في المشهد اللبناني المعقّد، تبدو الأحزاب المسيحية وكأنها عالقة في حلقة مفرغة من الخطابات الشعبوية والمقاربات الانفعالية، في ظل غياب واضح لأي مشروع سياسي شامل ورؤية وطنية متكاملة للبنان. فبين التمسك بشعارات «الدولة» و «الكيان»، والخوف المزمن من الآخر، يغيب الطرح العقلاني الذي يواكب التحولات الإقليمية والداخلية، ويعيد تموضع هذه الأحزاب كركن فاعل في معادلة بناء الدولة.
ففي الوقت الذي ترفع فيه هذه الأحزاب لواء الدولة، وتعتبر الدفاع عن سيادتها خطابًا سياسيًا مكتملًا، تغيب عنها حقيقة أساسية: أن الدولة ومؤسساتها هي بديهيات العمل السياسي وليست مشروعًا بحد ذاته. فلا يكفي التلويح بها كشعار فضفاض من دون تقديم تصور واضح لشكل هذه الدولة، أو سبل النهوض بها وسط ما يعتريها من انهيار.
الأخطر من ذلك أن هذا الخطاب غالبًا ما يتغذّى على تأجيج المخاوف من الآخر، ما يكرّس منطق الانغلاق الطائفي بدلًا من الانفتاح الوطني. ورغم مشروعية بعض الهواجس التاريخية، فإن الخطاب القائم على الشيطنة والإقصاء لم يكن يومًا سبيلًا لأي تسوية ميثاقية أو تعديل دستوري في لبنان. فالتغيير في هذا البلد لا يمرّ إلا بالتشارك، ولا يُبنى إلا على الاعتراف المتبادل، لا عبر تكريس الكراهية وخلق عدو دائم.
وفي استعراض للواقع الحالي، يتبيّن أن الحزبين المسيحيين الأكبر، «التيار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية»، يفتقران إلى محتوى سياسي فعلي بمجرد نزع المكوّن الأساسي من خطابهما. فـ «القوات اللبنانية» تبني سرديتها السياسية على شيطنة حزب الله، متناسيةً أن ربط كل علل البلاد بهذا الطرف وحده يفرّغ النقاش السياسي من عمقه، ويحوله إلى أداة للتمويل والدعم الخارجي، حيث يجني مهاجمو حزب الله دعمًا ماليًا وسياسيًا من خصومه الإقليميين والدوليين، ما يحوّل المعركة إلى أداة تمويل لا مشروع دولة.
أما «التيار الوطني الحر»، وبعد أن استنفد شعارات الإصلاح ومحاربة الفساد لاستلام السلطة، وجد نفسه شريكًا أساسيًا في المنظومة التي حاربها نظريًا. وبعد فقدانه السلطة، يبدو أنه وجد ضالته في خطاب التخويف من النازحين السوريين، محوّلاً معاناة حقيقية إلى مادة تعبئة داخلية، إذ ذهب رئيسه إلى حدّ وصفهم بـ «جيش المحتلين»، في محاولة لإعادة شدّ العصب داخل التيار. وهذه المقاربة، بدل أن تؤسّس لمعالجة جدية لملف النازحين، تُفرغه من مضمونه الوطني والإنساني، وتعيد توظيفه في لعبة المصالح الداخلية الضيقة.
وسط هذا المشهد، تبرز حاجة الأحزاب المسيحية، لا سيّما الأوسع تمثيلًا، إلى خطاب أكثر توازنًا وانفتاحًا، يبتعد عن الشعبوية ويقدّم نموذجًا بنّاءً عن الشراكة الوطنية. وقد تكون مقاربة رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل خطوة أوليّة في هذا الاتجاه، إذ يحافظ على وضوح مواقفه السياسية وحدتها من جهة، لكنه في الوقت نفسه يمدّ اليد إلى الشركاء في الوطن من دون استعلاء أو خطاب إقصائي.
إن تجديد الخطاب المسيحي في لبنان لا يكون بالتخلّي عن الثوابت، بل بالخروج الجريء من الحلقة الطائفية المغلقة إلى رحاب الدولة المدنية الحقيقية، حيث تُبنى الشراكة على الثقة لا على الخوف، وحيث يكون الجميع فاعلين في القرار والمصير، لا أدوات في معارك التخوين والكراهية. وحده المنطق الوطني الجامع، الساعي إلى صياغة مستقبل مشترك، قادر على إعادة المعنى والدور الفعلي إلى الساحة المسيحية، وإخراجها من العجز السياسي إلى الفعل الوطني الحقيقي.
يتم قراءة الآن
-
بشرى سارة من مصرف الاسكان : القرض بات ١٠٠ الف دولار لشراء السكن و١٠٠ الف للبناء و٥٠ الف للترميم حبيب للديار :هدفنا وقف نزف هجرة الشباب ولا وساطات بل منصة تقبل الطلبات
-
ساعة اهتزت عظام نتنياهو
-
ترامب سنجتمع مع ايران الاسبوع القادم وقد نصل معها الى اتفاق الرئيس عون يشدد على اهمية اليونيفيل واستفزاز «اسرائيلي» ضد قادة القوات الدولية بعد تفجير كنيسة مار الياس بدمشق تهديدات داعشية لكنائس حمص وحماة وحلب
-
إيران انتصرت...
الأكثر قراءة
-
ترامب سنجتمع مع ايران الاسبوع القادم وقد نصل معها الى اتفاق الرئيس عون يشدد على اهمية اليونيفيل واستفزاز «اسرائيلي» ضد قادة القوات الدولية بعد تفجير كنيسة مار الياس بدمشق تهديدات داعشية لكنائس حمص وحماة وحلب
-
بشرى سارة من مصرف الاسكان : القرض بات ١٠٠ الف دولار لشراء السكن و١٠٠ الف للبناء و٥٠ الف للترميم حبيب للديار :هدفنا وقف نزف هجرة الشباب ولا وساطات بل منصة تقبل الطلبات
-
النزوح السوري الجديد الى شمال لبنان: روايات مذهلة عن مجازر وخطف وسبي واغتصاب
عاجل 24/7
-
19:55
مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية: استمرار موجة الحر الاعتيادية حتى الاثنين المقبل وتنحسر الثلاثاء في الاول من تموز لتصل درجات الحرارة بقاعاً الى 25 وساحلاً الى 28 ويستمر الانحسار حتى الخميس المقبل في 3 تموز، بعدها تعود درجات الحرارة الى 32 بقاعاً.
-
19:49
المتحدث باسم الخارجية الإيرانية: العدوان الصهيوني الأميركي علينا لم يغير خطوطنا الحمر في المفاوضات، وأثبتنا أن الضغط والترهيب وحتى استخدام القوة ضدنا لا يمكن أن تمس حقوقنا وهي ما تزال قائمة.
-
19:48
المرشد الإيراني في منشور بالعبرية على منصة "إكس": على الكيان الصهيوني أن يعلم أن أي عدوان على إيران سيكلفه غاليا.
-
19:18
بيان للقمة الأوروبية: ندعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة والإفراج غير المشروط عن جميع الرهائن.
-
19:17
بيان للقمة الأوروبية: سنناقش تقريرا بشأن امتثال إسرائيل لاتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في تموز، ونندد بالوضع الإنساني الكارثي في غزة وخاصة المجاعة وسقوط الضحايا المدنيين.
-
19:16
بيان للقمة الأوروبية: نطالب إسرائيل برفع الحصار بالكامل عن غزة والسماح بوصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، وندين التصعيد وعنف المستوطنين وتوسع المستوطنات والعمليات العسكرية الإسرائيلية في الضفة.
