اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


يُعد الزنك من العناصر الأساسية التي يحتاجها الجسم بكميات صغيرة للحفاظ على وظائفه الحيوية، مثل تقوية جهاز المناعة، وتسريع التئام الجروح، والمساهمة في نمو الخلايا وانقسامها. إلا أن الإفراط في تناول الزنك، سواء من خلال المكملات الغذائية أو الاستخدام غير المنضبط، يمكن أن يؤدي إلى مشكلات صحية حقيقية، بعضها قد يكون خطرًا إذا لم يُعالج في الوقت المناسب.

عند تجاوز الحد الموصى به يوميًا من الزنك، والذي يُقدر بحوالى 11 ملغ للرجال و8 ملغ للنساء، تبدأ بعض الأعراض بالظهور تدريجيًا. في البداية، قد يواجه الشخص مشكلات في الجهاز الهضمي مثل الغثيان، التقيؤ، والإسهال. وهذه الأعراض تُعد إشارات مبكرة على أن الجسم يحاول التخلص من الزائد من هذا العنصر. ومع استمرار ارتفاع مستوى الزنك في الجسم، قد تتفاقم الأعراض لتشمل آلامًا في المعدة، فقدان الشهية، والصداع.

أحد أكثر الآثار الجانبية خطورة لزيادة الزنك هو تأثيره في امتصاص العناصر الأخرى، لا سيما النحاس. إذ يؤدي تراكم الزنك في الجسم إلى تعطيل امتصاص النحاس، مما يُحدث خللًا في توازن المعادن داخل الجسم. وقد يُسفر هذا عن ضعف في الجهاز العصبي، وفقر دم غير مفسر، وحتى ضعف في الجهاز المناعي على المدى الطويل، رغم أن الزنك في حد ذاته يُعزز المناعة عند استخدامه باعتدال.

كما يمكن لزيادة الزنك أن تؤثر في مستويات الكوليسترول في الدم. فقد أظهرت بعض الدراسات أن الجرعات العالية من الزنك ترتبط بانخفاض الكوليسترول الجيد (HDL) وارتفاع الكوليسترول الضار (LDL)، مما يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين. بالإضافة إلى ذلك، قد تؤثر الجرعات العالية في التوازن الهرموني، فتؤدي إلى مشكلات في الخصوبة أو اضطرابات هرمونية أخرى.

من المهم أيضًا الإشارة إلى أن الإفراط في تناول الزنك على مدى فترة طويلة لا يقتصر تأثيره على وظائف الجسم الحيوية فحسب، بل يمتد ليؤثر سلبًا في فعالية بعض الأدوية الحيوية. فعلى سبيل المثال، يُمكن أن يُضعف الزنك من امتصاص بعض أنواع المضادات الحيوية، مثل التتراسايكلين والفلوروكينولون، مما يقلل من فاعليتها في مقاومة العدوى، وبالتالي يُعرض المريض لخطر تفاقم حالته المرضية. كذلك، قد يؤدي الاستخدام المزمن لجرعات عالية من الزنك إلى تقليل تأثير مدرات البول، مما يخل بتوازن السوائل والأملاح في الجسم، خاصة لدى المرضى الذين يعانون من أمراض القلب أو الكلى.

وليس هذا فحسب، بل إن التداخلات الدوائية الناتجة عن الإفراط في الزنك تشمل أيضًا المكملات الغذائية الأخرى. فعند تناول مكملات الزنك مع الحديد أو المغنيسيوم أو الكالسيوم، قد يحدث تنافس على الامتصاص داخل الأمعاء، مما يُقلل من استفادة الجسم من هذه العناصر الأساسية. هذا التفاعل المعقد قد يؤدي في النهاية إلى ظهور أعراض نقص متعددة يصعب ربطها مباشرة بسببها الأساسي، وهو الإفراط في الزنك، مما يُعقد عملية التشخيص والعلاج.

إن خطورة هذه التداخلات تزداد بشكل خاص لدى كبار السن، والمرضى الذين يتناولون أدوية بشكل يومي، والنساء الحوامل، إذ أن احتياجاتهم الغذائية الدقيقة تجعلهم أكثر عرضة لاضطرابات ناتجة من أي اختلال في امتصاص العناصر الدقيقة. لذا فإن الاعتماد العشوائي على المكملات دون إشراف طبي قد يكون له عواقب وخيمة على المدى الطويل.

في الختام، فإن الزنك عنصر ضروري وأساسي لصحة الإنسان، يساهم في العديد من العمليات الحيوية مثل دعم جهاز المناعة وشفاء الجروح وتنظيم نشاط الإنزيمات. ومع ذلك، فإن التوازن هو الأساس. يُنصح دائمًا بعدم تناول مكملات الزنك إلا تحت إشراف طبي مختص، مع الالتزام الصارم بالجرعات اليومية الموصى بها. فبينما يُسبب نقص الزنك أعراضًا واضحة مثل التعب، وضعف المناعة، وتساقط الشعر، فإن زيادته بشكل مفرط قد تقود إلى آثار جانبية أكثر تعقيدًا وخطورة مما يُتوقع، خاصةً عند تداخله مع أدوية ومكملات أخرى.

الأكثر قراءة

لا «كيمياء» بين بري وسلام «وخلاف على الهوية» مع حزب الله ضغوط «اسرائيلية» لسحب الطوارئ واجتماع بين صفا والامم المتحدة