اكتسبت أزمة النفايات في لبنان اهتماما عالميا في عام 2015، حين غرقت شوارع بيروت بالقمامة، لكن سوء معالجة لبنان لنفاياته، بما في ذلك حرقها في المكبات، يعود إلى عقود مضت. ومع بلوغ مرحلة اليأس من الحلول المستدامة، انتقلت البلدات إلى الحلول السريعة، حيث تنتشر حرائق النفايات في كل مكان.
ففي بلدة بكفتين – الكورة علت أصوات سكان المنطقة، التي اختنقت بسبب الدخان السام والروائح المنبعثة من مكب، في أحد سهول الزيتون في القرية، والذي يتم حرق النفيات فيه يوميا دون حسيب أو رقيب، حيث وصلت شكوى المواطنين إلى "جمعية الأرض لبنان" شكوى أهالي المنطقة.
وقد أكد مؤسس ورئيس "جمعية الأرض- لبنان" والمنسق والمدرب في مجال التربية البيئية بول أبي راشد لـ "الديار"، "ان حرق النفايات هو اسواء ما يحدث، وبحسب الدراسات فإن الانبعاثات الناتجة من حرق البلاستك خصوصا، تنبعث مادة تسمى الديوكسين، وهي مادة تؤدي إلى العقم عند الإنسان ، وهي واحدة من المواد التي تبعث نتيجة الحرق غضافة، إلى مواد أخرى تؤدي الى امراض مختلف كالسرطان والحساسية وغيرها من الأمراض". وأضاف إلى "ان الحرق المنظم مضر بالصحة، فمابلك بالحرق العشوائي"، ودعا الدولة اللبنانية الى التعامل مع الذين يقومون بحرق النفايات كالمجرم، فهو يقتل الناس بطريقة جماعية وغير مباشرة".
الجدير بالذكر أن "جمعية الأرض لبنان"، هي جمعية تسعى مع الجهات المختصة للعمل من أجل بيئة أفضل، و التوعية على تحسين سلوك الإنسان تجاه بيئته لحماية الموارد الطبيعية، ونشر مبادىء التنمية المستدامة للمحافظة على المواقع الأثرية وإحياء التراث.
إن تلوث الهواء لا يعرف الحدود ولا يتركز في مكان واحد، بل ينتشر مع الرياح ودرجات الحرارة والرطوبة، فقد تلحق المواد الخطرة المنبعثة في الهواء خلال حرق النفايات في الحيز العام، وبدون التصريح والشروط المتشددة الضرر على الإنسان، بما فيه الأمراض المزمنة والتعرض لأمراض السرطان. فحرق النفايات في المكب الذي أنشئ بشكل عشوائي في بلدة بكفتين، تصل انبعاثات دخانه السام إلى ضهر العين، حارة الخالصة، كفرحورا، كفرزينا، وغيرها من قرى قضائي الكورة وزغرتا، وتخنق سكان هذه المناطق بصمت.
تعتبر أزمة النفايات متجذرة في لبنان، ففي التسعينات نظمت الحكومة تجميع النفايات والتخلص منها في بيروت وجبل لبنان، بينما تركت باقي البلديات تتدبر أمورها بدون مراقبة أو دعم مادي أو خبرات تقنية، فكثرت المكبات المكشوفة، وازداد الحرق في الهواء الطلق عبر البلاد، وبحسب باحثين في "الجامعة الأميركية في بيروت"، ان 77 % من النفايات إما ترمى في مكبات مكشوفة أو تطمَر، مع أنهم يقدرون أن 10 إلى 12 % فقط من نفايات لبنان لا يمكن إعادة تدويرها أو تحويلها إلى سماد عضوي.
"هيومن رايتس ووتش" وجدت في تقرير نشرته في 2017 أن حرق النفايات في أكثر من 150 مكبا في الهواء الطلق ، يعرض صحة السكان الذين يقطنون قريبا من المكبات للخطر، حيث ينطوي أسلوب الحرق على مخاطر عديدة، من أهمها تلويث الهواء بنواتج حرق خامات متعددة، قد يكون منها المواد البلاستيكية؛ مما ينشر غازات وأبخرة سامة في الجو، كما أنه ينتج من حريق النفايات سائل سام ملوث للبيئة، فضلاً عن إهدار القيمة الاقتصادية لعناصر ومكونات صالحة لإعادة الاستخدام داخل القمامة.
وبحسب المديرية العامة للدفاع المدني، ان حرق النفايات بات يشكل ما نسبته 12 % من مجموع الحرائق، التي تعمل فرق الإطفاء على معالجتها بصورة يومية، وتوضح "تترافق هذه الحرائق مع ارتفاع كبير بالمكبات العشوائية، التي أنشأتها البلديات لرمي النفايات من دون معالجة"، وترجح المديرية أن أكثرية الحرائق التي تقع في مكبات النفايات متعمدة، لأن عملية الاختمار تحتاج إلى مدة طويلة، وأحياناً سنوات لتصبح عرضة للاشتعال.
ينظر خبراء البيئة والصحة بقلق كبير لما يحدث في لبنان، لأن آثار حرق النفايات طويلة الأجل، ولا يمكن التعافي منها بسهولة.
ويؤكد الخبير البيئي ناجي قديح خطورة حرق النفايات، بسبب تداعياته الصحية والبيئية، فهي وسيلة تلجأ إليها عادةً البلدان المتخلفة، لافتاً إلى أن "الغاية من حرق النفايات تخفيف الحجم والكمية المراد التخلص منها، إذ يعتبر "ان الذين يقدمون على حرقها أنها وسيلة ملائمة ومقبولة، في وقت يرتكبون فيه خطأ كبيراً، أكلافه مرتفعة بيئياً وعلى الصحة العامة"، مضيفاً " إن حرق النفايات بطريقة غير تقنية تلقائياً وفي الهواء الطلق، ليس ملائماً من الناحيتين التقنية أو البيئية، إذ لن يكون كافياً لتحقيق التفكيك الكامل والآمن للمواد المكوّنة منها النفايات".
يضيف قديح " تترافق عملية الحرق مع انبعاث عدد كبير من الغازات الضارة، بما فيها غازات عالية السمية تؤدي إلى تلويث خطر للهواء، وبالتالي تهدد الصحة العامة للمواطنين". واشار الى "ان العديد من هذه الملوثات والمواد السامة تسبّب أمراضاً خطرة ومزمنة ومستعصية وسرطانية"، موضحاً أن "الملوثات التي تنتشر في الهواء ستعاود النزول إلى الأرض من جديد بعد فترةٍ زمنية، ما سيؤدي إلى تلوث التربة والمنتجات الزراعية والمياه السطحية، وإن كانت المواد قادرة على الثبات، أي عدم التفكك بسهولة. وبالتالي العيش فترة طويلة في البيئة وتحمل الشمس والبرد وما إلى ذلك، تكون عالية السمية، وقادرة على تلويث أكثر من وسط بيئي والانتقال من وسط إلى آخر، أي من الهواء إلى التربة والمنتجات الزراعية والمياه وتسرب للمياه الجوفية بشكلٍ خطرٍ".
يذكر أن لبنان دولة عضو في "المعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية،" ما يتطلب منه اتخاذ خطوات لتحقيق حق الانسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية.
وحرق النفايات ينتهك قوانين حماية البيئة اللبنانية بموجب المادة 24 من القانون رقم 444/2002. وتنص الأخيرة على أن "على كل شخص طبيعي أو معنوي، عام أو خاص، في معرض ممارسة نشاطه أن يلتزم بعدم انبعاث أو تسرب ملوثات الهواء بما فيها الروائح المزعجة أو الضارة"، ويرصد القانون عقوبات للمخالفين وبعد إنذار المخالف من قبل السلطات المحلية، يكون لوزارة البيئة أن تتخذ كل التدابير القانونية الهادفة الى وقف النشاط الملوث للبيئة ، ويحظر القانون 64/1988 حول النفايات السامة والملوثات الضارة إنتاج النفايات السامة من دون التخلص السليم منها، ويرصد عقوبات تتراوح من الغرامات الى السجن بين 3 أشهر و3 سنوات.
مرت عقود من الزمن على أزمة النفايات في لبنان، ولم تنجح الحكومات المتعاقبة في وضع المشكلة على سكة الحل، بسبب الفساد والمناكفات السياسية، ولكن ما يثير الاستغراب والقلق معا التكيف مع مشهد حرائق النفايات. فإلى متى ستبقى هذه المجتمعات رهينة المكبات غير القانونية والحرق العشوائي؟ وأين هي خطط الإدارة اللامركزيّة المستدامة للنفايات التي نص عليها القانون اللبناني؟
يتم قراءة الآن
-
خطف نساء الساحل السوري: كرة النار تتدحرج والشارع يغلي!
-
«حبس أنفاس» في المنطقة... ولبنان لن يدخل الحرب باراك يتفهم موقف عون: تأجيل البحث بملف السلاح الصواريخ الايرانية تنقل الصدمة والترويع «لاسرائيل»
-
أبواب جهنم تُفتح ببطء... نتنياهو يفشل في تدمير المنشآت النووية الأساسية ماكرون: لا لإسقاط النظام الإيراني... فـوضى العراق لن تتكرر بقاء اليونيفيل جنوب لبنان: لمنع سقوط الخط الازرق
-
واثقون من عقلانيّة حزب الله
الأكثر قراءة
-
واثقون من عقلانيّة حزب الله
-
باراك للمسؤولين : تعاونوا مع "سوريا الشرع"... أسرعوا بنزع السلاح وسأعود بأجوبة خلال أسابيع عون يُصارح الأميركيين : التطوّرات أخّرت التنفيذ... وسنكثف الإتصالات!
-
اللواء شقير اجتمع مع دبور وعردات ... وإجراءات "إسرائيليّة" تعوق عودة الأحمد فصائل فلسطينيّة ترفع رؤية الى رئيس الجمهوريّة تتضمّن مطالب منها الأمن
عاجل 24/7
-
14:31
حادث سير مروع بين 6 سيارات على اوتوستراد نهر الكلب وزحمة سير خانقة من اوتوستراد جل الديب وصولاً الى ضبية حتى نهر الكلب
-
14:12
غالانت: القوة الجوية الأميركية وحدها لديها القدرة على تدمير آخر موقع تخصيب نووي قائم في إيران
-
13:55
الجبهة الداخلية الإسرائيلية: صفارات الإنذار تدوي في جنوب الجولان بعد رصد تسلل مسيرة
-
13:43
التلفزيون الإيراني الرسمي: آلاف الإيرانيين يتظاهرون في طهران تنديداً بالهجمات الإسرائيلية
-
13:25
مسيرة إسرائيلية تحلق في أجواء بيروت والضاحية الجنوبية على علو منخفض
-
13:11
ماكرون: سنقدم مع بريطانيا وألمانيا عرض تفاوض كامل لإيران
