في خضم التحولات الكبرى التي تضرب الإقليم، أعادت الحرب الأخيرة رسم التوازنات السياسية والعسكرية، كاشفة عن مرحلة جديدة من الهيمنة الإسرائيلية تسعى إلى إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي برمّته. فاغتيال قادة المقاومة، وعلى رأسهم أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، والانهيار الكامل للنظام السوري السابق وصعود أحمد الشرع، وما تبعه من احتلال «إسرائيل» لأراضٍ سورية، وتدمير غزة بشكل ممنهج، ليست مجرد محطات دموية في صراع طويل، بل علامات دخول المشرق العربي زمناً جديداً من التفوق الإسرائيلي الصريح.
لكنّ هذا التفوق لا يقف عند حدود لبنان وسوريا وفلسطين. إنّه مشروع توسعي يتجاوز الجغرافيا ليطال المجال العربي بأكمله. فالهلال العربي بات عرضة للتطويع والتقسيم، وما يجري في المشرق ليس إلا مقدّمة لمرحلة مقبلة قد تطال الخليج العربي، وعلى رأسه المملكة العربية السعودية.
إنّ وهم الفصل بين «الخطوط الأمامية» في بلاد الشام و»العمق الاستراتيجي» في الخليج قد سقط نهائياً. فالمصلحة الإسرائيلية، وفق المنظور الصهيوني المتجدد، لا تكتفي بتحقيق الأمن والاعتراف، بل تتعداها إلى تقاسم الثروات، والمقصود هنا تحديداً ثروات دول الخليج العربي من نفط وغاز وأموال سيادية واستثمارات دولية ضخمة.
ففي العقيدة الاستراتيجية الإسرائيلية، لم يعد الخليج العربي مجرد شريك تجاري محتمل، بل بات هدفًا قائماً بحدّ ذاته. الحديث لم يعد يدور عن علاقات تطبيع أو تفاهمات أمنية، بل عن مشاركة فعلية – ولو قسرية – في خيرات المنطقة. مشاريع إعادة الإعمار، الطاقة المشتركة، الاستثمارات العابرة، الاتفاقات المُلزمة... كلها أدوات يُراد منها فرض شراكة اقتصادية غير متكافئة، تُنهي استقلال القرار الاقتصادي لدول الخليج، وتجعلها تدريجياً جزءاً من المنظومة الاقتصادية التي تقودها إسرائيل وتُرسي أسسها على أنقاض النفوذ العربي التقليدي.
وفي حال امتناع بعض الحكام أو القادة عن الانخراط في هذه المنظومة، فإن البدائل جاهزة، حتى لو كان ذلك من داخل العائلات الحاكمة نفسها. فالصهيونية السياسية، بخلاف الخطاب الرسمي، لا تقف عند حدّ الدولة الفلسطينية أو تطبيع العلاقات، بل تستهدف إخضاع القرار السيادي للمنطقة بكاملها، اقتصادياً وسياسياً، على المدى البعيد.
من هنا، لا بدّ من يقظة خليجية تقطع الطريق على هذا المشروع، وتقيم توازناً فعلياً في المشرق العربي. ليس من باب الأخوّة فقط، بل من منطلق المصلحة الاستراتيجية البحتة. فتعزيز الحضور العربي، لا سيّما السعودي، في سوريا ولبنان والأردن، بات ضرورة ملحّة. ويجب أن يتخذ هذا الحضور طابعاً دبلوماسياً وسياسياً واقنصادياً وازناً، مقروناً بتحرك دولي يضع حدّاً للانفلات الإسرائيلي.
ولعلّ التحرك القطري الأخير لاستقبال الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في باريس من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يشير إلى إدراك متنامٍ داخل بعض العواصم الخليجية بحجم التحدي وخطورة ما يُخطط للمشرق العربي. إنّ تأمين غطاء دولي لسوريا الجديدة، ومنع إسرائيل من تحويل الفسيفساء السورية العرقية والطائفية إلى أوراق تفاوض وابتزاز، هما بداية صحيحة لحركة عربية مضادة للمشروع الإسرائيلي.
كما أنّ إعادة الاهتمام السعودي بالملف السوري ـ اللبناني ليس تفصيلاً. فاستعادة هذا الخط الجيوسياسي العربي التاريخي هي خطوة قادرة على مواجهة محاولة تحويل المشرق العربي إلى حديقة خلفية لتوسع إسرائيلي يستغل الانقسام العربي والتغيرات الإقليمية.
إنّ ما يُراد لنا أن نعيشه ليس سلاماً ولا استقراراً، بل خضوع مقنّع. والردّ لا يكون بالبكاء على أطلال بيروت ودمشق وغزة، بل ببناء جبهة عربية واحدة، تعيد للمشرق وزنه، وتحمي الخليج من مصير قد لا يكون بعيدًا.
يتم قراءة الآن
-
بشرى سارة من مصرف الاسكان : القرض بات ١٠٠ الف دولار لشراء السكن و١٠٠ الف للبناء و٥٠ الف للترميم حبيب للديار :هدفنا وقف نزف هجرة الشباب ولا وساطات بل منصة تقبل الطلبات
-
ساعة اهتزت عظام نتنياهو
-
ترامب سنجتمع مع ايران الاسبوع القادم وقد نصل معها الى اتفاق الرئيس عون يشدد على اهمية اليونيفيل واستفزاز «اسرائيلي» ضد قادة القوات الدولية بعد تفجير كنيسة مار الياس بدمشق تهديدات داعشية لكنائس حمص وحماة وحلب
-
إيران انتصرت...
الأكثر قراءة
-
ترامب سنجتمع مع ايران الاسبوع القادم وقد نصل معها الى اتفاق الرئيس عون يشدد على اهمية اليونيفيل واستفزاز «اسرائيلي» ضد قادة القوات الدولية بعد تفجير كنيسة مار الياس بدمشق تهديدات داعشية لكنائس حمص وحماة وحلب
-
بشرى سارة من مصرف الاسكان : القرض بات ١٠٠ الف دولار لشراء السكن و١٠٠ الف للبناء و٥٠ الف للترميم حبيب للديار :هدفنا وقف نزف هجرة الشباب ولا وساطات بل منصة تقبل الطلبات
-
النزوح السوري الجديد الى شمال لبنان: روايات مذهلة عن مجازر وخطف وسبي واغتصاب
عاجل 24/7
-
20:56
غروسي: أجهزة الطرد المركزي في موقع فوردو الإيراني لم تعد صالحة للعمل، وهناك توتر مع إيران حاليا وهناك أصوات سياسية في إيران تعتقد أن الوكالة لم تكن محايدة.
-
20:56
غروسي: القول إنه تم تدمير برنامج إيران النووي مبالغ فيه لكنه تعرض لأضرار جسيمة.
-
20:55
وزير الخارجية الإيراني عباس عرقجي: نطالب بمواقف أوروبية مسؤولة وعادلة تجاه الجرائم "الإسرائيلية" المستمرة في المنطقة، وننتقد مواقف دول أوروبية داعمة "لإسرائيل" وتغاضيها عن إدانة العدوان الصهيوني والأميركي علينا.
-
20:55
المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي لإذاعة فرنسا: إيران لا تمتلك أسلحة نووية لكنها تمتلك مواد كافية لصنعها، وكان لدى إيران ما يكفي من المواد لإنتاج نحو 12 قنبلة نووية.
-
19:55
مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية: استمرار موجة الحر الاعتيادية حتى الاثنين المقبل وتنحسر الثلاثاء في الاول من تموز لتصل درجات الحرارة بقاعاً الى 25 وساحلاً الى 28 ويستمر الانحسار حتى الخميس المقبل في 3 تموز، بعدها تعود درجات الحرارة الى 32 بقاعاً.
-
19:49
المتحدث باسم الخارجية الإيرانية: العدوان الصهيوني الأميركي علينا لم يغير خطوطنا الحمر في المفاوضات، وأثبتنا أن الضغط والترهيب وحتى استخدام القوة ضدنا لا يمكن أن تمس حقوقنا وهي ما تزال قائمة.
