ميليسا غونزاليس تهرب من جحيم التعنيف ... رواية صادمة عن قسوة الذكوريّة وانهيار الحماية القانونيّة
بوجوه مشوهة وأجساد محروقة، وأرواح تنزف كل يوم، نساء يكابدن بصمت في مجتمع ذكوري يعتمد على العنف. هن لسنا ضعيفات، هن أقوياء بكيان مستضعف. فالسلطة الذكورية الراسخة في المجتمع، والتي تتجلى بوضوح في قوانين الأحوال الشخصية، تضع المرأة في موقع التبعية ، وتعتبرها ملكاً للرجل عليها «طاعته» ، وتعزز سلطته وتمنحه الحق في تأديب المرأة، إن خرجت عن المسار المرسوم لها بالطريقة التي يراها مناسبة تحت ستار «الطاعة».
قصص تعنيف النساء والفتيات لا تعد ولا تحصى، وعلى الرغم من الانفتاح النسبي الذي يتمتع به المجتمع اللبناني، ما زال العنف ضد المرأة يشكل ظاهرة مقلقة. ففي قصة مأساوية جديدة، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام بالسيدة ميليسا غونزاليس، التي تعرضت لسنوات للعنف على يد زوجها المدعى عليه طوني فليفل الذي تمادى بجرائمه ضدها، بعد أن تقدمت بشكوى ضده نتيجة تعرضها للعنف.
فعمد إلى استدراجها إلى منزله بزعم حل الخلاف بينهما، وبعدها اختفت لعدة أيام، قبل أن تتمكن من الوصول إلى شرفة المنزل، وقد بدت عليها علامات الانتفاخ من التعذيب، طالبة النجدة من الجيران، الذين سارعوا إلى إبلاغ السلطات التي أوقفت المعتدي، وتم أيضاً تحرير سيدة أخرى كان يعنفها. وبحسب وسائل الإعلام فإن المعتدي ينتمي لجماعة «جنود الرب» المرتبطة بالمصرفي انطون الصحناوي، وبحسب تصريح لشقيقة الضحية في وسائل الإعلام، أشارت إلى أن «جنود الرب» أكدوا في اتصال معها أن لاعلاقة لهم بالمعتدي.
يشار أن العنف ضد النساء هو أي فعل يمارس ضد المرأة، سواء كان جسديا أو نفسيا أو جنسيا أو اقتصاديا، ويؤدي إلى إلحاق الأذى بها أو الحد من حريتها وإرادتها، ويشمل هذا العنف الضرب، الإهانة، الاغتصاب، الزواج القسري، التحرش الجنسي، والحرمان من التعليم أو العمل.
ميليسا اسم جديد أُضيف إلى الناجيات من جرائم العنف ضد النساء في لبنان. فالعنف ضد النساء عالي الوتيرة منذ زمن، لكن الوعي لهذه المشكلة ساهم في نشر تلك الجرائم، فبتنا نسمع عنها بوتيرة مرتفعة، هذا ما أكدته المسؤولة عن وحدة العنف الأسري في منظمة «كفى» المحامية ليلى عواضة لـ «الديار» ، واكدت ان « النساء في مرحلة الازمات وخصوصا خلال الحرب، تراجعت عن الابلاغ، فأولويات النساء تختلف في مثل هذه المرحلة، مما يدفعها إلى عدم التبليغ عن العنف الذي تتعرض له، مما يؤدي إلى تراجع الإبلاغات، وهذا لا يعني أن عدد الضحايا كان أقل وارتفع اليوم». وتتيح المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي الخط الساخن 1745 ، لتلقي الاتصالات المتعلقة بحالات العنف الأسري، وتشمل هذه الاتصالات بلاغات عن العنف الجسدي، الجنسي، المعنوي، والاقتصادي. ويمكن للضحية أو أفراد الأسرة أو الشهود التبليغ عن هذه الحالات. وحتى الآن، لا تتوفر تقارير رسمية أو بيانات حديثة محددة لعام 2025 حول العنف ضد النساء في لبنان، وبحسب الامم المتحدة تتعرض 70% من النساء في الصراعات والحروب والأزمات الإنسانية للعنف القائم على النوع الاجتماعي.
جرائم العنف ضد النساء تعد واحدة من أخطر القضايا الاجتماعية والإنسانية التي تواجه المجتمعات الحديثة، حيث تتسبب في انتهاك حقوق الإنسان وكرامة المرأة، وتؤثر سلبا على الصحة النفسية والجسدية للضحايا طويلة الأمد، مثل الاكتئاب والقلق وفقدان الثقة بالنفس وحتى الانتحار أحيانًا، فضلاً عن انعكاساتها السلبية على الأسرة والمجتمع بأكمله، هذا ما اكدته عواضة . وتقول ان «الكثير من النساء ينتهي بهن المطاف الى الإقدام على الانتحار او العزلة، وفي حالات كثيرة تنقل هذا العنف إلى من حولها وخصوصا أطفالها إن كانت متزوحة، وتؤثر على ثقتها بنفسها ، وتمنعها من أخذ اي قرار او إجراء لمنع هذا العنف الذي يمارس عليها». وأشارت إلى أن مؤسسة «كفى» تقدم الحماية والدعم النفسي والاجتماعي والقانوني، من خلال مركز الدعم للنساء، لمساعدتهم للخروج من دائرة العنف التي يعيشون فيها.
أما عن القانون الشامل لمناهضة العنف ضد المرأة ، الذي تقدمت به منظمة «كفى» مع عدد من النواب العام الماضي، أكدت عواضة إلى أنه تم تحويله إلى اللجان المشتركة في مجلس النواب، ومنه إلى الحكومة لإبداء الرأي، واليوم ننتظر على أمل أن تعطي هذه الحكومة الجديدة الأولوية لقضايا النساء وتدعم هذا القانون، لنصل إلى إقراره في مجلس النواب».
من جهتها، تعتبر الأستاذة الجامعية والباحثة الاجتماعية البروفسورة وديعة الأميوني، أن أسباب العنف الأسري «قد تكون نفسية مثل الإدمان على المخدرات أو الكحول، واضطرابات الشخصية والأمراض النفسية، أو اجتماعية مثل الفقر والبطالة وضعف التعليم والتربية، حتى أن بعض الثقافات تبرر العنف أو تعتبره وسيلة لتأديب الأطفال أو الشريك، خاصة المرأة، بالإضافة إلى ذلك، يؤدي التوتر الناتج عن الضغوط المالية أو المشاكل الزوجية إلى تصاعد العنف».
أما من الناحية القانونية فتؤكد عواضة إلى أن «وجود القانون 293 لحماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري، كان نقلة نوعية من أجل حماية النساء من العنف، لكن هذا القانون لم يخصص للنساء، والدولة لم تعترف أن هناك عنفا ضد المراة، مما دفعنا إلى تقديم قانون شامل لمناهضة العنف ضد المرأة يغطي 4 محاور: الوقاية والحماية والملاحقة والتعويض عن الضحايا، ليشمل كل أشكال العنف سواء أكان العنف داخل الأسرة أم خارجها «.
هذا وأقر البرلمان اللبناني عام 2014 قانونا لحماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري، وتم تعديله عام 2020 ليشمل الحماية من جميع أنواع العنف. وتضيف عواضة «رغم وجود قانون لحماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري، إلا أن العنف مازال مستمرا بسبب عدم تطبيقه بشكل كاف، فلو طبق القانون بشكل صحيح وفعال، لانتهى بنا الأمر إلى توفير الحماية للنساء. فالعقوبات الرادعة والمحاكمات السريعة هي من توفر الحماية لهن». في إشارة منها إلى بطئ المحاكمات والروتين القضائي، الذي يعد واحدا من الأسباب التي تدفع الكثير من النساء إلى عدم اللجوء إلى القضاء، لأن المسار القانوني يأخذ وقتا طويلا.
يذكر أن الجمعية العامة للأمم المتحدة حددت يوم 25 تشرين الثاني «اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة» (القرار 54/134)، ويعود هذا التاريخ إلى عملية الاغتيال الوحشية في 1960 للأخوات (ميرابال) الناشطات السياسيات في جمهورية الدومنيكان، بأوامر من ديكتاتور الدومنيكان رافائيل تروخيلو (1930 - 1961). وفي عام 1981 حدد النشطاء في منظمة «Encuentros « النسائية في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي يوم 25 تشرين الأول بأنه يوم مكافحة العنف ضد المرأة وزيادة الوعي به، وفي 17 كانون الاول 1999 أصبح التاريخ رسميا بقرار الأمم المتحدة.
ويصادف العاشر من كانون الأول من كل عام يوم حقوق الإنسان، تسبقه فعاليات حملة الـ 16 يوما للقضاء على العنف ضد المرأة، تبدأ تلك الحملة من 25 تشرين الثاني إلى 10 كانون الأول من كل عام.
العنف الأسري ضد النساء مشكلة اجتماعية عالمية خطيرة، وتعترض مكافحتها تحديات عدة، كما ويتطلب منع العنف ضد النساء والفتيات، بحسب الأمم المتحدة، «جهودا متضافرة طويلة الأمد ، ونهجا متعدد التخصصات يشمل زيادة الوعي بالعواقب السلبية لهذا العنف، ومعالجة الأسباب الجذرية للمشكلة عن طريق تغيير الأعراف الاجتماعية التمييزية، والقوالب النمطية القائمة على النوع الاجتماعي، ومن خلال مشاركة المجتمع بأكمله، وتمكين النساء والفتيات في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، لتعزيز مواردهن ومهاراتهن، وتعزيز وصول الناجيات منهن إلى العدالة، وإنهاء إفلات مرتكبي العنف ضدهن من العقاب».
يذكر أنه في تاريخ 28/3/2024، قدم النواب بوليت يعقوبيان وسينتيا زرازير ونجاة عون وحليمة القعقور ومارك ضو وفراس حمدان وميشال الدويهي، بالتعاون مع منظمة «كفى»، اقتراح قانون يرمي إلى مناهضة العنف ضد المرأة، وتعديل بعض مواد قانون العقوبات. ويجمع الاقتراح عمليا بين مواضيع عدة تتصل بالنساء، أبرزها مناهضة العنف ضد المرأة، وتجريم التحرش الجنسي، وتعديل أحكام متصلة بجرائم جنسية ، فضلا عن مسألة تزويج القاصرات.
العنف ضد المرأة في لبنان ليس مسألة فردية، بل قضية مجتمع تحتاج إلى تظافر الجهود على كافة الأصعدة. فوجود القوانين لا يكفي بل يجب أن تطبق بفعالية، ويجب العمل على تغيير الثقافة الذكورية، وتعزيز التربية على المساواة والاحترام، فالمرأة نصف المجتمع وتمكينها هو تمكين للوطن لبناء مجتمع أكثر عدلا وإنسانية. وأعلنت منظمة «أبعاد» أن نسبة جرائم القتل ضد النساء ارتفعت بمعدل 300% بين عامي 2023 و2024، في وقت بلغت نسبة التبليغات على الخط الساخن التابع لوزارة الداخلية 767 شكوى أي بمعدل 64 شكوى شهرياً. وعلى الصعيد العالمي، وبحسبب الأمم المتحدة، تعرض ما يقدر بنحو 736 مليون امرأة – أي واحدة من بين كل 3 نساء تقريبا - للعنف الجسدي أو الجنسي من قبل الشريك الحميم، أو العنف الجنسي من غير الشريك، أو كليهما مرة واحدة على الأقل في حياتهن.
يذكر أن كفى» و»أبعاد» و»مؤسسة نساء الأرز» و»جمعية حماية المرأة»، هي منظمات غير حكومية تقدم خدمات استشارية وقانونية وطبية.
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
23:29
عدوان أمdركي يستهدف بعدة غارات مديريات بني مطر وبني حشيش وهمدان بمحافظة صنعاء
-
23:05
البنتاغون: وزارة الخارجية وافقت على صفقة قيمتها 1.33 مليار دولار لتزويد بولندا بصواريخ جو - جو متوسطة المدى
-
23:04
القناة 12 الإسرائيلية: إسقاط مسيّرة فوق شبه جزيرة سيناء أطلقت من اليمن في اتجاه "إسرائيل"
-
22:57
الرئيس الأميركي دونالد ترامب: سأزور إفريقيا وسأجري اتصالات مع المسؤولين الأستراليين
-
22:08
الرئيس الأميركي دونالد ترامب: سأزور إفريقيا وسأجري اتصالات مع المسؤولين الأستراليين
-
22:00
وزارة الخارجية الأميركية: بعض مسؤولي السلطة الانتقالية بسوريا موجودون في نيويورك وواشنطن لا تطبع العلاقات مع دمشق في هذه المرحلة
