اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


● "إعرف نفسك" حكمة وردت في سياق فلسفة سقراط، تعود إلى ألفين وأربعمائة وخمسين سنة، وما زال الناس يُردِّدونها، أمّا العاملون بموجبها فقليلون! ليته أكملها وقال:" واعرف غيرَك" لِتُصبِحَ آيةً ذهبيّةً وأمثولةً للأمم.

● معرفة الذات

- على الإنسان أن يعرفَ نفسه على حقيقتها، أن يعرفَ مستواه الاجتماعي والثقافي، أصلَه وفصلَه، حسبَه ونسبَه، حاضرَه وماضيه، قدرتَه وطاقته، إمكاناته المعنويّة والمادّيّة.

- وعليه أن يُدركَ أنّه إذا أعطى نفسه ما ليس لها، وما ليس بوسعها، أو أقلّ ممّا لها أو ممّا تستحقّ فيكون خاسرًا حتمًا.

- يجب أن تكون معرفة الذات واقعيّة وحقيقيّة ودقيقة، وهذا يتطلّب صدقًا وجرأة وثقة بالنفس.

- من معرفة الذات على حقيقتها، يبدأ التصرف الحكيم، فلا الادّعاء الفارغ مسموح ولا الاتّضاع الزائد مقبول.

● "إعرف الغير"

معرفة الآخر تعني معرفة الصديق ومعرفة العدوّ على حقيقتيهما.

1- معرفة الصديق ضروريّة، فمن المفروض أن تعرفَ عنه كلّ شيء، لا سيّما مدى إخلاصه وصدقه، وأمانته ووفائه وسموّ أخلاقه، وغاياته، لأنّه إذا كان غدر العدوّ مصيبة، فغدر الصديق كارثة.

2- معرفة العدوّ واجبة الوجوب، البحث والتحرّي عن كلِّ ما يمتّ إليه بصلة، عن قدراته المعنويّة والمادّيّة، عن معطياته ومقوّماته، عن مكامن ضعفه وقوّته، عن عاداته وتقاليده، عن علاقاته الاجتماعيّة، عن قدراته العلميّة، عن ثقافته، عن ثرواته، عن موارده الطبيعيّة، عن تاريخه وحاضره، عن جغرافيّة بلاده وطبيعتها...

وإلّا يسير المرء في المجهول ولا يعرف الكوارث التي تحلّ به ولا المصائب التي تهبط عليه.

"معرفة الذات ومعرفة الغير" أمران ضروريّان يُنجّيان الإنسان من الخطأ ويُبعدانه عن التجارب الخاسرة وأحيانًا المدمّرة.

وكم من حروب وثورات، كبّدت البشريّة خسائر لا تُحصى ولا يُدركها عقل، وقد حصلت من جهل الذات ومن جهل الآخر.

وكم كان La Rochefoucauld على حقّ عندما قال:" لمعرفة الأشياءِ جيّدًا، يجب أن نعرفَ تفاصيلها".

“Pour bien savoir les choses, il en faut savoir les détails”

وإذا كانت معرفة الأشياء تتطلّب دقّة ، فمعرفة الإنسان، التي هي الأصعب، تتطلّب ذكاءً وتجرّدًا وشجاعة.

وبناء عليه نقول:

لو عرف الكثيرون من القادة الذين أسكرهم الجهل والطمع وحبّ الجاه والسيطرة والكبرياء أنفسهم أوّلًا وأعداءهم ثانيًا لما وقعت الحروب التي واكبت الزمن وكبّدت الجميع الخسائر البشريّة والمادّيّة التي فاقت كلّ تصوّر وخيال!!!

- ليت الإنسان يتعلّم ويتّعظ من دروس الماضي ليتجنّب الخطأ، ويبني مستقبلًا أفضل قائمًا على السلام، ويُحقّق إنسانيّة الإنسان!

- ليته يلجأ إلى الحوار والتفاهم والحلول السلميّة، العادلة بدلًا من العنف والتخريب والتدمير، لحلِّ مشاكلِه على الأرض!

- ليت الحكام يعرفون الحقيقة المجرّدة وينزعون فكرة الحروب من رؤوسهم لِتتحوّل الكرةُ الأرضيّةُ إلى جنّةٍ من جنّاتِ اللّه.

- ليتهم يُجرون حسابًا ليعلموا أنَّ الأموالَ التي هُدِرت في الحروب كافيةٌ لمحوِ الأمّيّة والفقر والمرض عن وجهِ الأرض.

- معرفة الإنســـــان الدقيقة قوّته الحقيقيّة ما هي إلّا العبقريّــــة، كما قـــال فلوبير Flaubert:

« La connaissance précise de sa force n’est peut-être que le génie »

نعم العبقري هو الذي يحسب كلّ شيء كي لا يُخطئ.

وختامًا نعود إلى فلسفة سقراط لنعرف أن الحقيقة كامنةٌ في أساس المعرفة العامّة ومعرفة الذات ومعرفة الغير:

الأعمدة الثلاثة لحكمة صالحة لكلِّ شعبٍ في كلِّ زمان ومكان، وأمثولة ثمينة للمجتمعات التي تريد حقًّا الرقيّ والحضارة والعمران، وتسعى إلى الخير والبناء والسلام.


الأكثر قراءة

الفاتيكان يكشف سبب وفاة البابا فرنسيس