هل يتكرر في بيروت ما حصل مع "مصرف الفقراء" في بنغلادش؟
لم تمر نتائج الانتخابات البلدية والاختيارية مرور الكرام في السفارات الغربية والعربية في بيروت، وكان القلق السمة الغالبة بعد دراسة الارقام على نحو تفصيلي في الساحة الشيعية. ووفق احدى الشخصيات التي شاركت في احدى جلسات التقييم في سفارة خليجية، ثمة غضب واضح لدى المعنيين في ادارة الملف اللبناني بعد فشل الحلفاء المسيحيين والسنة في الوفاء بتعهداتهم خصوصا في انتخابات العاصمة بيروت حيث فشلوا في تأمين الحشد المطلوب ومنحوا "الثنائي" وخصوصا حزب الله نصرا مدويا بعدما نصب نفسه العمود الفقري للمناصفة في العاصمة، واعتبروا انه تم منحه انتصارا غير قابل للتشويه او التاويل، هذا فضلا عن "المجرزة" السياسية التي تعرض لها كل المعارضين الشيعة في المدن والقرى التي جرت فيها الانتخابات، وهو ما لا يمكن تجاوزه بسهولة ويحتاج الى اعادة قراءة اكثر واقعية على بعد عام واحد من الانتخابات النيابية.
لماذا هذا القلق والغضب؟ وهل النتائج نقمة ام نعمة لحزب الله؟ في بيروت، يشير تدقيق اولي في الأرقام التي نالتها لائحة "بيروت بتجمعنا" إلى أنّ معدّل الأصوات التي نالها المرشحون الـ23 كانت نحو 44 ألف صوت، وتوزّعت الأصوات بحسب الكتل الطائفيّة بمعدّل 29 ألف صوت مسيحي وشيعي ودرزي (الثنائي منح اللائحة نحو 19 الف صوت)، إضافةً إلى بلوك سني من 15 ألف صوت، ومع احتساب بلوك مكوّن من 12 ألف صوت من جمعية "المشاريع"، فإنّ القوّة التجييريّة للقوى السنّية الأُخرى على اللائحة، أي مخزومي والوزير السابق محمّد شقير و"اتحاد جمعيات العائلات البيروتيّة"، كانت أقل من 3 آلاف صوت، وهي بمثابة الفضيحة، اضافة الى ان البلوك المسيحي الرئيسي الذي ضخ اصواته للائحة يعود الى حزب الطاشناق الذي منح اللائحة قرابة 4000صوت، اي ان "القوات" والكتائب" كانوا الحلقة الاضعف مسيحيا. وهذا ما منح الشيعة دورا رياديا في نجاح اللائحة التي كان سيرسب كل اعضائها لو ان "الثنائي" اختار الحياد، علما ان خرق مرشح تيار "المستقبل" المستتر محمود الجمل للائحة الاحزاب، كان باصوات ثلثي السنة الذين شكلوا صوتا اعتراضيا على خيارات المملكة العربية السعودية في اقصاء الرئيس سعد الحريري من المشهد السياسي، وغضبهم ليس موجها ابدا ضد حزب الله او حركة امل خصوصا ان "الجماعة الاسلامية" كرافعة اساسية للائحة ابدت تفهما لموقف حزب الله بعدما تبلغت وجود "فيتو" سعودي على مشاركتها في اللائحة الائتلافية، فردت ايضا في صناديق الاقتراع على محاولة تهميشها.
هذا في بيروت، اما النتيجة التي حقّقها الثنائي حزب الله وحركة أمل في الانتخابات البلدية لمحافظة بعلبك - الهرمل فكانت مفاجئة من حيث الارقام المحققة، إذ فازت لوائح "التنمية والوفاء" بكاملها، من دون أي خرق واحد. والاخطر ان هذه اللوائح فضحت الحجم الحقيقي لمنافسيها، مع الفوارق التي تخطّت آلاف الأصوات بين آخر الرابحين في لائحة "الثنائي" وأول الخاسرين في اللوائح المنافسة. ففي مدينة بعلبك، كان الفارق بين آخر الرابحين وأول الخاسرين في لائحة "بعلبك مدينتي"، 6 آلاف صوت. وكذلك الحال في مدينة الهرمل، حيث كان الفارق بين آخر الفائزين وأول الخاسرين 6500 صوت، وكانت الحصيلة النهائية فوز "الثنائي" في 80 بلدية من أصل 80.
هذه النتائج منحت "الثنائي" نفسا عميقا بعدما ثبت شعبيته على المستوى الشيعي، وكذلك ابرز دوره الوطني الذي لا يمكن لاحد تجاوزه، والقلق الجدي لدى خصوم المقاومة في الداخل والخارج من محاولة رئيس مجلس النواب نبيه بري الاستثمار في هذا المشهد، كونه الطرف الشيعي القادر والمخول التواصل مع "الخصوم" الاقليميين او الدوليين، وهو بات يملك بين يديه مشهدية متينة حول قدرة الشيعة على لعب دور الرافعة الرئيسية لحماية النسيج اللبناني من خلال الحفاظ على حقوق الاقليات، وخصوصا المسيحيين، في غياب المرجعية السنية الوازنة والقادرة على تأمين هذه الحصانة الوطنية. وهذه السردية تتلاقى مع الاستراتيجية الاميركية والغربية المعلنة لحماية حقوق الاقليات في المنطقة، بدءا من الساحة السورية، ووصولا الى لبنان.
هذا القلق لدى خصوم حزب الله، تراه مصادر مقربة من "الثنائي" مبررا تبعا للنتائج الاخيرة للانتخابات والتي لن تشذ عنها ارقام الجنوب، ولا شك انها تسببت بارباك كبير لدى الطرف الاخر الذي كان يريد اغتنام فرصة الاستحقاق البلدي لاكتشاف الثغرات التي يمكن النفاذ منها في الانتخابات النيابية، فتبين ان كل المنافذ مقفلة. ومن المتوقع ان تكون المرحلة المقبلة اكثر سخونة لان كل المؤشرات، وكذلك المعلومات، تشير الى ان منسوب الضغط سيرتفع اكثر في محاولة لكسر تلك الحلقة المتينة بين جمهور "الثنائي" وقيادته. ولا تظهر في الافق حتى الان وجود تغيير في الاستراتيجية المعتمدة لجهة تخفيف الضغط على الجمهور من خلال الافراج عن ملف اعادة الاعمار، بل على العكس ثمة من يحرض الان على ضرورة معاقبة البيئة اكثر على خياراتها من خلال حزمة من الاجراءات المالية والسياسية مع عدم المخاطرة بالذهاب الى زيادة الضغط على العهد لاقفال ملف السلاح كونه عاملا تفجيريا يثير الفوضى ولا يعطي نتائج مضمونة.
واذا كان فتح ملف سحب السلاح الفلسطيني "بروفة" اولية يبنى عليها في اطار شعار حصرية السلاح بيد الدولة، فان الهجمة المرتقبة ستكون باتجاه ما يسميه الاميركيون تجفيف مصادر التمويل لدى حزب الله، باعتباره الملف الاكثر فعالية، ليس في منعه من بناء قدراته، واعادة تنظيم نفسه،وانما في فك اللحمة مع جمهوره الذي سيثور حتما، برايهم، بعدما يفقد الحزب القدرة على منحهم الاموال بعد عام من الان خصوصا تعويضات الايواء عن المنازل المهدمة. وفي هذا السياق، جاءت رزمة العقوبات الأميركية الجديدة التي أصدرتها الخزانة الأميركية منذ ايام قليلة وتستهدف اشخاصا وكيانات قالت انهما يساعدان حزب الله ماليا، في حين أعلن الحساب الرسمي لبرنامج "مكافآت من أجل العدالة" التابع لوزارة الخارجية الأميركية، الاثنين، تخصيص مكافأة قد تصل الى 10 ملايين دولار للحصول على معلومات حول الشبكات المالية لحزب الله في أميركا الجنوبية؟! في المقابل، سربت "اسرائيل" عبر وسيلة اعلام عربية معلومات تفيد بان وضع حزب الله المالي صعب، وتحدث على نحو مباشر عن مؤسسة القرض الحسن زاعمة ان حزب الله يعاني من أزمة ثقة ضخمة مع جمهوره، بسبب قلة الاموال.
طبعا نتائج الانتخابات، تكذب ادعاءات "اسرائيل"، لكن الخطير بحسب اوساط مطلعة، التركيز مجددا على ملف "القرض الحسن" والذي سيكون على "رأس اولويات" مورغان أورتاغوس في زيارتها المقبلة الى بيروت، حيث من المرتقب ان تحمل معها "تعليمات" بضرورة زيادة ملاقاة واشنطن داخليا لمواكبة الضغط المالي الاقصى على الحزب عبر العقوبات، وايضا ستستعجل الحكومة اللبنانية في اتخاذ اجراءات حاسمة ماليا وفي طليعتها اقفال القرض الحسن الذي يساعد برأي واشنطن، حزبَ الله، على الوصول الى الاموال.
يدرك حزب الله ان المرحلة المقبلة لن تكون سهلة، نجح في تحصين نفسه داخليا بالتفاف شيعي غير مسبوق بشراكته مع حركة امل والرئيس بري. نجح ايضا في تقديم نفسه كاحد مداميك حماية الوحدة الوطنية، على الرغم من علمه المسبق ان خياره لن يغير في موقف خصومه الذي سيصبحون اكثر شراسة. كما نجح حتى الان في التملص من الضغ المالي من خلال تسديد اكثر من 95 بالمئة من الاموال للمتضررين بمبلغ يناهز المليار دولار. في ملف السلاح، لا تغيير في المقاربة القائمة على التواصل والحوار الناجح حتى الان مع الرئيس عون، اما ملف القرض الحسن فلا تهاون فيه، وسيتعاون مع اي محاولة تنظيمية او قانونية تحصن بقاءه، اما لمن يظن ان بامكانه اقفاله نتيجة "البلطجة" الاسرائيلية - الاميركية، فيجب تذكيره بان محاولة رئيسة وزراء بنغلادش الشيخة حسنية لاقفال "بنك الفقراء" كيديا، انتهت بثورة عارمة في البلاد اطاحتها من الحكم!
يتم قراءة الآن
-
معركة زحلة حسمت الجمعة... تعليمة جوية وصلت الضاهر: STOP
-
اورتاغوس تصعّد من الدوحة ولبنان يصر على «الحوار» بيروت تستعد لصيف بلا عتمة... وصندوق النقد غير راضٍ
-
الأفضل لسورية... التطبيع أم التقطيع؟
-
نتنياهو يهدّد وأورتاغوس تساوم... لبنان يردّ بالتفاهمات والترقب انتكاسة لمخزومي في بيروت: طموح السراي يصطدم بضعف التمثيل السني «بلديات المتن»: نيكول الجميّل تتحدى ميرنا المرّ في معركة الاتحاد
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
23:44
فوز الرياضي على الأنطونية بنتيجة 99-72 ضمن المرحلة السابعة عشرة المؤجلة من "ديكاتلون" بطولة لبنان لكرة السلة
-
22:46
وزير الخارجية يتوعد: سوف يتم استدعاء كل سفير يتعدى حدوده!
-
22:38
التحكم المروري: إنقلاب سيارة على أوتوستراد غزير - المسلك الشرقي والأضرار مادية، وحركة المرور ناشطة في المحلة
-
21:28
لابيد: معنى كلام نتنياهو اليوم هو احتلال غزة لسنوات طويلة وأن نستيقظ كل يوم على مقتل جنود
-
21:27
لابيد: معنى كلام نتنياهو اليوم أن وضعنا الدولي سينهار وسيتضرر اقتصادنا بشدة
-
21:27
لابيد: نتنياهو كذب الليلة عندما قال إن لديه تنسيقا كاملا مع الإدارة الأمريكية
