يعتبر القولون جزءًا حيويًا من الجهاز الهضمي، إذ يؤدي دورًا مهمًا في امتصاص الماء والأملاح، والتخلّص من الفضلات. إلا أن توازن البيئة الميكروبية فيه يمكن أن يختل، ما يؤدي إلى تكاثر أنواع ضارّة من البكتيريا تنتج ما يُعرف بـ "السموم البكتيرية"، وهي مواد سامة قد تُسبب التهابات حادة وتُعرّض الجسم لمخاطر صحية جسيمة.
تفرز بعض البكتيريا سالبة الجرام سمومًا داخلية عند تحللها في القولون، وتبدأ هذه السموم بالتسرب إلى مجرى الدم في حالات تعرف بـ "نفاذية الأمعاء" أو "تسرّب الأمعاء"، وهي حالة يصبح فيها جدار الأمعاء ضعيفًا وقابلًا لتمرير الجزيئات والمواد الضارة التي لا ينبغي لها الدخول إلى الدورة الدموية. ومع الوقت، قد تسبّب هذه الحالة التهابات مزمنة وتُسهم في تطور أمراض مناعية مثل القولون التقرحي، داء كرون، والتهابات المفاصل، بل وربما حتى اضطرابات نفسية مثل القلق والاكتئاب.
تتعدد الأسباب التي تؤدي إلى تراكم السموم البكتيرية في القولون، ويقف في مقدمتها النظام الغذائي غير المتوازن. فالإفراط في تناول السكريات البسيطة، والدهون المشبعة، والأطعمة المصنعة يوفّر بيئة مثالية لنمو البكتيريا الضارّة على حساب البكتيريا النافعة. هذه الأخيرة تُعد حجر الأساس في الحفاظ على توازن الميكروبيوم المعوي، وهو المنظومة الدقيقة التي تضم مليارات الكائنات الدقيقة المفيدة التي تؤثر في الهضم، المناعة، بل وحتى المزاج.
كذلك، يُشكّل الاستخدام المفرط للمضادات الحيوية خطرًا كبيرًا على صحة الأمعاء، إذ لا يقتصر مفعولها على القضاء على البكتيريا المُسببة للأمراض، بل تمتد لتقتل أنواعًا نافعة تؤدي دورًا حاسمًا في منع تكاثر البكتيريا المُفرزة للسموم. يُضاف إلى ذلك نمط الحياة العصري، الذي يتميز بالتوتر المزمن، قلّة النوم، قلة النشاط البدني، والعادات اليومية غير الصحية، كلها تساهم في إنهاك الجهاز الهضمي وإضعاف قدرته على التصدي للسموم.
أما نقص الألياف في النظام الغذائي، فهو عامل رئيسي يُفاقم المشكلة، إذ تُعتبر الألياف غذاءً للبكتيريا النافعة. وعندما تُحرم الأمعاء منها، تفقد البكتيريا المفيدة مصدر طاقتها، مما يؤدي إلى تراجع أعدادها بشكل ملحوظ، ويفتح الباب أمام البكتيريا الضارّة لتسيطر وتُنتج مركبات سامة تؤثر في جدران الأمعاء نفسها.
تبدأ آثار هذه السموم بالظهور تدريجيًا، لكنها قد تكون مزمنة ومربكة للمريض. من أبرز أعراضها الشعور بالانتفاخ المستمر، وتكوّن الغازات بصورة مفرطة، واضطرابات في حركة الأمعاء بين الإسهال والإمساك. كما يعاني البعض من إرهاق عام يصعب تفسيره، اضطرابات في التركيز والذاكرة، تقلبات مزاجية، آلام في المفاصل والعضلات، وقد تظهر مشاكل جلدية مثل الطفح أو الالتهاب نتيجة تفاعل الجهاز المناعي مع السموم المتسربة إلى الدم. ليس هذا فحسب، بل يمكن أن تؤثر هذه السموم أيضًا في الكبد، باعتباره العضو المسؤول عن تنقية الجسم، مما يؤدي إلى إرهاقه واختلال وظائفه.
للوقاية من هذا الخطر الصامت، يشدّد المختصون على أهمية العودة إلى نمط حياة متوازن. ويبدأ ذلك من المطبخ، عبر اعتماد نظام غذائي غني بالألياف القابلة للذوبان، وشرب كميات كافية من الماء للمساعدة على طرد السموم، وتجنب المأكولات المصنعة والمقلية. من المفيد كذلك إدخال الأطعمة الغنية بالبروبيوتيك، مثل الزبادي الطبيعي، الكيفر، والمخللات غير المعالجة بالخل، إلى النظام الغذائي اليومي. وفي بعض الحالات التي يُثبت فيها اضطراب الميكروبيوم، قد يصف الطبيب مكملات بروبيوتيك لتعزيز استعادة التوازن.
وفي الختام، فإن القولون ليس مجرد ممر للفضلات، بل مركز حيوي لصحة الجسم والمناعة والراحة النفسية. إهمال توازن بيئته الدقيقة قد يفتح الباب لمجموعة من الأمراض المزمنة والمعقدة. ولذلك، فإن الوقاية تبدأ بالوعي، وتُبنى على اختياراتنا اليومية في الغذاء، الحركة، والنوم، حتى نحافظ على القولون نظيفًا وآمنًا من تراكم السموم الصامتة.
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
17:08
أبي المنى: ننبه إلى المخططات المشبوهة التي تسعى "إسرائيل" لتنفيذها، ونرفض أن نكون بحالة عدائية مع أهل السنة سواء في لبنان أو سوريا.
-
17:07
أبي المنى: ندين الاساءة للنبي محمد وندين ردة الفعل والتعرض للمقدسات وندعو للتنبه من الكلام الفتنوي، وندعو الحكومة السورية إلى ضبط الفصائل المتطرفة.
-
17:06
شيخ العقل سامي أبي المنى عقب الاجتماع الاستثنائي للمجلس المذهبي حول الأحداث الأخيرة في سوريا: ما حصل كان مشروع فتنة من خلال تسجيل صوتي يُسيء إلى النبي محمد، والموحدون الدروز لا يمكن أن يسمحوا بالإساءة الى نبيهم رسول الإسلام محمد عليه الصلام والسلام.
-
16:45
إعادة فتح الطريق على مستديرة عاليه بالاتجاهين بعد قطعها لبعض الوقت احتجاجا على احداث جرمانا في سوريا، وحركة المرور كثيفة في المحلة.
-
16:37
جنبلاط: ندعو السلطة السورية إلى القيام بتحقيق شفاف ومستعد للذهاب إلى دمشق مجدداً لوضع أسس للمطالب التي يحتاجها الدروز.
-
16:36
رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق السابق وليد جنبلاط: نرفض أي إهانة للرسول الكريم وندينها، و"حفظ الإخوان" يكون برفض الاحتلال "الإسرائيلي".
