من التيه الى المتاهة. هكذا حذرهم شارل ديغول، بصليب اللورين لا بالصليب المعقوف، غداة حرب حزيران 1967، من هيستيريا القوة. وحين كان الغرب ينظر الى الجنرال موشي دايان كاله خرج للتو من الميثولوجبا العبرية، كتب الفيلسوف الماركسي الفرنسي لوي التوسير في صحيفة "لومانيته" "اذا كنا حقاً ورثة ايمانويل كانط ورينيه ديكارت، يقتضي أن نوضح لوزير الدفاع الاسرائيلي أن الشرق الأوسط محرقة الآلهة!..."
ولقد وصل الاسرائيليون الى ذروة المتاهة. بعد 20 شهراً أو أكثر من القتال في غزة، وفي ظروف ينتفي فيها الحد الأدنى من التوازن، ماذا تمكن الاسرائيليون أن يفعلوا سوى تكديس الجثث في العراء، ليكرسوا أنفسهم ليس فقط ذئاب القرن وانما غربان القرن. ذاك الحلم التوراتي بابادة الفلسطينيين، أو بترحيلهم، لا يمكن له أن يتحقق. "الفورين آفيرز" لاحظت كنتيجة للترحيل، أن سقوط النظام في مصر والأردن، يعني، تلقائياً، زعزعة الوجود الأميركي في المنطقة.
ها هي الحرب ضد ايران. لقد دمروا الكثير، بالمال الأميركي وبالسلاح الأميركي، ولكن لكي تقوم "اسرائيل العظمى" أم لكي تقوم أميركا العظمى؟. أي اسرائيل العظمى (واليمين تجاوز حتى الصورة التوراتية لاسرائيل الكبرى)؟ لعلكم لاحظتم كيف يركض الاسرائيليون في الشوارع حالما تطلق صفارات الانذار. من زمان تناهت الى الصحافي يوري أفنيري "قهقهات يهوه"، والى حد السؤال "هل قرر الله أن يثأر منا؟".
حاخامات ينتظرون أن يدق الماشيح، في أي لحظة، على باب الهيكل، "لقد أتيت". لكن الصواريخ لم تتوقف عن النزول على رؤوس الاسرائيليين، وان كنا نفاجأ بمن يعتبر أن تلك الصواريخ رسالة من الله، وان عبر آيات الله، من أجل اعادة توحيد الاسرائيليين، بعدما بعثرتهم الأحداث، لا بل كادت تودي بالدولة الى الانفجار، وربما الى الحرب بين الأسباط، على غرار ما حدث للملكة اليهودية منذ نحو 3000 عام.
المثير أن نقرأ لبعض معلقي اليمين ذلك التشكيك الصارخ بنوايا دونالد ترامب الذي زود نتنياهو بكل ما يلزمه من القنابل ما دون النووية، والأكثر فتكاً في التاريخ، لكي ينتظر جثته، وكما نقول المأثورة الصينية، على ضفة النهر، بعدما اضطلع بمهمته على أفضل وجه، برصفه الطريق (طريق الالدورادو) الى الشرق الأوسط بالجثث التي تتيح للرئيس الأميركي ليس اقامة السلام الأميركي Pax Americana، ولا السلام الاسرائيلي Pax israeliana، وانما السلام الخاص به، أي السلام الترامبي PAX Trumpiana. انها نظرة رجل الأعمال، لا نظرة رجل الدولة، ولا نظرة رجل الدين.
استطراداً، ارتطام مشروع ترامب، بثقافة الكاوبوي، مع مشروه نتنياهو، بثقافة الحاخام. الاثنان حالتان نرجسيتان، كخطين متوازيين، في المفهوم الهندسي، لا يلتقيان. لكن الرئيس الأميركي الذي كسر معادلات استرتيجية كثيرة، من البديهي أن يكسر معادلات هندسية كثيرة. من هنا الأسئلة الاسرائيلية القلقة بعدما أعطي الايرانيون مهلة أسبوعين لـ"العودة الى رشدهم أو لا". الطريف هنا أن الايرانيين والاسرائيليين يتشاركان في التشكيك بنوايا الرجل الذي قد يعد لمفاجأة ما لن تكون، في حال من الأحوال، لمصلحة آيات الله.
لو سقطت ايران، أهو المشروع الأميركي أم المشروع الاسرائيلي؟ لنتذكر، مرة أخرى، قول السفير الأميركي في اسرائيل مايكل هاكابي "تغيير الشرق الأوسط سيكون بأبعاد توراتية". هذا يعني أن على كل شعوب الشرق الأوسط الكبير أن تطوف حول الهيكل لا حول الكعبة. اللافت هنا قول رجب طيب اردوغان ان ايران هي التي ستنتصر. هل أدرك، أخيراً، ما تعنيه تداعيات انتصار اسرائيل على الدولة التركية، فيخلع جلد الثعبان، ويرتدي ثوب "الذئب الأغبر"، وهو لقب أتاتورك...؟ هذا مع تذكيره بكلام الحاخام مئير كاهانا "لن تكون حولنا دول بل مقابر". هل خطر ذلك في رأس الشيطان أن يربط بقاءه بوجوده بين المقابر؟
لا مجال البتة لتقويض النظام الايراني، والدولة الايرانية، بالغارات الجوية، أياً كان نوع القاذفات المستعملة، حتى ولو تم تدمير المنشآت النووية، هذا لا بد أن يحدث زلزالاً في اللاوعي الايراني، بالشق التاريخي، كما بالشق الايديولوجي. ايران لن تكون ضعيفة بعد الحرب اذا ما استعدنا صورة ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، وبعد الحرب الثانية. الايرانيون يرون في بلدهم "ألمانيا الشرق الأوسط" التي تنبعث من الرماد. بالرغم من كل ذلك الحصار الذي أطبق، جهنمياً، على كل ايراني، لاحظنا مدى الصمود، ومدى الاصرار على التمسك بالبرنامج النووي، كما بالبرنامج الباليستي.
خبراء استراتيجيون في الولايات المتحدة يحذرون من "السقوط الأخير في الشرق الأوسط". التورط في الحرب الجوية (وحيث الضربات في الهواء، وفي الهباء)، لا بد أن يقود الى التورط في الحرب البرية. في هذه الحال، كل الطرقات الروسية والصينية مفتوحة، عبر تلك السهوب الاسيوية، الى ايران.
الاسرائيليون لن يكونوا وحدهم في المتاهة. الأميركيون أيضاً، وحيث حلبة الصراع على قيادة الكرة الأرضية موجودة في مكان آخر. جورج تينيت، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية حذر ترامب "سقوطنا في الشرق الأوسط سقوطنا في.. العالم" !!
يتم قراءة الآن
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
23:50
فاينل فور بطولة لبنان في كرة السلة: الرياضي يتقدم على الهومنتمن (1-0) في مجموع المباريات، بفوزه عليه في اللقاء الأول (104-101).
-
23:33
هيئة البث "الاسرائيلية" عن مسؤول "إسرائيلي" كبير: إذا لم تنضم الولايات المتحدة إلى الهجوم على إيران فقد نتورط بحرب طويلة الأمد.
-
23:32
هيئة البث "الاسرائيلية" عن مسؤول "إسرائيلي" كبير: نعتقد أن إيران ستجرنا إلى حرب استنزاف مع استمرار الضربات المتبادلة.
-
23:32
هيئة البث "الاسرائيلية" عن مسؤول "إسرائيلي" كبير: استمرار المواجهة ونتائجها يعتمدان أيضا على "إسرائيل" لكن بشكل أساسي على ترامب.
-
23:22
الشرطة الإيرانية: القبض في تبريز شمال غربي البلاد على شخص تبادل معلومات سرية مع مقيمين في الخارج.
-
23:22
الحرس الثوري الإيراني: قبضنا على عميل للموساد بمحافظة مازندران شمالي البلاد وبحوزته أدوات تجسس واتصال.
