اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب



لم تكن حادثة الثاني والعشرين من نيسان/أبريل الجاري في وادي بهلجام بكشمير، والتي أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات من السياح الهندوس، الشرارة الأولى للتوتر بين الهند وباكستان. فعلى مدى ثمانية وسبعين عامًا، شهد هذان الخصمان سلسلة من الصراعات والحروب حول إقليم كشمير المتنازع عليه، بدءًا من حرب 1947 مرورًا بحروب 1965، 1971، و1999، وصولًا إلى مناوشات حدودية متقطعة.

لطالما كانت كشمير بؤرة توتر تشتعل ثم تخمد، تاركة إرثًا من المرارة وعدم الثقة. لكن هذه المرة، يبدو أن الحادث الأخير قد أيقظ فتيلًا ينذر بتصعيد خطير، ما يجعلنا نسأل: ما الأسباب العميقة التي تجعل من كشمير برميل بارود دائمًا على شفا الانفجار؟ ولماذا تتخذ الهند الآن خطوات تصعيدية خطيرة؟ وما هي الدوافع الحقيقية وراء استعدادها للمواجهة مع باكستان في هذا التوقيت تحديدًا؟

تتعدد الأسباب التي تجعل من كشمير بؤرة توتر دائمة، وأهمها:

1. الموقع الاستراتيجي بين ثلاث قوى نووية: يقع الإقليم في قلب مثلث نووي يضم الهند وباكستان والصين، وتتنافس القوى الكبرى على موقعه وموارده ؛ ما يجعله قنبلة موقوتة تهدد باستجرار المنطقة إلى حرب مدمرة. هذا التقسيم الاستراتيجي، بالإضافة إلى جواره لأفغانستان المضطربة، يجعله نقطة التقاء إقليمية خطيرة، حيث تمنح السيطرة على مرتفعاته تفوقًا عسكريًا يدفع الدول الثلاث للتمسك بأراضيها فيه .

2. الرمزية التاريخية والتقسيم المرير: تكتسب كشمير مكانة رمزية عميقة لدى كل من الهند وباكستان، فكلتا الدولتين تعتبران الإقليم جزءًا تاريخيًا لا يتجزأ من أراضيهما. تعود جذور هذا التعلق إلى عام 1947، حين نالت الهند استقلالها عن بريطانيا بعد ثلاثة قرون من الاستعمار. وقد سبق هذا الاستقلال صراع حول مستقبل البلاد بين دعاة الوحدة كنهرو وغندي، وقادة مسلمين مثل محمد علي جناح، الذين طالبوا بدولة مستقلة ، في ظل سياسة "فرق تسد" البريطانية. وعلى غرار معاهدة "سايكس بيكو"، لم يُفضِ تقسيم "السير سيريل رادكليف" الّا الى موجات عنف ونزاع مستمر على كشمير، خاصة مع الوضع الخاص للإقليم ذي الأغلبية المسلمة والحاكم الهندوسي، و في ظلّ قرار التقسيم الذي نصّ على انضمام الولايات ذات الأغلبية المسلمة لباكستان والهندوسية للهند؛ ما دفع المهراجا الهندوسي لطلب مساعدة الهند، وقبوله بالمقابل الانضمام إلى الهند في أكتوبر 1947. لكن الاشتباكات الدائمة بين الكشميريين والقوات الهندية دفعت الامم المتحده ومجلس الأمن الى التدخل واصدار قرار دعا الى الاستفتاء على تقرير المصير، ليبقى هذا القرار الى اليوم كغيره " حبرا على ورق". ومن هنا، ظلت الهند تعتبر كشمير تابعة لها ، كما بقيت باكستان ترى أنّ كشمير ذات الاغلبية المسلمة تمثل الفصل الأخير غير المكتمل من مشروع التقسيم .

1. مواقف الدول المتنافسة: تبلغ مساحة كشمير حوالي 222,000 كيلومتر مربع، وهي الآن مقسمة بين ثلاث دول ( الهند والصين وباكستان). تسيطر الهند على حوالي 45 إلى 46% من مساحة كشمير ويعيش فيها 15 مليون نسمة، بينما تسيطر باكستان على حوالي 38 إلى 39%، ويعيش فيها حوالي 6 إلى 7 مليون نسمة. أما الصين فتسيطر على حوالي 15% من مساحة كشمير، وهي منطقة جبلية ليس فيها أكثر من بضعة آلاف فقط لا غير من السكان. وتطالب الهند بالسيادة على كامل كشمير التاريخية، بينما تدعو باكستان إلى السيطرة على كشمير ، ذلك لأنّ لكشمير أهمية حيوية بالنسبة لباكستان نظرًا لموقعها كمصدر أو ممر للأنهار الستة لحوض السند التي تعتمد عليها باكستان في زراعتها بنسبة 90%، مما يجعل النضال من أجلها ضرورة في نظر الباكستانيين. أما الصين، فتعتبر المناطق التي تسيطر عليها جزءًا لا يتجزأ من أراضيها وترفض التفاوض عليها.

1. الاضطرابات الداخلية: يشهد الجزء الخاضع للإدارة الهندية، وذو الأغلبية المسلمة، اضطرابات داخلية نتيجة لوجود جماعات مسلحة لا ترغب في استمرار السيطرة الهندية، حيث يطالب بعضهم بالاستقلال أو الانضمام إلى باكستان.

1. الاعتبارات القومية والدينية: يُلاحظ أن الهند، التي عُرفت سابقًا بتوجه علماني يسعى لشمول كافة الأديان، تشهد في السنوات الأخيرة صعود تيارات قومية هندوسية قد تؤثر على طريقة تناول قضية كشمير. في المقابل، تستند باكستان إلى هويتها الإسلامية في دعمها لمسلمي كشمير، وتوجد فيها جماعات دينية ترى في الصراع جزءًا من أهداف أوسع، مثل جماعات "لشكر طيبة" و"جيش محمد" و "جبهة المقاومة" . وتُتهم هذه الجماعات بتبني أيديولوجيات متشددة واستخدام العنف لتحقيق أهدافها.

كل هذه العوامل تجعل قضية كشمير صراعًا متعدد الأوجه، متجذرًا في التاريخ ومثقلًا بالدماء، ويصعب تهدئته.

ومع امتلاك الطرفين قدرات نووية، وفي ظلّ التصعيد الأخير الذي شمل التلويح بورقة المياه كأداة ضغط، فإن المنطقة بأكملها تقف على شفا مواجهة عسكرية خطيرة.

أمّا بالنسبة للأسباب التي تدفع الهند إلى التصعيد وشن عمل عسكري فهي:

1. تفوق موازين القوى: من الواضح أنّ باكستان التي تعاني من سلسلة أزمات سياسية واقتصادية في السنوات الاخيرة تؤثر السلامه ولا ترغب في التصعيد؛ فيما تمهّد الهند، التي تميل موازين القوه لصالحها، المسرح لعمل عسكري ضد باكستان.

1. الضغط الشعبي وتعزيز شعبية الحزب الحاكم:

لا شك أن حادثة 22 نيسان/ ابريل أثارت غضبًا شعبيًا واسعًا في الهند، واضعةً الحكومة تحت ضغط كبير، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات، حيث بات الحزب الحاكم بحاجة الى تعزيز شعبيته من خلال خطوات حاسمة، أبرزها العمل العسكري. وفي استجابة لهذا الضغط، اتخذت الحكومة الهندية سلسلة من الإجراءات التصعيدية، من أبرزها تعليق العمل بمعاهدة مياه نهر السند الحيوية، وإغلاق معبر هام بين الهند وباكستان، ومنع دخول المواطنين الباكستانيين، بالإضافة إلى طرد عدد من الدبلوماسيين الباكستانيين. كما شنت حملة اعتقالات واسعة في كشمير، وشرعت في تدمير منازل المشتبه بعلاقتهم بالعملية، ورفعت حالة التأهب العسكري إلى أعلى مستوياتها.

3.ردع باكستان: لا تغيب عن ذاكرة نيودلهي هجمات مومباي الشهيرة في عام 2008، تلك الهجمات، التي نفذتها جماعة تُعرف باسم "لشكر طيبة" أو "جيش الأنقياء" أو "الطيبين"، أسفرت عن مقتل وإصابة المئات. لذلك ترى الهند في التصعيد وسيلة لردع باكستان عن اي هجمات مستقبلية محتملة.

4. تحقيق أهداف استراتيجية: تستغل الحكومة الهندية الضربة العسكرية المتوقعة لتحقيق أهداف استراتيجية ، أهمها إضعاف التحالف الصيني- الباكستاني الذي يثير قلق نيودلهي، والذي يتخذ أشكالًا متعددة، بما في ذلك التعاون الاقتصادي والاستراتيجي الواسع النطاق، حيث استثمرت الصين حوالي 62 مليار دولار في ما يُعرف بالممر الاقتصادي الصيني- الباكستاني. وإذا استهدفت الهند البنية التحتية لهذا المحور، فقد توجه رسالة للصين بأن الاستثمار في بلد لا يحمي منشآته هو مخاطرة غير محسوبة ورهان خاسر.

ختامًا، لا شكّ في أن منطقة جنوب آسيا باتت تقف اليوم على حافة هاوية، حيث تتقاطع الانقسامات التاريخية مع التوترات السياسية الراهنة، مما يعيد إلى الأذهان الكوابيس الجيوسياسية التي رسمتها اتفاقيات التقسيم الكبرى. فندوب تقسيم الهند عام 1947 لم تندمل، بل تحوّلت إلى جروح مفتوحة تغذي نزاعات قومية ودينية مزمنة. ومع تصاعد التوتر في كشمير وظهور مؤشرات الصدام ، تبدو المنطقة مهيّأة لانفجار قد لا يقل خطورة عن مشهد "7 أكتوبر"، ولكن هذه المرة في جنوب آسيا، وبأدوات قد تشمل السلاح النووي؛ ما دفع الولايات المتّحدة والصين للتدخل لتجنب كارثة مروعة.

إن مسؤولية المجتمع الدولي اليوم لا تقف عند حدود التحذير والقرارات "المعطّلة"، بل تتطلب تحركًا جادًا لنزع فتيل الصراع قبل أن تنزلق المنطقة نحو حرب لا هوادة فيها، قد تغيّر ملامحها إلى الأبد، وتقضي على البشرية.

ويبقى الأمل معقودًا على صوت العقل والحكمة لدى قادة البلدين لتغليب لغة الحوار والبحث عن حلول سلمية تضمن مستقبلًا آمنًا ومزدهرًا لشعوب المنطقة، بدلًا من الانجرار نحو صراع لن يكون فيه رابح، بل خاسرون فقط.

* أستاذة جامعيّة- باحثة سياسيّة 

الأكثر قراءة

متى المفاوضات بين أميركا وحزب الله؟