اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


تُعد الزائدة الدودية حالة طبية طارئة تتطلب تدخلًا سريعًا عادةً، لكنها تكتسب أبعادًا إضافية من التعقيد عندما تحدث أثناء الحمل. فالزائدة الدودية، وهي عبارة عن أنبوب صغير متصل بالأمعاء الغليظة، قد تلتهب أو تتمزق مما يؤدي إلى مخاطر صحية كبيرة على الأم والجنين معًا. ورغم ندرة حدوث التهاب الزائدة أثناء الحمل، إلا أنه يُعد من أكثر الأسباب شيوعًا للجراحة الطارئة لدى النساء الحوامل.

يواجه الأطباء تحديًا كبيرًا في تشخيص التهاب الزائدة الدودية لدى الحامل، نظرًا لأن أعراض الحمل، مثل الغثيان والقيء وألم البطن، قد تتداخل مع أعراض الالتهاب. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي نمو الرحم مع تقدم الحمل إلى تحريك الزائدة الدودية من موقعها المعتاد، مما يجعل تحديد موضع الألم أكثر صعوبة. عادةً، يتمركز ألم الزائدة في الجزء السفلي الأيمن من البطن، ولكن مع تقدم الحمل قد ينتقل إلى موقع أعلى، مما يزيد من تعقيد التشخيص.

تكمن خطورة التهاب الزائدة الدودية خلال الحمل في احتمال تمزق الزائدة الملتهبة، وهو ما قد يؤدي إلى التهاب الصفاق (عدوى خطيرة في تجويف البطن) ويعرض الأم والجنين لمضاعفات مهددة للحياة. تشير الدراسات إلى أن نسبة تمزق الزائدة تزداد لدى الحوامل مقارنةً بغير الحوامل، خاصة إذا تأخر التشخيص والعلاج. ويُعد الثلث الثاني من الحمل هو الفترة الأكثر شيوعًا لحدوث هذه الحالة.

يتطلب علاج التهاب الزائدة الدودية خلال الحمل تدخلاً جراحيًا عاجلًا. في معظم الحالات، تُجرى عملية استئصال الزائدة الدودية إما عبر الجراحة التقليدية أو باستخدام المنظار الجراحي، حسب حالة الحمل وعمر الجنين. وتُظهر الأبحاث أن التدخل الجراحي المبكر يقلل بشكل كبير من خطر المضاعفات لكل من الأم والجنين. ومع التقدم الطبي، أصبحت نسب النجاح مرتفعة جدًا إذا أُجري الاستئصال في الوقت المناسب.

من ناحية أخرى، يُعتبر توقيت الجراحة وتخطيطها أمرًا حساسًا للغاية في حال التهاب الزائدة الدودية خلال الحمل. إذ يعتمد القرار الجراحي على عدة عوامل، من بينها عمر الحمل، وضع الجنين، وحالة الأم الصحية العامة. في بعض الأحيان، تتطلب الحالة مراقبة دقيقة ودائمة لتحديد اللحظة الأمثل للتدخل، مع مراعاة استخدام أكثر الأساليب الجراحية أمانًا وأقلها خطورة على الحمل. ففي المراحل الأولى من الحمل، يُفضل استخدام المنظار الجراحي لما له من مزايا مثل قلة الألم وسرعة التعافي، بينما قد تفرض المراحل المتقدمة اللجوء إلى الجراحة التقليدية لتقليل أي ضغط إضافي على الرحم وحماية الجنين.

كما تُعطى أولوية قصوى لمراقبة نبض الجنين وحالة المشيمة قبل وأثناء وبعد العملية الجراحية، مع تجهيز الفريق الطبي لإدارة أي طارئ محتمل مثل الولادة المبكرة أو الحاجة إلى دعم إضافي للأم. تُعتبر المحافظة على استقرار العلامات الحيوية للأم، بما في ذلك ضغط الدم ومعدل ضربات القلب، أمرًا أساسيًا لضمان صحة الجنين، إذ أن أي خلل قد ينعكس بشكل مباشر على تروية الجنين بالدم والأكسجين.

من الجدير بالذكر أن أعراض التهاب الزائدة الدودية أثناء الحمل قد تختلف أو تتداخل مع الأعراض الطبيعية للحمل، مما يجعل التشخيص أكثر تعقيدًا. فقد يكون الألم أقل وضوحًا أو ينتقل إلى موضع غير معتاد بسبب تغيرات موضع الأمعاء مع نمو الرحم. لذلك، من الضروري أن تكون النساء الحوامل على وعي تام بأي ألم بطني مستمر أو متفاقم، خصوصًا إذا رافقه ارتفاع في درجة الحرارة، فقدان الشهية، غثيان شديد غير معتاد، أو تغيرات في الحركة الطبيعية للجنين. ويُشدد الأطباء على أهمية عدم تجاهل هذه الأعراض، ومراجعة الطبيب فورًا عند ظهورها لتفادي مضاعفات قد تكون مهددة للحياة.

في الختام، يشكل التهاب الزائدة الدودية أثناء الحمل حالة طبية دقيقة تتطلب تشخيصًا مبكرًا، تخطيطًا جراحيًا دقيقًا، وتدخلاً سريعًا ومدروسًا. وعلى الرغم من التحديات الإضافية التي يفرضها الحمل، فإن التشخيص الصحيح والعلاج في الوقت المناسب غالبًا ما يؤديان إلى نتائج إيجابية للغاية لكل من الأم والجنين. لذلك تبقى المتابعة الطبية المستمرة، والوعي بأهمية سرعة التعامل مع الأعراض، والتعاون الوثيق مع الفريق الطبي، هي العوامل الأساسية في ضمان أفضل فرصة للشفاء الآمن خلال هذه المرحلة الحساسة. 

الأكثر قراءة

اورتاغوس تشيد برئيس الجمهورية: قائد مصمّم على تعافي وطنه لبنان يترقب التسوية الأميركية ــ الإيرانية كواليس الانتخابات البلدية... بري حريص على المناصفة في بيروت