أيّ صفقات استراتيجيّة
بعد الصفقات الاقتصاديّة؟
نبيه البرجي
دونالد ترامب يعتقد أن الله بعث به لانقاذ أميركا. على احدى القنوات العربية هذا الكلام «الله بعث به أيضاً لانقاذ الشرق الأوسط من الحروب». هكذا استقبلناه كما يستقبل الأباطرة، ربما كما يستقبل الأنبياء. لا، لا، متى لم يستقبل الأنبياء بالعصي أو بالحجارة؟
انه رجل الصفقات، لا رجل القيم التي قال بها أبراهام لنكولن (مهما كنت... كن جيداً). غداً يخاطب الأميركيين «لقد عدت من الالدورادو بتريليونات الدولارات». هذا هو رهانه الى الولاية الثالثة. رجل لا يستطيع البقاء الا في الضوء. الظل هو الموت.
كثيرون استذكروا لقاء الرئيس فرنكلين روزفلت والملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، على متن المدمرة كوينسي في قناة السويس غداة مؤتمر يالطا (1945 )، وقيام المحور الأميركي ـ السعودي الذي لطالما تحكم بالمعادلات السياسية والمعادلات الاستراتيجية في المنطقة العربية. الآن لقاء بين الرئيس دونالد ترامب والأمير محمد بن سلمان، الذي يوصف بالمؤسس الثاني للمملكة. لقاء بلغة أخرى وبرؤية أخرى. من جيل الخيزرانة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الى جيل المفاعل النووي، والقراءة الخلاقة للحياة.
هذه هي أميركا التي قامت فلسفياً وتاريخياً على لعبة المال، التي تستدعي تلقائياً لعبة الاحتواء (نظرية جورج كينان ـ 1946). الايرانيون استهلكوا 4 عقود في الصراع مع أميركا، ما كانت النتيجة؟ انحسار جيوسياسي شامل خلال أيام، بل وخلال ساعات. الآن مفاوضات يفترض أن تفضي منطقياً الى الاتفاق. في طهران حديث عن نموذج كوريا الجنوبية التي كانت منطقة ميؤوس منها، لافتقادها الموارد البشرية والموارد الطبيعية (تقرير البنك الدولي عام 1964)، فاذا بها تحقق انطلاقة تكنولوجية جعلت منتجاتها تدخل الى كل بيت في العالم.
بالديبلوماسية الذكية (وبالذكاء الاصطناعي) يمكن للسعودية كما لايران، فيما تركيا تتقن اللعب داخل الخاصرة الأميركية، ارساء قواعد للعلاقات مع الولايات المتحدة، على اساس نظرية مهاتير محمد التوازن في الاحتياجات، مع اعتبار أن الأميركيين يمسكون بكل طرقات وبكل مفترقات الكرة الأرضية. الباحث في المستقبل آلفن توفلر كان يتحدث عن «ادارة الأزمنة»، وربما ما بعد الأزمنة. أين التنين في هذه الحال ؟ حتى الآن ما زال ينتهج استراتيجية التسلل من الأبواب الخلفية.
الحدث سوريا من دون عقوبات بوساطة ولي العهد السعودي. بدل رجب طيب اردوغان وبنيامين نتنياهو، دونالد ترامب في قصر الشعب. هذا يعني أن سوريا التي قال المؤرخ الفرنسي جان ـ بيار فيليو «في كل منا جزء من سوريا» أمام مرحلة بالغة الأهمية، دون أن نتصور في أي حال، أن يتخلى الأميركيون عن «اسرائيل»، وهذا ما يجعلنا نتوجس من المستقبل الذي ينتظرنا ، اذا أخذنا بالاعتبار الترابط العضوي بين سوريا ولبنان.
ترامب قال ان السعودية «ستنضم الى اتفاقات ابراهام في الوقت الذي ستختاره»، دون أي اشارة الى المسألة الفلسطينية التي هي الأساس في الصراع. شن هجوماً عاصفاً على حزب الله، الذي كان عليه القبول بأن تبقى الأقدام الهمجية جاثمة على صدورنا، وان كانت «حرب الاسناد» لا تزال تثير بعض الأسئلة الملتبسة. وهكذا أعطى الضوء الأخضر لبعض القوى السياسية الداخلية، المضي في محاولات الانقضاض على الحزب، دون اي اعتبار لهشاشة الوضع السياسي والطائفي في البلاد. ليلاحظ أيضاً أن هناك وزراء يتعاملون مع الحزب على أنه «العدو على أرضنا»، فيما الشيخ نعيم قاسم يقول «اننا جزء من العهد»، وهي اشارة بالغة، وبليغة الدلالة.
قد يكون المطلوب من لبنان أن يرفع الرايات البيضاء. أحمد الشرع عرض على الأميركيين الصلح مع «اسرائيل» دون الجولان، الذي اعترف الرئيس الأميركي بسيادة الدولة العبرية عليه، وفتح الابواب أمام المستثمرين الأميركيين (وربما «الاسرائيليين») في مجال التنقيب عن الغاز، كما عن المعادن الثمينة. قطعاً الرئيس جوزف عون لا يمكن أن يتخلى عن حفنة تراب من أرض لبنان، ولا يمكن أن يعقد السلام مع ذلك النوع من الذئاب، وهو الذي تقوم فلسفته السياسية على اجتثاث أي أثر لثقافة الكراهية، كما لثقافة الانشقاق.
مرة أخرى ، لا اشارة الى الدولة الفلسطينية ولا الى المأساة الفلسطينية. حتى اليوم 52000 قتيل، بينهم 18000 طفل. كيف يمكن للرئيس الأميركي، كمبعوث من الله، ألا يتوقف ولو لهنيهة أمام تلك المذبحة. مرات استعدنا وصف وليم كريستول لنا بـ «براميل النفط التي تتدحرج على قارعة الأزمنة».
رسالة الى مَن حين يقول دونالد ترامب ان ايران هي «أكثر قوة مدمرة في الشرق الأوسط، لكنني أريد أن أبرم اتفاقاً معها»؟ «انه الاقتصاد أيها الغبي» (It is the economy stupid)، العبارة التي شاعت اثناء الحملة الانتخابية للرئيس بيل كلينتون، وهي التي تمثل خارطة الطريق للرئيس الأميركي، دون اي اعتبار آخر.
انه الاعصار الأميركي في لبنان، وحيث ذلك النوع من الساسة الأفذاذ الذين طالما وصفناهم بـ «الغربان بالياقات البيضاء»، من يراهنون على الضربة الأميركية (وحتى «الاسرائيلية» والسورية). ولكن ألا تتوقع قناة «فوكس نيوز» صورة قريبة لدونالد ترامب وآية الله خامنئي؟
اليوم صفقات اقتصادية تكاد تكون خيالية. غداً صفقات استراتيجية، ما نوعها، وما شكلها؟ مفاجآت وراء الباب!!
يتم قراءة الآن
-
ترامب يرفع العقوبات عن سوريا و«يشترط» لمساعدة لبنان طرابلس تحت الضغط: شارع غاضب وانتخابات معلّقة قضية «المرفأ» تتحرك و«المتقاعدين» الى التصعيد
-
رئيس أميركي في المزاد العلني
-
التنسيق الجنبلاطي – الإرسلاني قائم ومستمرّ... وظهر في الانتخابات البلديّة لقاء خلده أكد تجنيب لبنان ما يحدث في سورية من توترات مذهبيّة
-
المنطقة أمام مفترق طرق
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
23:02
الجيش الإسرائيلي ينفذ حملة تمشيط من جبل الباط قرب عيترون باتجاه سهل مارون الراس
-
22:55
الشرع: قرار رفع العقوبات كان قرارا تاريخيا شجاعا يمهد لرفع المعاناة عن شعبنا
-
22:52
الـLBCI: لا صحة لما نشرناه سابقًا عن توقيف رمزي نهرا وفرض عليه الإقامة الجبرية
-
22:51
الشرع: رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد كان من أول الداعمين لسوريا
-
22:50
الشرع: حدّدنا أولويات لحل مشكلات البلاد والسوريون في الخارج ساهموا برفع العقوبات
-
22:50
الشرع: - نعاهد الجميع أن تكون سوريا أرض السلام ولن نسمح بتقسيمها
