اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


يُعد فقر الدم الناتج من نقص الحديد أحد أكثر المشكلات الصحية شيوعًا لدى الأطفال، لا سيما في سنوات الطفولة المبكرة. وتنبع خطورة هذه الحالة من كونها لا تظهر دائمًا بأعراض واضحة في بدايتها، إلا أنها تؤثر بشكل مباشر في نمو الطفل الجسدي والعقلي إذا لم يتم تداركها في الوقت المناسب. في هذا السياق، يُعتبر الحديد من العناصر الأساسية التي يحتاج اليها الجسم لتكوين الهيموغلوبين، وهو البروتين المسؤول عن نقل الأوكسجين عبر الدم إلى أنسجة الجسم المختلفة. وعند نقص الحديد، يتراجع مستوى الهيموغلوبين، ما يؤدي إلى ضعف إمداد الأعضاء بالأوكسجين، وتظهر بذلك أعراض فقر الدم.

الأطفال أكثر عرضة للإصابة بهذا النوع من فقر الدم لعدة أسباب. فعند الولادة، يحمل الطفل مخزونًا من الحديد يكفيه لعدة أشهر فقط، وبعدها يصبح بحاجة إلى مصادر غذائية غنية بهذا العنصر. وإذا لم يحصل على تغذية متوازنة تحتوي على الحديد، أو تم الاعتماد لفترة طويلة على الحليب فقط، خاصة الحليب البقري الذي لا يحتوي على كمية كافية من الحديد، فقد يؤدي ذلك إلى نقص في مخزون الجسم. كما أن نمو الأطفال السريع يزيد من حاجتهم إلى الحديد بشكل يفوق احتياجات البالغين، مما يجعلهم عرضة أكبر للإصابة.

تظهر أعراض فقر الدم تدريجيًا، وقد لا ينتبه الأهل إليها في البداية. من بين أبرز العلامات التي قد تدل على وجود نقص في الحديد، شحوب لون الجلد، والخمول المستمر، وضعف الشهية، إضافة إلى سرعة التعب عند بذل أي مجهود، أو حتى انخفاض القدرة على التركيز، ما قد ينعكس على الأداء الدراسي في مراحل لاحقة. كذلك، يمكن أن يُصاب الطفل المتأثر بعدوى متكررة بسبب ضعف جهاز المناعة، وقد يلاحظ الأهل تغييرات في الأظافر أو تشققات في زوايا الفم.

لتشخيص الحالة، يعتمد الطبيب على إجراء تحليل دم شامل يوضح نسبة الهيموغلوبين وعدد خلايا الدم الحمراء، إلى جانب قياس مستوى الحديد والفريتين، الذي يعكس مخزون الحديد في الجسم. وفي بعض الحالات، قد يتم إجراء فحوصات إضافية للتأكد من عدم وجود نزيف داخلي أو أمراض مزمنة تؤثر في امتصاص الحديد.

يعتمد علاج فقر الدم الناتج من نقص الحديد على درجة النقص وحالة الطفل الصحية. في الغالب، يبدأ الطبيب بوصف مكملات الحديد، وهي عبارة عن قطرات أو شراب تؤخذ يوميًا بجرعات محددة. ولتحسين الامتصاص، يُفضل تناولها على معدة فارغة، مع تجنب الحليب أو الأطعمة التي تعيق امتصاص الحديد، مثل الشاي أو الكاكاو. بالتوازي مع ذلك، يُشدد على إدخال الأطعمة الغنية بالحديد في النظام الغذائي للطفل، كاللحوم الحمراء والكبدة والبقوليات والخضراوات الورقية مثل السبانخ، بالإضافة إلى الحبوب المدعمة. ويمكن تعزيز امتصاص الحديد من الطعام بإضافة مصادر غنية بفيتامين C كعصير البرتقال أو الطماطم.

للوقاية من هذه الحالة، من الضروري أن يحرص الأهل على تقديم تغذية متوازنة للطفل منذ إدخال الطعام الصلب بعد عمر الستة الاشهر، مع تقليل الاعتماد على الحليب وحده بعد السنة الأولى. كما يُفضل إجراء فحوصات دورية للأطفال خاصة عند وجود أعراض غير مبررة أو تاريخ عائلي للإصابة بفقر الدم.

في الختام، فإن فقر الدم الناتج من نقص الحديد عند الأطفال يمكن تداركه بسهولة إذا تم اكتشافه مبكرًا. ويُشكل وعي الأهل، وحرصهم على صحة أطفالهم الغذائية، الأساس في الوقاية والعلاج. ومن خلال متابعة دورية مع الطبيب وتقديم طعام متوازن، يمكن للطفل أن يستعيد حيويته ونموه الطبيعي دون أي عوائق صحية مستقبلاً.

الأكثر قراءة

قبل المخيمات: العيون العربية على سلاح حزب الله هل يُشعل نتنياهو المنطقة لعرقلة الاتفاق الأميركي ــ الإيراني و«الدولة الفلسطينية»؟