بحثت القاضي المنفرد الجزائي في بيروت الرئيسة فاطمة جوني نقطة تتعلق بما كتبه احد الوزراء السابقين على الصفحتين العائدتين له عبر تطبيق تويتر وموقع فايسبوك ضد قاضية، فاعتبرت ان فعل المدعى عليه لناحية وصف المدعية بالعانس التي لا يتعين تعيينها في مركر حساس بالنظر لرغبتها بالانتقام وفقا لعلم النفس، ومن العار بقاؤها في القضاء، وذلك بمعرض قيامها بوظيفتها، وبالوسيلة المنصوص عليها في البند الثاني من المادة 209 من قانون العقوبات، يستجمع عناصر الجرم المنصوص والمعاقب عليه في الفقرة الاولى معطوفة على الفقرة الثانية من المادة 383 من قانون العقوبات. وقضت بإدانته.
ومما جاء في الحكم الصادر بتاريخ 29/5/2025.
اولا: في الوقائع
تبين ان المدعية كانت تشغل منصب نائبة عامة إستئنافية في محافظة النبطية، فاتخذت قراراً بتوقيف إحدى المدعى عليهن في معرض تحقيق جار بإشرافها، وان المدعى عليه قد ساءه القرار المذكور، فكتب على الصفحتين العائدتين له عبر تطبيق تويتر وموقع فايسبوك العبارات التالية: "من العار على لبنان ان تبقى القاضية التي اوقفت المرأة العجوز والمريضة في النبطية ان تبقى في السلك القضائي. برسم التفتيش القضائي.
أنصح مجلس القضاء بعدم إعطاء مراكز حساسة وعلى تماس مع الناس للعانسات لان الامر يتحول عندهن الى انتقام من كل شيء هكذا يقول علم النفس.
هل اصبحت هيبة الدولة متوقفة على العجوز خ. لتدعي عليها ا. والى متى سيبقى مجلس القضاء متفرجاً على المهزلة.
لو كان عندكم حس إنساني لتظاهرتم امام مكتب هذه القاضية بدل ان تجلسوا وتتفلسفوا حول حقوق المرأة التي احترمها حتما اكثر منكم.
بعض التافهين استفرهم الكلام عن القاضية ولم يستفزهم توقيف القاضية لإمرأة عجوز ومريضة إنكم (كلمة غير واضحة) بأمراض نفسية وعقدكم لا (كلمة غير واضحة) احقر البشر.
وتبين ان المدعية قد طلبت إدانة المدعى عليه بمواد الادعاء، وإلزامه بخمسماية الف دولار اميركي كبدل عطلها وضررها، وبنشر الحكم في الموقع عينه الذي اساء به لها، وفي ثلاث صحف محلية في ضوء جسامة الاساءة وخطورة التطاول على القضاة والقضاء.
وتبين ان المحكمة قد استجوبت المدعى عليه، فأكد على انه يكن للمدعية كل الاحترام والتقدير، وعلى انها من افضل القضاة في لبنان، نافيا وجود اي خلاف شخصي بينه وبينها، وعلى ان قرارها بتوقيف امرأة عجوز ومريضة بالسرطان يسبب مخالفة بناء قد استفزه، لاسيما في ضوء عدم ملاحقة الكم الهائل من جرائم المخالفات والرشي، واضاف بأنه لم يعد يذكر ما اذا كانت التغريدات المدونة اعلاه قد صدرت عنه لانه محاها، ولكن الجو العام الذي حصلت فيه تلك التغريدات تجعله، يعتقد بأنها صدرت عنه، وبأنه لا يعتبر كلمة "عانس" تختزن اساءة لشخص المدعية لانها تعبر عن حالة اجتماعية، وبأنه لم يكن يعلم ان المدعية عازبة، وبأن كل ما يعرفه عنها انها قاضية مستقيمة، وبأن كلامه جاء تأثراً بالرأي السائد في البلد في حينه، وبأنه يعتبر ان عمله يتطلب الاضاءة على اي فساد في القضاء، وبانه لديه العديد من التغريدات التي يشيد بها بالقضاة، وبأنه يعتذر عن كل اساءة شخصية صدرت عنه بحق المدعية، وبأنه سيقوم بفعل ايجابي لتصحيح ما صدر عنه، وطلب من المحكمة تطبيق قناعتها، هذا وقد تقدمت وكيلته بمذكرة طالبة فيها إبطال التعقبات عن المدعى عليه لعدم توافر عناصر الجرائم المدعى بها، مشددة على ان قرار المدعية بتوقيف امرأة عجوز ومريضة استدعى في حينه تحركا إعلامياً تعاطفاً مع تلك المرأة، ومدلية بأن موكلها لم يكن يستهدف المدعية بشخصها وإنما موقفها المتشدد في تلك القضية في ضوء عدم قمعها عشرات المخالفات الاخرى، بل كان يخاطب ضمير السلطة القضائية، وضمير الشعب اللبناني والضمير الرحوم الانساني، سيما وانه كان بالامكان معالجة امر المخالفة بشتى الطرق القانونية غير التوقيف في مثل هذا الوضع الحرج.
وتبين ان المدعى عليه، الذي صرح امام المحكمة بنية القيام بما من شأنه تصحيح ما صدر عنه تجاه المدعية، لم يبرز قيامه بذلك، مكتفيا بالتعبير عن احترامه وتقديره واعتذاره للمدعية امام المحكمة، بالرغم من ان العبارات الصادرة عنه قد دونها على مواقع التواصل الاجتماعي التي يطلع عليها متابعوه، وعددهم يفوق المليون على حد ما ورد على لسانه في محضر ضبط المحاكمة.
ثانيا: في الادلة
تأيدت هذه الوقائع
بالادعاء
بالتحقيقات كافة
بصور التغريدات الموجودة في الملف
بمجريات المحاكمة العلنية.
ثالثا: في القانون
حيث ان المدعى عليه يبرر تغريداته المسندة اليها شكوى المدعية بكون عمله يتطلب منه الاضاءة على الامور المتعلقة بالرأي العام والمنطوية على اي خلل في عمل القضاء.
وحيث اذا كان صحيحا انه لكل انسان، وليس فقط للمدعى عليه انطلاقا من طبيعة عمله في الشأنين العام والسياسي، الحق بالتعبير عن رأيه قولا وكتابة، وهو حق لصيق بالشخصية الانسانية ومن الركائز الاساسية للمجتمعات الديمقراطية، وقد كفله الدستور فضلا عن المواثيق الدولية، إلا ان ذلك لا يعني انه يمكن ممارسة هذا الحق بصورة متحررة من اية قيود او ضوابط ، وتلك القيود او الضوابط لا يمكن فرضها إلا انطلاقا من نصوص القانون وفي حدود تلك النصوص فقط، ومن ضمن تلك الضوابط هو عدم جواز تحقير الاخرين او انتهاك كراماتهم في سياق ممارسة حرية التعبير.
وحيث ان المدعى عليه لم يكتف في تغريداته بالتعبير عن رأيه بما اعتبره خللاً في قرار القاضية المدعية، علما بأن اي خلل او عيب في مطلق قرار قضائي يصحح في حال وجوده من خلال سلوك طرق المراجعة المتاحة قانونا، وليس من خلال التشهير بمصدره او من خلال تحقيره، فحرية الرأي والتعبير لا يمكن بأي حال من الاحوال ان تعطي الانسان الحق بارتكاب ما جرمه القانون الجزائي.
وحيث ان المدعى عليه لم يكتف بمناشدة السلطة القضائية بالتدخل لمعالجة الامر، بل وصل به الامر الى اعتبار بقاء المدعية في القضاء عاراً، والى وصفها بالعانس التي يتعين حرمانها من تولي اي مركز حساس في القضاء انطلاقا من علم النفس الذي يقول بتحول الامور لدى العانس الى انتقام.
وحيث ان المدعى عليه يدلي بأن كلمة عانس تعبر عن حالة اجتماعية ولا تتضمن اي تحقير او ذم بحق المدعية، علما بأن تغريداته عينها اتت لتبين انه لم يستعمل تلك الكلمة للتعبير فقط عن حالة اجتماعية تتمثل بالعزوبية اي عدم الزواج، بل استعملها للنيل من المدعية وطالما ان علم النفس، ووفقاً لكلامه، يشير الى رغبة الانتقام لدى العانس، وطالما انه طالب صراحة في كلامه بعدم إيلاء العانسات اية مراكز حساسة.
وحيث وفي عطف على ما تقدم، فإنه من المعروف في مجتمعاتنا الشرقية ان المرأة غالبا ما تتعرض للإساءة من خلال استغلال وضعها الاجتماعي، فمن تبقى عزباء ينادونها بالعانسة ومن تنفصل عن زوجها يعيرونها بكونها مطلقة، وكأنما ذلك الوضع الاجتماعي هو عار يلاحقها او نقيصة تحط من قدرها وشأنها او وصمة تنال من اهليتها لتولي بعض المهام، ومن هنا باتت كلمة "عانس" من النعوت التي تختزن حتما نوعا من الاهانة لكل امرأة استنكفت عن الزواج متى تضمنت دلالات اجتماعية سلبية ومتى نعتت بها المرأة في سبيل النيل من قيمتها ودورها في المجتمع كما هو الحال في الدعوى الراهنة.
وحيث ان فعل المدعى عليه لناحية وصف المدعية بالعانس التي لا يتعين تعيينها في مركر حساس بالنظر لرغبتها بالانتقام وفقا لعلم النفس، ومن العار بقاؤها في القضاء، وذلك بمعرض قيامها بوظيفتها، وبالوسيلة المنصوص عليها في البند الثاني من المادة 209 من قانون العقوبات، يستجمع عناصر الجرم المنصوص والمعاقب عليه في الفقرة الاولى معطوفة على الفقرة الثانية من المادة 383 من قانون العقوبات.
وحيث انه يقتضي نشر الحكم سندا لاحكام المادة 389 من قانون العقوبات معطوفة على المادة 68 منه.
وحيث وبالرغم من ان سمعة الانسان لا تثمن وكرامته لا "تقرش" فإنه وكما لا مفر من العقاب لا بد ايضا من تعويض، وهو تعويض يبقى، ومهما بلغت قيمته قاصراً عن رفع الاضرار المتأتية من فعل المدعى عليه، وعاجزاً عن التعادل معه، والمحكمة ترى تحديده بمبلغ مليار ليرة لبنانية.
وحيث انه بالتوصل الى هذه النتيجة تصبح مناقشة اي امر زائد او مخالف نافلة، ما يوجب رد ايهما.
لذلك
وسنداً للمادة 196 من قانون اصول المحاكمات الجزائية، تحكم:
اولا: بإدانة المدعى عليه و. المبينة كامل هويته اعلاه بالجنحة المنصوص عليها في المادة 383 من قانون العقوبات وبحبسه شهرين، وبنشر الحكم برمته على نفقته في جريدتي النهار والاخبار.
ثانيا: بإلزامه بأن يدفع الى المدعية مبلغ مليار ليرة لبنانية كبدل عطلها وضررها.
ثالثا: برد الزائد ورد المخالف وبتضمين المدعى عليه النفقات كافة.
حكما وجاهيا في حق الفريقين، يقبل منهما الاستئناف، صدر ولفهم علنا في بيروت في تاريخ 29/5/2025.
*نقيب المحامين السابق في بيروت
يتم قراءة الآن
-
الضاحية تحت النار بتواطؤ اميركي: نتانياهو يريد الحرب؟ الجيش يفضح اكاذيب <اسرائيل>..كشف ميداني ولا سلاح عون: لبنان لن يرضخ أمام «صندوق بريد الدم»!
-
عتب في لقاء الـ45 دقيقة ... سلام يستحضر الهتافات... والحزب يردّ : النجمة لا العهد!
-
لبنان أمام خطر المصير
-
الحكومة تفرض والناس تتألم... ولا عدالة في توزيع الأعباء ملف اعادة الاعمار يأخذ منحى جديا... وسلاح المخيمات: معركة قد تتأجل؟
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
12:47
طوارئ الصّحة: غارة الجيش الإسرائيلي على بلدة عين قانا قضاء النبطية أدت إلى إصابة ثلاثة مواطنين بجروح
-
10:15
عدد من الغارات الجوية الإسرائيلية تستهدف شرقي حي التفاح شرقي مدينة غزة
-
10:15
الجيش اللبناني: دأب العدو في المرحلة الأخيرة على تصعيد اعتداءاته ضد لبنان مستهدفا مواطنين وأبنية سكنية ومنشآت في مناطق مختلفة
-
10:14
استشهاد طفل برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي غربي مدينة خان يونس جنوبي القطاع
-
10:14
انتشال شهيد من جراء القصف الإسرائيلي على بلدة عبسان الكبيرة شرقي مدينة خان يونس جنوبي القطاع
-
10:14
اشتعال النيران بعدد من المنازل من جراء القصف المدفعي الإسرائيلي على محيط جبل الصوراني وجبل الريس شرقي حي التفاح شرقي مدينة غزة
