يواجه لبنان هذا العام أزمة مائية غير مسبوقة، مع تسجيل تراجع حاد في معدلات هطول الأمطار، الأمر الذي ينذر بكارثة حقيقية تهدد الأمن الغذائي والمائي في البلاد. فقد أظهرت البيانات الصادرة عن مصلحة الأرصاد الجوية انخفاضًا بنسبة 50% في التساقطات المطرية مقارنةً بالمعدلات الطبيعية، مما ترك أثرًا سلبيًا مباشرًا على مخزون المياه الجوفية، وقدرة المزارعين على ري محاصيلهم.
أمطار شحيحة... وأزمة متصاعدة
مع بداية موسم الصيف، تتفاقم المخاوف من دخول لبنان مرحلة جفاف قاسية. فوفقًا لمصلحة الأرصاد الجوية اللبنانية، سجلت البلاد انخفاضًا بنسبة 50% في كميات الأمطار مقارنة بالمعدلات الموسمية المعتادة. فالخبراء يحذرون من أن نقص الأمطار والثلوج قد يؤدي إلى انخفاض حاد في مستويات المياه داخل البرك الزراعية والآبار الجوفية، ما سيضع آلاف المزارعين أمام تحديات وجودية.
وفي ظل شحّ الموارد المائية، قد يضطر البعض إلى اللجوء إلى مصادر مياه غير آمنة، كاستخدام مياه الصرف الصحي لري الأراضي الزراعية، مما قد يعرض سلامة المحاصيل وجودتها للخطر، وينذر بارتفاع المخاطر الصحية على المستهلكين.
محاصيل مهددة وأساليب ري خطرة
يواجه القطاع الزراعي اللبناني، الذي يرزح أصلًا تحت وطأة أزمات اقتصادية متفاقمة وارتفاع جنوني في أسعار المستلزمات الزراعية الأساسية، من أسمدة ومبيدات حشرية إلى وقود وصيانة معدات، تحديات وجودية تهدد كيانه. لقد وجهت تقلبات المناخ ضربة قاسية وسريعة: انحسار مبكر وغير معهود للأمطار الغزيرة التي تغذي الأرض، مصحوبًا بارتفاع مبكر وشديد في درجات الحرارة.
وقد أدى هذا التحول المناخي المفاجئ إلى تحويل الحقول الخصبة بسرعة إلى أراضٍ قاحلة، وبدأت تظهر النتائج المروعة في ذبول المحاصيل. لم يعد التهديد مجرد انخفاض في الإنتاجية؛ بل هو احتمال حقيقي لفشل واسع النطاق للمحاصيل، مما سيؤدي إلى خسائر مالية كارثية قد تدفع المزارعين الذين يعانون بالفعل إلى حافة الانهيار. لقد اختل التوازن الدقيق بين الزراعة والنمو والحصاد، وهو الأساس الذي تقوم عليه عملية إنتاج الغذاء بأكملها، بشكل عنيف.
ويزيد من حدة هذه الأزمة المائية تحذيرٌ مقلق يطلقه الخبراء: الاحتمال المتزايد للجوء بعض المزارعين، بدافع اليأس لإنقاذ سُبل عيشهم، إلى الممارسة الخطيرة المتمثلة في ري حقولهم بمياه الصرف الصحي غير المعالجة أو مصادر المياه الملوثة الأخرى. هذا ليس خيارًا يُتخذ بسهولة، بل هو نتاج معضلة مؤلمة تتمثل في مشاهدة محاصيلهم تذبل وتموت أمام أعينهم. ومع ذلك، فإن هذا الإجراء اليائس يحمل مخاطر عميقة وبعيدة المدى. يمكن أن يؤدي إدخال المياه غير المعالجة إلى النظام الزراعي إلى التراكم الحيوي للمعادن الثقيلة وانتشار مسببات الأمراض الخطيرة داخل المحاصيل نفسها.
يشكل هذا التلوث تهديدًا مباشرًا وكبيرًا للصحة العامة، وقد يؤدي إلى تفشي الأمراض المنقولة بالغذاء بين المستهلكين. وإلى جانب المخاطر الصحية المباشرة، يمكن أن يكون لهذه الممارسات آثار ضارة طويلة الأمد على صحة التربة، مما يجعل الأراضي أقل إنتاجية في المستقبل، ويضر بشدة بسمعة وقابلية تسويق المنتجات الزراعية اللبنانية، على الصعيدين المحلي والدولي.
مزارع بقاعي: نحن أمام
معركة بقاء حقيقية
إن الواقع المرير على الأرض يتجسد بوضوح في كلمات مزارع من سهل البقاع، الذي يمثل القلب النابض للزراعة في البلاد: "نحن أمام معركة بقاء حقيقية". تلخص عبارته هذه الأزمة الوجودية التي تجتاح المجتمع الزراعي بأكمله. ويستمر في مناشدته بتحذير صارخ: "إذا لم نتلقَّ الدعم العاجل، سنفقد الموسم الزراعي كله". لا يتعلق الأمر هنا بخسارة دخل فردي للمزارعين فحسب؛ بل هو تهديد وشيك للأمن الغذائي في لبنان، واضطراب محتمل لسلاسل الإمداد الحيوية التي تغذي البلاد، ونذير لمزيد من عدم الاستقرار الاقتصادي في بلد يئن بالفعل تحت وطأة تحديات هائلة. يمكن أن تؤدي الآثار المتتالية لفشل زراعي واسع النطاق إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية، وتفاقم البطالة في المجتمعات الريفية، وزيادة تآكل النسيج الاقتصادي الهش للبلاد. إن الحاجة إلى تدخل فوري وفعال ليست مجرد مسألة دعم للمزارعين؛ بل هي مسألة حماية مستقبل الأمة.
محاولات احتواء الأزمة
إجراءات خجولة أمام تحديات ضخمة
في محاولة لاحتواء الكارثة قبل استفحالها، أطلقت وزارة الزراعة حزمة من الإجراءات الاحترازية، أبرزها تشجيع المزارعين على تبني تقنيات ري حديثة، مثل الري بالتنقيط، الذي يساهم في تقليل فاقد المياه بنسبة تصل إلى 50% مقارنة بالطرق التقليدية. كما كثّفت الوزارة من حملات التوعية والإرشاد، داعية المزارعين إلى ترشيد استخدام المياه، وإدارة الموارد المتاحة بشكل أكثر كفاءة لضمان استدامة المحاصيل خلال موسم الصيف.
ورغم أهمية هذه الخطوات، إلا أن تأثيرها يبقى محدودًا أمام حجم التحديات. فالأزمة تحتاج إلى خطط استراتيجية بعيدة المدى تتجاوز الحلول التقنية الفردية. من بين هذه الحلول الملحة، تطوير شبكات وطنية متكاملة لتجميع مياه الأمطار خلال موسم الشتاء، وبناء خزانات كبرى لتخزين المياه للاستخدام الزراعي والصناعي لاحقًا، خصوصًا في المناطق الريفية التي تعاني من هشاشة في بنيتها التحتية المائية.
كما تبرز الحاجة الماسة إلى إعادة صياغة سياسات استهلاك المياه، عبر وضع آليات رقابة أكثر صرامة، وتحفيز التحول نحو أنماط زراعية أقل استهلاكًا للمياه، مثل زراعة محاصيل تتحمل الجفاف. فالقطاع الزراعي، الذي يستهلك حوالي 60-70% من الموارد المائية في لبنان، لا يمكنه الاستمرار بالآليات الحالية دون التسبب باستنزاف مقلق للمياه الجوفية.
بدون هذه الإصلاحات الجذرية، يخشى الخبراء أن تتحول الأزمة الموسمية إلى حالة دائمة من الجفاف، تقضي تدريجيًا على ما تبقى من قدرة لبنان الزراعية، وتفاقم الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي ترهق كاهل المواطنين.
هل لا يزال هناك وقت للإنقاذ؟
أخيراً، يقف لبنان اليوم أمام منعطف حساس: فإما أن يتعامل مع الأزمة الحالية كإنذار مبكر يدفعه إلى إطلاق خطط طارئة ومستدامة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أو أن يترك القطاع الزراعي ينهار بصمت، مع ما يحمله ذلك من تبعات كارثية على الاقتصاد والمجتمع.
الجفاف ليس مجرد نقص في المياه، بل أزمة متكاملة تهدد غذاءنا، صحتنا، واستقرارنا الاقتصادي. والسؤال المطروح: هل لا يزال هناك وقت للإنقاذ؟
يتم قراءة الآن
-
نزع السلاح ثم نزع الأرواح
-
اورتاغوس تشيد برئيس الجمهورية: قائد مصمّم على تعافي وطنه لبنان يترقب التسوية الأميركية ــ الإيرانية كواليس الانتخابات البلدية... بري حريص على المناصفة في بيروت
-
صوت المقاومة يعود... فهل يتبدل مسار التفاوض؟ علامات استفهام حول استدعاء أماني والحملة على جنبلاط القلق يتجاوز السلاح... خصوم المقاومة في سباق مع الوقت
-
قلق اوروبي من تصعيد «اسرائيلي»: احذروا نتانياهو! الطائفية تجهض التعديلات... والرهان على وطنية «البيارتة» المطالب المعيشية الى الشارع... وجولة اميركية جنوبا
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
23:06
الخارجية الأميركية: نراقب الوضع عن كثب بين الهند وباكستان ولم نتخذ موقفا بعد بشأن وضع جامو وكشمير، ونقف إلى جانب الهند وندين بشدة جميع أعمال الإرهاب.
-
23:05
الخارجية الأميركية: الرئيس ترامب أكد أنه لا يزال يعتقد أن السلام ممكن بين روسيا وأوكرانيا.
-
23:03
الخارجية الأميركية: مايكل أنطون مدير تخطيط السياسات بالوزارة سيشارك في المحادثات إلى جانب المبعوث ويتكوف.
-
23:03
الخارجية الأميركية: المبعوث الرئاسي الخاص إلى أوكرانيا كيث كيلوغ شارك في محادثات إيجابية في لندن بشأن أوكرانيا.
-
23:02
الخارجية الأميركية: من غير المقبول امتلاك إيران للسلاح النووي، وجولة المحادثات النووية القادمة ستعقد في سلطنة عمان السبت وستشهد أول اجتماع للفرق الفنية.
-
22:35
وسائل إعلام تابعة لأنصار الله: عدوان أميركي على مديريتي الحيمة ومناخة بمحافظة صنعاء.
