اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


للكتب والمؤلفات الورقية نكهة خاصة قد لا يعرفها الجيل الجديد الذي يتكل على الكومبيوتر والانترنت، إذ ان قارئ الكتاب يحس بأنه متوفر بين يديه، يقلب صفحاته بشغف في حين ان القراءة على الكومبيوتر تجعل الصفحات داخله. من هنا فإن عدداً كبيراً من القراء، "يسحبون" المعلومات عن الكومبيوتر ورقياً ويحتفظون بها كما يحتفظون بالكتاب.

صحيح ان الاستفادة من المعلومات الواردة في الكومبيوتر اوسع واشمل واسهل للقارئ الاطلاع عليها، إذ انه بكبسة زر يستطيع الحصول على المعلومات، كأن يكتب مثلاً عبارة بند جزائي، او غرامة اكراهية...الخ. فيعطيه الكومبيوتر كل ما ورد في خصوصها، وهذا امر لا يتوفر في كتاب واحد، إلا ان المهم في الكتاب، كما كان يقول المغفور له النقيب المرحوم ميشال ليان، ان القارئ والباحث عن نقطة معينة، يضطر الى قراءة عدة صفحات ليصل الى مبتغاه – هذا اذا كان الكاتب قد عالج النقطة المطلوبة - وفي الوقت عينه يطلع على معلومات اخرى واردة في الكتاب وقد تكون في مواضيع اخرى.

أما اهمية الكتاب، سواء أكان ورقياً ام الكترونياً، فتكمن في طريقة التبويب، وفي المعلومات الواردة فيه، واسلوب السهل الممتنع والسلس، وترابط الافكار بين بعضها البعض. إذ اننا نقرأ احياناً بعض المقالات لبعض من يحاولون تقليد الآخرين، والذين تبقى كتاباتهم تقليداً لهؤلاء الآخرين، انهم ينقلون العبارات من هنا وهناك، ومن كل "وادي عصا"، كما يقال بالعامية، ومن دون اي ترابط ومعظمها عبارات مكتوبة بأسلوب قاسٍ لانها منقولة عن كتاب يكتبون بأسلوب غير مفهوم احياناً.

وهذا ما كان القراء يعانونه في بعض المؤلفات التجارية، والتي ينقل الكاتب المعلومات والعبارات من مجموعة كتب لبنانية وغير لبنانية، ولا يعالج اي نقطة او موضوع باجتهاد شخصي منه، فلا يستفيد القارئ من اي جديد، خصوصاً لدى بحثه وتفتيشه عن نقطة جديدة وعن الامثلة المتعلقة بها.

أما الاهمية الاضافية لبعض الكتب، فتكمن بالاضافة الى التبويب الجيد والاسلوب السهل الممتنع والسلس، في المعلومات التي يمتلكها الكاتب، سواء من خلال تحليلاته او من خلال ما اكتسبه خلال سنوات عمله من معلومات، كأن يكون قاضياً في محكمة المطبوعات او في المحكمة النقابية او في محكمة الافلاس...الخ. فيصبح ضليعاً ليس فقط في المعلومات العامة، بل في ادق التفاضيل، خصوصاً اذا كان يقظاً ومتابعاً لادق التفاصيل التي تطرأ اثناء المحاكمات والجلسات، او ما يطرح من نقاط او ما يسمى incidents de procedure Les. والقوة او الشجاعة والحكمة تكمن في مدى معرفته في صياغتها لتصل الى القارئ من دون عناء كبير وفي وقت قصير.

منذ عدة ايام، اصدر القاضي هاني الحبال كتاباً جديداً بعنوان :"محكمة الجنايات واسباب التمييز في القضايا الجنائية". وهو كتاب قيم ليس فقط لما ورد فيه من تبويب جيد واسلوب سلس، بل ما تضمنه من معلومات. كيف لا وقد امضى القاضي الحبال سنوات في محكمة جنايات بيروت كمستشار واحياناً كرئيس بالتكليف، وهو اليوم مستشار لدى محكمة التمييز الجزائية.

فقد بحث الكاتب نقاطاً مهمة تتعلق بتأليف محكمة الجنايات، وكيفية وضع يدها على الدعوى العامة، والاعمال التي تمهد للمحاكمة امامها.

كما يبحث الكاتب  في الفصل الثاني اعمال المحاكمة:

اصول تبليغ المتهم في القضايا الجنائية قرار مهل اصول إصدار قرار المهل...

 التحقيق الاضافي قبل بدء المحاكمة امام محكمة الجنايات...

صلاحيات رئيس محكمة الجنايات...

مبادئ العلنية والشفافية والوجاهية في المحاكمة الجنائية ...

الطرق الخاصة في الاستجواب...

الفصل الثالث إختتام المحاكمة الجنائية وإصدار الحكم وآثاره...

الاصول الواجب مراعاتها بعد إختتام المحاكمة الجنائية...

إصدار الحكم وشكلياته...

الفصل الرابع اصول محاكمة المتهم الفار من وجه العدالة...

القسم الثاني:

الفصل الاول اسباب تمييز الاحكام الصادرة في القضايا الجنائية...

الفصل الثاني إجراءات وشكليات إستدعاء التمييز وفرقاءه...

الفصل الثالث اصول المحاكمة امام المجلس العدلي...

الفصل الرابع خلاصة البحث واقتراحات تشريعية...

وما يميز الكتاب، دخول الكاتب بأدق التفاضيل، والتي يحتاجها الباحث وخصوصاً المحامي لدى تفتيشه عن نقطة قانونية او عن معلومات حول نقطة إجرائية او شكلية خصوصاً تلك المتعلقة بسير المحاكمة وما يحصل داخل الجلسة.

ويعالج المؤلف نقاطاً دقيقة وعملية تتعلق مثلاً بكيفية وضع المحكمة يدها على الملف بصورة اصولية، والنظر في الجرائم ذات الوصف الجنائي وفي الجنح المتلازمة معها. كما عدم امكانية النظر في اي فعل جرمي لم يتناوله قرار الاتهام او ان تحاكم شخصاً لم يتهم فيه. وسلطتها الواسعة في إعطاء الوصف الصحيح للفعل.

كما بحث المؤلف في تشكيل هيئة المحكمة، وما يدون في محضر المحاكمة، وكيف يتم إعداد الملف وما يجب ان يتضمنه. كل ذلك مع الاخذ بعين الاعتبار الاستجواب التمهيدي.

أما بعد ورود الملف امام محكمة الجنايات فيتحطم الستار السري الذي كان يحيط بالتحقيقات على حد قول المؤلف، ويمكن تصوير الملف من قبل الفرقاء.

ويبحث المؤلف تفاصيل تتعلق بتوكيل محام، وبقرار ضم قرارات الاتهام بدعوى واحدة وكذلك بتفريق الملف. كما يبحث في اصول التبليغ، وقرار المهل، وبالتحقيق الاضافي، وصلاحيات رئيس المحكمة مع امثلة وتفاصيل دقيقة.

ويبحث في مبادئ العلنية والشفافية والوجاهية، كما يبحث في كيفية استماع الشهود، والتزام المتهم الصمت مع امثلة عملية مفيدة، والاصول الواجب مراعاتها بعد اختتام المحاكمة الجنائية.

كما يدخل المؤلف في ادق التفاصيل المتعلقة بأسباب التمييز مع امثلة عملية.

ويفرد المؤلف عدة صفحات حول اصول المحاكمة امام المجلس العدلي، خاتماً كتابه بخلاصة البحث والاقتراحات التشريعية بعد الاضاءة على ثغرات قانونية، مشدداً على ان نص المادة 243 أ.م.ج. هو الاكثر حاجة الى التعديل والتحديث التشريعي، خصوصاً ما يتعلق بالقرارات التي يمكن لمحكمة الجنايات اتخاذها قبل الفصل بالدعوى، والتي تتنوع بين قرارات قضائية واخرى تتخذ الطابع الاداري، وخصوصاً تلك المتعلقة بالقاصرين.

وفي الخلاصة، فإن كتاب محكمة الجنايات للقاضي هاني الحبال هو من المؤلفات القيمة التي يعود اليها الباحثون ورجال القانون، لما تضمنه من معلومات قانونية وعملية.

                                                                  نقيب المحامين السابق في بيروت

الأكثر قراءة

أسبوع حاسم لملف السلاح الفلسطيني داخل المخيّمات أورتاغوس في زيارة أخيرة الى لبنان قبل مُغادرة منصبها تفاهم لبناني ــ عراقي على تشكيل لجان تجاريّة ــ سياسيّة ــ أمنيّة