القاضي أيمن عويدات يُبدع وينجح

اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

منذ عدة سنوات، وتحديداً في العام 2017، كان قد مضى على ترؤس القاضي أيمن عويدات ست سنوات لمحكمة الاستئناف المدنية في بيروت دون ان يتم تعيينه في مركز آخر، كتبت مقالة بعنوان: أيمن عويدات...سلموه زمام الامور. وبعد عدة اعوام، وتحديداً في العام 2021، كتبت مقالة اخرى بعنوان: أيمن عويدات...تليق به اعلى المناصب. وبقي في مركزه لانه قرر العمل كقاضٍ لا يزور احداً ولا يطلب مركزاً من احد، مع العمل على المبادئ الثلاثة التي يجب على القاضي التقيد بها وهي: الحياد والتحفظ والتجرد.

وقبل تقاعده بسنة وثلاثة اشهر، وفي العهد الحالي الذي يقوم حتى الآن – واقول حتى الآن – بتعيينات ممتازة ومحقة وجيدة، تم تعيين القاضي أيمن عويدات في منصب مهم: رئيس هيئة التفتيش القضائي. وهو من اكثر المناصب حساسية ودقة في القضاء.

وكما كان القاضي أيمن عويدات يعمل بجدية يوم كان قاضي حُكم. يصدر القرارات المهمة والمبدئية، ويشبعها درساً ويضمنها مبادئ العدالة، بحيث باتت مرجعاً اجتهادياً يتكل عليه القضاة والمحامون ورجال القانون. فهو اليوم في هيئة التفتيش القضائي في ذروة النشاط والجهوزية بعد ان رسم خططاً استراتيجية وتكتيكية لكيفية نجاح العمل القضائي والاجهزة الادارية في القضاء. فهو يعمل على تجهيز سجل مسلكي لكل قاضي خلال عدة اشهر.

منذ عدة سنوات القى رئيس مجلس الشورى السابق القاضي شكري صادر محاضرة في بيت المحامي وقال ان ملفه في الوزارة يحتوي على شهادته الجامعية ومراسيم تعيينه في المراكز والمناصب فقط ولا شيء آخر. وبالتالي على ماذا يتكل المسؤولون لدى بحثهم في تعيين هذا القاضي او ذاك في هذا المركز او ذاك. وماذا يعلمون عن كمية الاحكام والقرارات التي يصدرها حتى يبنوا عليها قرارهم.

بالاضافة الى ذلك، يزور رئيس هيئة التفتيش القضائي المحاكم بصورة مفاجئة ومن دون علم مسبق او اعلام. وقد زار جميع المحاكم ما عدا محكمة النبطية لانه لن يعرض القضاة للخطر خلال تجمعهم في المحكمة. واعجب كثيراً بمحكمة المنية التي يجب ان تكون مثالاً لبقية المحاكم. وابلغ معالي وزير العدل بالامر، منوهاً بعمل القاضي ورئيس القلم، بعد ان عملا على إنشاء المكننة بطريقة متطورة جداً، وإدخال بعض القوانين في الكومبيوتر وخصوصاً لدى إصدار حصر الارث "بكبسة زر". متمنياً تطوير هذا البرنامج وتعميمه على بقية المحاكم. هذا عدا عن التجهيز الكامل للمحكمة من إنارة وقرطاسية وغيرها. وذلك بعكس محكمة حلبا التي تقع داخل المحافظة حيث لا إنارة ولا قرطاسية مما دفعه الى الاجتماع بالمحافظ عماد لبكي الذي وعده بتحسين وضعها ومد خط 15 امبير بالاضافة الى تقديمات اخرى.

ولدى زيارته للمحاكم، يجتمع مع القضاة ومع الموظفين. ويتكلم عن اهمية القلم الذي يحمله القاضي حتى ولو كان ثمن هذا القلم ضئيلاً جداً حتى لا نعمل دعاية لقلم سعره بخس ولكنه مهم – والذي نظم له زياد الرحباني اغنية. هذا القلم إما ان يرفعنا او يجعلنا بالحضيض.

وينتقد القاضي عويدات الاهمال في بث بعض القضايا وخصوصاً إخلاءات السبيل. اذ لا يجوز ان تكون المدة القصوى للعقوبة سنتين ويمضي المدعى عليه سنوات وسنوات في السجن تحت ستار ان احداً لم يقدم له طلب اخلاء السبيل. كما ينتقد بعض الذين يتقدمون بشكاوى كيدية ضد القضاة وبعطي مثلاً عن شكوى وردت منذ سنوات ضد احد القضاة، بأنه اصدر قراره الظني بمنع المحاكمة عن مدعى عليهم من دون الاستماع الى افادتهم. فحضر القاضي واحضر معه النص القانوني الذي يسمح له بعدم الاستماع الى المدعى عليهم او استجوابهم في حال قرر منع المحاكمة عنهم.

ويعمل القاضي عويدات على تذليل العقبات في الامور القلمية، ومحاولة التخفيف من اعباء الانتظار مثل رسم الصورة مثلاً، كأن يدفع صاحب العلاقة لدى تقديم الدعوى مبلغاً معيناً مع الرسم ويجري حسم رسم الصورة والطبق الاصل منه مباشرة، بدلاً من جعل المحامي كلما اراد دفع رسم الصورة ان يذهب الى الصندوق وينتظر دوره.

ومنذ مدة انتشر خبر القرار الصادر عن رئيس هيئة التفتيش القضائي القاضي أيمن عويدات بخصوص اقدام نادي قضاة لبنان على اصدار عدة بيانات من العام 2021 ولغاية العام 2023 وقيام القاضي ممثل النادي بإجراء مداخلة في برنامج تلفزيوني من دون ترخيص مسبق. فاعتبر الرئيس عويدات :

ان مساحة انظمة الموظفين يقتضي الا تتعدى على خصوصية السلطة القضائية والمنتمين اليها، وعلى ضمانات القاضي المنصوص عليها في قانون القضاء العدلي وبالاخص مبدأ استقلالية القاضي المنصوص عليها في المواد الآنف ذكرها، باعتبار ان القاضي لا يرتبط بتسلسل هرمي مشابه لعلاقة الموظف العام برئيسه الاداري.

ويضيف القاضي عويدات:

ان الذهاب بغير هذه الوجهة والتوسع في تفسير الحظر بحيث يطبق شرط الإذن المسبق – المنصوص عليه في نظام الموظفين – على القاضي يشكل مساساً بمبدأ استقلاليته، وإفتئاتاً على السلطة التي ينتمي اليها من قبل السلطة التنفيذية.

كما يضيف ان مفهوم الرقابة على اعمال القاضي داخل وخارج عمله القضائي يندرج ضمن اطار الرقابة اللاحقة على العمل المشكو منه باعتبار ان وضع نظام الرقابة المسبقة يتعارض مع مبدأ استقلال السلطة القضائية (contrôle a posteriori et non a priori).

ويضيف انه تبعا لما تقدم، فإنه يقتضي حصر مجال تطبيق الرقابة المسبقة على حرية التعبير في اطار الموظفين العامين، دون امتدادها لتشمل القضاة باعتبار ان التوسع في تفسير نص المادة 15 من شأنه المس بضمانات السلطة القضائية والقضاة المنتمين اليها المحفوظة بالدستور على النحو المنصوص عليه في المادة 20 من الدستور واهمها استقلالية القاضي.

ويختم ان موجب التحفظ هو موجب اساسي ذا صفة عامة، وهو يحتل المرتبة الرابعة من القواعد الاساسية لاخلاقيات القضاة في لبنان ويوجب على القاضي ان يحسن الموازنة بين واقعين او التزامين: الانخراط في المجتمع من نحو، والابتعاد عنه من نحو مقابل،المبادئ الاساسية لاخلاقيات القضاة في لبنان – قاعدة التحفظ – وتطبيقاتها التي تشمل كأمثلة الامتناع عن المجاهرة بآرائه الشخصية والدينية والسياسية والمحافظة على هيبته وشخصيته وكرامته كرامة القضاء الذي ينتمي اليه.

1- حصر مجال تطبيق الرقابة المسبقة على حرية التعبير المنصوص عنها في المادة 15 من قانون الموظفين رقم 112/1959 في اطار الموظفين العامين، دون امتدادها لتشمل القضاة باعتبار ان التوسع في تفسير مضمونها من شأنه المس بضمانات السلطة القضائية والقضاة المنتمين اليها.

2- لفت نظر القاضي السيد الى ما يلي:

- ضرورة الالتزام بالقيم المنصوص عليها في مدونة المبادئ الاساسية لاخلاقيات القضاة في لبنان، سيما لجهة موجبات التحفظ والتجرد والحياد التي يمتد نظاقها ليشمل الاعمال الداخلة في المهام القضائية والاعمال الخارجة عنها على حد سواء.

- ضرورة حسن التوفيق بين حرية التعبير وبين الموجبات الاخلاقية الملقاة على عاتق كل قاض دون تمييز بين القاضي المنتسب او غير المنتسب الى ناد او جمعية او تجمع، باعتبار ان هذا الانتساب لا يوليه ولا يجوز ان يوليه اي امتياز بهذا الخصوص.

كلنا أمل بنجاح القاضي عويدات في مهامه، الذي يشكل نجاحاً للقضاء وللقضاة وللمتقاضين ووكلائهم المحامين.

* نقيب المحامين السابق في بيروت