أوّلًا: الصدق
الصدق من أعظم الصفات التي وهبنا إيّاها اللّه.
هو نقل الخبر بأمانة وتجرّد، بدون زيادة ولا نقصان، ولا تحريف أو تضليل أو خداع...
سرّ عظيم من أسرار نجاح الأفراد والجماعات والدول،
ناموس طبيعي، عليه تقوم الحضارات،
منه تبدأ المعرفة الحقيقيّة والعمل الجدّي والتنفيذ الصحيح،
قول الحقيقة يعتمد على الشجاعة والنُبل والتربية الأخلاقيّة الراقية،
أمّا إخفاء الحقيقة فهو خطيئة لا تُغْتَفَر وخيانة موصوفة.
- جاء في كتاب "مشواري" للمطران سمير مظلوم النائب البطريركي العام:
" أجهر بالحقيقة وأُدافع عنها بقوَّة، وإذا أنا لم أفعَل أعتبر نفسي متواطئًا، وبعبارة قصيرة جدًّا، أنا أكره الصمت إذا كان يحجب الحقيقة". هذا يعني أنَّ إخفاء الحقيقة، والسكوت عنها، والتستُّر عليها، ومحاولة طمسها، أبشع وأضرّ من الكذب، كما يعني الخبث المتعمّد المقصود؛ وفي كلِّ الحالات تختفي الحقيقة وينكسر ميزان العدل.
● الصدق واجب مقدّس
- كن صادقًا مع اللّه، فلا تُظهر شيئًا وتضمر شيئًا آخر، لا تتظاهر بالقداسة والطهارة وتتصرَّف بالخبث والنجاسة،
لا تقل شيئًا وتفعل ضدَّه،
لا تعطِ وعدًا وتتخلّف عنه،
قال السيّد المسيح: " لا تحلف باسم اللّه بالباطل، وليكن جوابك نعمًا أو لا".
وكم هو جميل أن يبدأ أناجيله بهذا الكلام الرائع:" الحقَّ، الحقَّ أقول لكم".
- كن صادقًا مع نفسك، ولا تُدخِلها في متاهات وأوهام وأباطيل ولا تبنِ لها أبراجًا من ورق...
- كن صادقًا مع الغير، ومستقيمًا في معاملاتك ومواقفك، طالب بحقِّك وحقوق الآخرين بالعدل والإنصاف، واعلم أنَّ هذه المطالب تصبُّ في خانة واحدة التي هي سعادة الإنسان وخيره والأمان.
ثانيًا: الكذب
هو من أبشع الصفات وأحقرها،
هو اختلاق أخبار لا وجود ولا أساس لها،
أو إخفاء حقائق وتحريفها واختزالها، حسب نيّة وهدف الكاذب،
الكذب أنواع:
1. الكذب المعلَن أو الصريح أي افتعال واختلاق خبر لا صحّة له، لإلحاق الضرر بالآخرين، أو لإبعاد الشبهة عنهم، وذلك حسب رغبة الكاذب.
2. الكذب المضمر أي إخفاء الحقيقة لغاية في نفس الكاذب أو مَن وراءه...
3. الكذب العابر أو الفارغ الذي هو مجرّد كلام وثرثرة وأخبار سخيفة لا جدوى منها، ومضيعة للوقت.
وفي كلّ الحالات، على المرء أن يعرفَ أنَّ الكذب يُقلِّل من قيمته وشأنه وقدره، وأنَّ الاحتيال والنفاق والمراوغة، آفات هدّامة تنال من رقيّ المجتمع وتقدّمه ومصداقيّته، ولا يتأتّى عنها إلّا تعب الرأس، والقيل والقال، وخراب البيوت أحيانًا.
هنالك أمران غريبان عجيبان:
الأوّل: عندما يُكرِّر الكاذب كذبته يُصدِّقها !!!
الثاني: الخبر الكاذب ينتشر بسرعة، ويُصدَّق، ويُعمَّم، ويرسخ في أذهان الناس، وينتقل من جيل إلى جيل!!!
فهنالك خرافات وأساطير وأوهام صدَّقها العالم وما زال يُردِّدها وكأنّها حقيقة، وهي ليس لها علاقة لا بالمنطق ولا بالعلم ولا بالواقع.
● مصادر الكذب
1. الكذب الفطري بالولادة أو بالسليقة Le mensonge inné مثل الكثير من الخصائص الوراثيّة
2. الكذب المكتسب Le mensonge acquis، في هذه الحالة قد يتلقّن المرء الكذب من محيطه، ومعشره، وسوء تربيته، وعيشه في مجتمع فاسد، فالبيئة الحاضنة للإنسان تُؤثّرُفيه تأثيرًا بالغًا، لا سيّما إذا كان ضعيف الشخصيّة وسهل الانقياد.
ما يُذكّرنا بقول روسّو:" الإنسان بطبيعته جيِّد، لكنّ المجتمع يُفسده"
“L’homme par nature est bon mais c’est la société qui le corrompt”
طبعًا لا يتّفق الجميع على رأي روسّو، أمّا نحن فنقول:
هنالك خصائص تعود إلى التكوين الأساسي، وأخرى تعود إلى التنشئة والتربية والمعشر.
● علاج الكذب
1. سلوك الدولة مع المواطنين
يُفرض على الدولة أن تكون صادقة مع مواطنيها، وألّا تعدهم بالمنّ والسلوى وهي لا تقدّم لهم الخبز والماء والدواء. وما يُطبَّق على الدولة يُطبَّق على المؤسّسات كافّةً.
2. العلاج التربوي
- هنا تأتي أدوار المجتمع الراقي، من المنزل إلى المدرسة، إلى الجامعة، إلى مركز العمل، إلى وسائل الإعلام، إلى التواصل الاجتماعي الحديث، إلى الكتب والمجلات والصحف...
- الكتاب الأول الذي ينبغي اعتماده هو كتاب التربية الذي يعالج كل الصفات الحسنة وعلى رأسها الصدق، وكلّ الصفات السيّئة وعلى رأسها الكذب.
- للمعلّم دور في إقناع الكاذب أنّه يضرّ نفسه ونفوس الآخرين، وكأنّه يبني حياته على رمال متحرّكة.
3. العلاج القانوني
القانون هو سلطان العالم، فليُطَبَّقْ على الكاذب ليرتدع عن الخطأ وليكون عبرة للآخرين.
4. العلاج الاجتماعي
يحقّ للصادق أن ينوَّه بصدقه وأن يُكافَأ معنويًّا وماديًّا. وهنا يكمن دور المجتمع الذي عليه أن يشجّع الصادق، بالمال، بالأوسمة، بالترقية، بالجوائز، بالمنح، لتظهر أهمّيّته ويقتدي به الناس.
الخاتمة
- الصدق ليس مجرَّد صفة أخلاقيّة، بل هو معيار للحياة السليمة، وشرط أساسيّ لتحقيق العدالة والتنمية والاستقرار؛
أمّا الكذب فَيُعَدُّ من أبرز عوامل الفساد الأخلاقي والمجتمعي، وهو سبب رئيسيّ لانعدام الثقة وتفكّك القيم.
- الصدق قيمة أساسيَّة في بناء الإنسان والمجتمع؛
أمّا الكذب فهو سلوك هدّام وآفة اجتماعية.
- الصادق هو أقرب إنسانٍ إلى الجنّة، حيث لا يوجد كذب ورياء وخبث، وحيث يتلاقى مع الروح والإيمان أي مع الله.
يتم قراءة الآن
-
إنذار سعودي أخير وخطير للبنان
-
هل سيستقبل لبنان الشيباني بعد تهديدات الشرع؟ موسم الاصطياف ينعش لبنان رغم شائعات الحرب قانون الانتخابات محور الصراعات الكبرى والجنوب محاصر بالمسيّرات
-
المخاطر تتزاحم: «إسرائيل»... أمن المخيمات... والخطر السوري؟ واشنطن تصرّ على تهميش باريس... ولا تفعيل للجنة وقف النار تفاهم «ثلاثي» على تعيينات قضائية ومالية في الحكومة اليوم
-
لبنان بين الوصاية السوريّة والوصاية "الإسرائيليّة"
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
20:56
محلقة إسرائيلية معادية قامت بإلقاء قنبلة صوتية بإتجاه أحد الصيادين في بلدة الناقورة
-
20:20
وزراء حكومة نتنياهو أبلغوا أن المفاوضات مع سوريا ستكون "مباشرة"
-
20:02
عائلات الأسرى الإسرائيليين: هذه لحظة اختبار تاريخية لنتنياهو بين اختيار الشعب أو محور سموتريتش وبن غفير
-
19:36
معلومات صحافية: جرحى في إطلاق نار إثر خلاف عائلي في بلدة بريتال في البقاع
-
17:06
الجديد: تواصل حثيث بين لبنان وسوريا للتوصل إلى حل في ملف عدد من الموقوفين السوريين في لبنان والعمل على توقيع معاهدة قضائية بين وزارتي العدل في البلدين تسمح بإكمال محكومية بعضهم في سوريا باستثناء المتهمين بالإرهاب وجرائم الاغتصاب
-
16:08
أ ف ب: إيران تحذّر الأوروبيين من أنّ العودة إلى العقوبات ستعني "نهاية" دورهم في الملف النووي
