابقة، لأنها تؤمن إطاراً مناسباً بعيداً عن مظاهر الحياة العصرية، وغالباً ما يتم اللجوء الى بعض الأديرة الدينية القديمة، التي حافظت على طابعها التراثي، وبعض القصور التاريخية، لتكون مسرحاً لهذا النوع من المسلسلات.

الجدير بالذكر أن الانتاج الدرامي في لبنان بدأ مع انشاء اول تلفزيون ناطق باللغة العربية بالعالم العربي في بيروت سنة 1959 سمي تلفزيون لبنان، وضم شركتين مساهمتين: الأولى شركة تلفزيون لبنان والمشرق والثانية شركة التلفزيون اللبنانية، وقد تنافستا على انتاج افضل الاعمال الدرامية، وتم تسويقها آنذاك في البلدان العربية قبل ان تتوحد الشركتان في عام 1974.

مر قطاع الدراما اللبنانية بمرحلة حرجة، حيث تراجعت صناعة الدراما تدريجياً، لتتحول مشاهدة مسلسل لبناني على الشاشة اللبنانية إلى ما يشبه "لحظة نادرة". فقد تأثرت جودة الإنتاجات بأزمات التمويل، وانخفاض قدرة القنوات التلفزيونية على دفع مبالغ كبيرة لقاء شراء المسلسلات ،فانخفضت أجور الممثلين بشكل ملحوظ نتيجة الأزمة المالية التي مرت بها البلاد، وتعززت الإنتاجات المشتركة مع دول عربية أخرى، لضمان الحصول على أجور أعلى. المنتج إيلي معلوف أكد "أن القنوات التلفزيونية لعبت دوراً أساسياً في تراجع الدراما اللبنانية في السابق، كانت شركات الإنتاج تقرر الأعمال الدرامية، ويتم بيعها بناء على طلب الشاشات، لكن وسائل الإعلام تعاني حالياً من مشكلات مالية أدت إلى تقليص عملية البيع والشراء".

الدراما اللبنانية كانت تعيش ما بين الصعود والهبوط على مدار تاريخها، ولا يمكن أن ننكر أن الدراما اللبنانية كان لها حضور قوي قبل بداية الحرب المشؤومة عام 1975، حيث كان الإنتاج التلفزيوني اللبناني السباق في إنتاج الدراما العربية، التي انتشرت في العالم العربي والشرق الأوسط، وكان نجومها من المحببين إلى الجمهور العربي، أمثال هند أبي اللمع ومحمود سعيد وعبد المجيد مجذوب وغيرهم، إلا أن إنتاجيتها انخفضت مع بداية الحرب.

شكل تراجع الدراما ضربة قاسية لصناعها، بعدما كانت في تسعينيات القرن الماضي في طليعة الأعمال العربية، وأطلقت عدداً من النجوم المخضرمين الذين جمعوا بين المواهب المسرحية والأداء الدرامي، وقدموا أعمالاً ناجحة، ولكن إصرار العديد من المنتجين والممثلين اللبنانيين لاصدار الاعمال الدرامية رغم كل التحديات، يبقى بارقة امل لمستقبل درامي مشرق. الكاتبة كلوديا مرشيليان أكدت أن "العقبات الاقتصادية والسياسية التي مر بها لبنان في السنوات الأخيرة، أدت إلى تجميد المشاريع الفنية، ولا يمكن أن تستعيد الدراما اللبنانية عافيتها، إلا إذا دارت العجلة الاقتصادية في البلاد"، وابدت تفاؤلها بالمستقبل قائلة: "النوايا موجودة بإعادة المسلسلات المحلية إلى سابق عهدها، ونأمل أن نتكاتف لعودة الحياة إلى الدراما".

بدوره، راى الكاتب والممثل جان قسيس ان اللهجة اللبنانية لم تكن رائجة قبل خمسة عقود في معظم الدول العربية، لذلك كان لابد لتلك المسلسلات اللبنانية التي كان لها طابع تاريخي وبدوي، ان تنتج باللغة الفصحى لكي تتماشى مع ذوق المشاهد العربي. وأضاف ان " الدراما اللبنانية التي كادت ان تكون الاولى بعد الدراما المصرية، ازدهرت بسبب التزام لبنان القوي آأنذاك بالمعايير والممنوعات التي وضعتها البلدان العربية، لعرض الانتاج الدارمي اللبناني". واكد ان "الأعمال التي تقدم اليوم لم تعد ذات هوية لبنانية، انما هوية متعددة الانتماءات، فمعظم النصوص التي تعرض على الشاشات المحلية لا تقترب من واقعنا اللبناني، اذ انها صورت المجتمع على انه بؤرة للفساد من قتل وتهريب ومخدرات وغيرها". خاتما القول "مع بعض الاستثناءات".

ومن اشهر الاعمال التي كانت لها طابع بدوي "فارس ونجود" سنة 1974 و"فارس بني عياد" سنة 1968 بطولة احسان صادق وسميرة توفيق وسميرة بارودي، فيما كانت تعرض افلام تلفزيونية هي من الأدب العالمي "البؤساء" و"الأخرس".

وفي هذا السياق، وخلال لقاء وزير الإعلام بوفد "تجمع منتجي الدراما في لبنان" تم الاتفاق على "تطوير آلية تعاون بين المنتجين اللبنانيين ووزارة الإعلام، وتفعيل دور تلفزيون لبنان كمنصة داعمة للإنتاج اللبناني، من خلال آلية تعاون يتم الاتفاق عليها مع ادارة التلفزيون".

يذكر أن المسلسلات التي قدمت على الشاشات اللبنانية ثم انتقلت إلى الشاشات العربية لا تعد ولا تحصى، منها "المشوار الطويل" و"ألو حياتي" و"النهر" و"عازف الليل" و"غوار" وغيرها. كذلك المسلسلات البدوية مثل "فارس ونجود" و"فارس بني عياد" و"النهر"، و"ديالا". والعديد من البرامج التاريخية مثل "العقد الفريد" و"البخلاء" وبرامج المنوعات مثل "بيروت في الليل" و"استديو الفن" و"القلعة". أما اليوم يشتهر التلفزيون اللبناني بالبرامج الاستعراضية والألعاب الفنية، إضافة إلى البرامج الثقافية والتي تعتني بأسلوب حياة يميل أحيانا إلى الغرب.

الدراما صناعة قد لا تدخل في جدول الصناعات اللبنانية المعروفة، لكنها قادرة على انعاش البلاد بكافة قطاعاته وضخ الحياة فيها، إن تم العناية بها بالشكل الأمثل واحتضانها ومساعدتها من قبل كل المسؤولين، لوضعها على الطريق الصحيح وإعادتها لتكون السباقة إلى النجاح والانتشار.

الأكثر قراءة

الفاتيكان يكشف سبب وفاة البابا فرنسيس