اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

في لحظة تماهى فيها وهج الغروب مع زرقة البحر، وتحوّلت الضبية إلى مسرح مفتوح على الضوء والحلم، نظّمت الجامعة اللبنانية الأميركية (LAU) عرض تخرّج طلاب برنامج تصميم الأزياء في مجمّع Ociel، مساء الأربعاء، في حفلٍ اتّسم بأجواءٍ ساحرة، وامتزج فيه الإبداع بالهواء الطلق والبحر المفتوح.

تحت عنوان "Panorama"، وبالشراكة المستمرة مع دار المصمم العالمي إيلي صعب، قدّم 15 مصممًا ومصممة من دفعة 2025 مجموعاتهم النهائية، في عرض استثنائي اتّسم بالتنوّع، الحرفيّة، نقل الحاضرين إلى عوالم متعدّدة من الرؤية والابتكار، حيث انعكست الأقمشة والقصّات تحت نور الغروب، حيث عبّر كل طالب عن رؤيته الخاصة، كمنظور بانورامي يعكس تعددية الجمال والإبداع، ويجسّد إرادة الحياة والإيمان بالمستقبل رغم التحديات.

وشارك في الأمسية عدد من الشخصيات الأكاديمية والدبلوماسية والثقافية، تقدّمهم المصمم إيلي صعب، رئيس الجامعة الدكتور شوقي عبدالله، أعضاء مجلس الأمناء، الوكيل الأكاديمي الدكتور جورج نصر، نواب الرئيس، عميد الكلية الدكتور إيلي حداد، إيلي صعب جونيور، أساتذة البرنامج، ولفيف من المهتمين وأهالي الخريجين.


وقبيل انطلاقة الحفل، كان لـ "الديار" حديث مع جلال مغربي، فرد من الهيئة التعليمية وأحد منسقي الحدث، كشف فيه أنه "حين انطلقت عرض الأزياء تحت عنوان "Panorama"، في تشرين الثاني الماضي، كانت الظروف المحيطة بالطلاب تعيش أوقاتًا عصيبة وسط تداعيات الحرب، ما جعل احتمال إقامة هذا الحدث يبدو بعيدًا وغير مؤكد".

وأشار إلى أنه "خلال تلك المرحلة، لاحظ القائمون على البرنامج كيف تأثر الناس بشكل مختلف ومتباين جدًا من نفس الحدث، وهذا التباين انعكس بوضوح في الأعمال الإبداعية التي قدمها الطلاب".

وقال مغربي أن "عنوان "Panorama" يعبّر عن تلك التعددية في الاستجابات العاطفية والفكرية تجاه الأزمة، ويجسد التحدي الكبير المتمثل في الاستمرار بالابتكار والإبداع رغم الصعوبات. فالبرنامج يوازن بين النهج المفاهيمي والتجريبي مع لمسة من الواقعية، مستلهمًا جزءًا من رؤيته من التعاون مع المصمم العالمي إيلي صعب".

وأكد أن "هذا العرض لا يهدف فقط إلى عرض تصاميم جمالية، بل هو تعبير حيّ عن مشاعر كل مصمم، حيث يُنقل الحضور إلى عوالم متنوّعة من الرؤية والابتكار التي تجسدت في كل قطعة على المنصة".

وشدد على أن "التنوع هو جوهر العرض، إذ يشعر كل طالب بحافز داخلي عميق يدفعه لأن يُجسد رؤيته الفنية بكل تفاصيلها".

وسبق انطلاق عرض الأزياء، معرض خاص لأعمال طلاب البرنامج من مراحل مختلفة، حيث استعرضوا مجموعات متنوعة تمثل أفكارًا وتصاميم مختلفة، كل منها يحمل عنوانًا فنيًا فريدًا. هذا المعرض لم يكن مجرد استعراض للأزياء فحسب، بل كان تجسيدًا لرحلة إبداعية غنية بالتجارب والأساليب المتعددة التي مرّ بها الطلاب، ما عكس التنوع والتطوّر الفني المستمر.

وشكّل هذا الحدث التمهيدي منصة مثالية للتفاعل مع رؤى متجددة، ومهدّ الطريق بشكل مميز لعرض التخرّج تحت عنوان "Panorama"، الذي جمع بين الابتكار والتنوّع ليعكس روح المرحلة الراهنة.

وفي كلمته الافتتاحية، اعتبر رئيس الجامعة الدكتور شوقي عبدالله أن البرنامج تحوّل خلال 12 عاماً من مبادرة أكاديمية إلى مرجع إبداعي رائد، قائلاً إن "ما نشهده اليوم ليس عرض أزياء فحسب، بل منصة تعبّر عن فكر جريء، يتحدى التقاليد ويطرح رؤى جديدة في صناعة الموضة".

ووجّه شكره العميق للمصمم إيلي صعب على دعمه ورعايته للبرنامج، مشيدًا بجهود الأساتذة والطلاب، ومؤكدًا أن LAU باتت تحتضن طاقات تصميمية بمستوى عالمي.

من جهته، خاطب إيلي صعب جونيور الخريجين بكلمات تشجيعية، مثنيًا على صمودهم وسط الأزمات، قائلاً إن "تخرجكم ليس النهاية بل البداية. أنتم الآن في نقطة الانطلاق لتحديات أكبر، ونحن ملتزمون بمرافقتكم وتحويل شغفكم إلى فرص مهنية حقيقية".

وأضاف أن "هذا البرنامج هو أكثر من شراكة تعليمية، هو التزام برعاية المواهب اللبنانية وصناعة مستقبل إبداعي واعد".

بدوره، أوضح عميد الكلية الدكتور إيلي حداد أن عنوان العرض استُلهم من طبيعة المكان: البحر المفتوح، الأفق الواسع، والاحتمالات اللا محدودة.

وأشاد بمرونة وإبداع الخريجين، مسلطًا الضوء على اعتماد البرنامج تقنيات الذكاء الاصطناعي للمرة الأولى في مراحل التصميم، والتعاون المستمر مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة في إطار الاستدامة.

واعتبر حداد أن حضور إيلي صعب كـ "رئيس فخري للبرنامج" يضفي بُعدًا ملهمًا على التجربة الأكاديمية، مؤكّدًا أن عرض التخرّج بات "علامة سنوية تُنتظر في أجندة الموضة اللبنانية".

وفي نهاية العرض، تمّ توزيع جوائز تقدير على أربعة من الطلاب:

• نور عز الدين: جائزة لجنة التحكيم – مقدّمة من إيلي صعب

• سيرين قبيسي: جائزة التميّز في الحِرَفية – مقدّمة من مديرة البرنامج سيليا أبو عربيد

• هادي صالح: جائزة التميّز في تطوير الأفكار – مقدّمة من الدكتور شهيد عاقوري

• شيماء الضناوي: جائزة "ضربة قلب" (Coup de cœur) – وهي جائزة جديدة خاصة بإيلي صعب

وعقب انتهاء الحفل، كان لـ"الديار" حديث مع نور عز الدين، الفائزة بجائزة لجنة التحكيم، كشفت فيه عن معنى اسم التشكيلة هو Azimuth، "هو مشتق من الكلمة العربية "العِصام" التي تعني "الطريق". وإذا بحثت عن معنى كلمة "Azimuth" على غوغل، ستجد أنها تشير إلى قياس زاوية على البوصلة، تحدد الاتجاهات من الشمال إلى الغرب أو الشرق. وبذلك، تمثل التشكيلة دليلي".

وتابعت أن "كل تصميم في التشكيلة يمثل خريطة لمكان معين، لذا يمكن اعتبار التشكيلة ككل شكلاً من أشكال علم الخرائط — فن رسم الخرائط. إنها بمثابة دليلي أو طريقي للعودة إلى الوطن".

ولفتت غز الدين، التي أجبرتها الحرب "الإسرائيلية" الأخيرة على لبنان إلى ترك منزلها إلى أن "الرحلة نحو ابتكار هذه التشكيلة كانت صعبة، فكثير منا، بما في ذلك أنا وبعض الأصدقاء، اضطررنا للنزوح من منازلنا، وكان البعض الآخر خارج البلاد. ولحسن الحظ، كان أساتذتنا متفهمين وداعمين جداً خلال هذه الفترة الصعبة. وبعد أن استطعنا استيعاب الوضع، حاولنا التركيز على الجانب المشرق، رغم أنني في بعض اللحظات شككت بحدوث عرض الأزياء أساساً. كان دعم الأساتذة حافزاً لنا للاستمرار في العمل".

وأشارت إلى أنه "في البداية، كنا نتواصل عبر اجتماعات زووم، نركز على تطوير مفاهيمنا وبياناتنا الإبداعية، لأننا لم نتمكن من الوصول إلى المواد المادية. وعندما عدنا إلى الجامعة، بدأنا في مرحلة التنفيذ والبناء.

وتابعت أنه "من الناحية الشخصية، وعلى الرغم من عدم توفر أدوات تقليدية مثل المانيكان أو النماذج الأولية، استخدمت الورق لتطوير هذه التشكيلة. رغم كل الصعوبات التي مررت بها، إلا أن التجربة أخرجت أفضل ما فيّ".

أما عن الذكاء الاصطناعي، فقالت عز الدين أنه "على الرغم من الجدل حوله، فهو ليس مختلفاً كثيراً عن منصات مثل غوغل Pinterest أو Instagram، التي تحتوي على صور وتصاميم أزياء كثيرة — فنسخ التصاميم ليس أمراً جديداً"، مشيرةً إلى الجانب الإيجابي للذكاء الاصطناعي في "قدرته على تجميع مراجع مختلفة يحاول المصمم دمجها معاً. تبدأ الرؤية بالمصمم نفسه، الذي يغذي هذه الأفكار إلى الذكاء الاصطناعي، فينتج صوراً تُعد بداية لشيء مادي سيتم تنفيذه لاحقاً".

وتابعت أنه "عندما ينتج الذكاء الاصطناعي صورة، وتختار منها واحدة، فإنه يتخيل نوعية القماش وكيفية انسيابه على الجسم. بعد ذلك تحاول إيجاد قماش مشابه وتقوم بتشكيله، ربما ليس بنفس الطريقة تماماً، لكنها بداية العملية الإبداعية. ما يقدمه الذكاء الاصطناعي ليس المنتج النهائي، بل هو باب يفتح أمام المصمم ليطوّر العمل ويتوسع فيها".

وأكدت أن "هذا يفتح العديد من الأفكار الجديدة لهذا الجيل"، مشيرةً أنه "في الجامعة، تعلمنا كيف نحول هذه المراجع إلى أعمال أصلية وملموسة، وكيفية التفاعل مع الآلة والتواصل معها لشرح ما نريده بالضبط ليس بالأمر السهل. لا يمكنك فقط قول كلمة واحدة فتظهر النتيجة فورًا، بل عليك أن تكتب الكلمات المناسبة بعناية لتحقيق المطلوب."

وشكّل عرض "Panorama" مساحة مفتوحة للتعبير والتجريب، حيث برزت هويّات تصميمية متنوعة، متجذّرة بالثقافة، ومتحرّرة بخيالها.

ففي خضم تحديات العصر وتحولات العالم المتسارعة، أثبتت دفعة 2025 من برنامج تصميم الأزياء في الجامعة اللبنانية الأميركية أن الإبداع لا يعرف حدودًا، وأن الإرادة القوية يمكنها تحويل الصعاب إلى فرص للتميز والابتكار. من خلال دمج الفن والتقنية، واحتضان أدوات مثل الذكاء الاصطناعي، يؤكد هؤلاء المصممون الشباب أنهم ليسوا فقط خريجين بل بناة مستقبل صناعة الأزياء في لبنان والعالم.

الأكثر قراءة

لبنان أمام خطر المصير