حين يتأمل الإنسان في مفهوم العدالة، يدرك سريعا أنها ليست مجرد قوانين تسن أو أحكام تصدر، بل هي شعور داخلي، وميزان فطري، ونداء كوني يهمس في ضمير كل عاقل. لكن هل العدالة، كما نحلم بها، موجودة على الأرض؟ أم أنها مفارقة تتعالى عن تجاذبات الواقع؟ من هنا تبرز فكرة "العدالة المطلقة فوق" كقيمة عليا لا تقاس بالسوابق القضائية ولا تحدد بالمصلحة، بل تقيم فوق كل الأهواء والانحيازات.
في المجتمعات البشرية، العدالة غالبا ما ترتبط بالقانون، لكن القانون ليس دوما عادلا. فقد يكون القانون ثمرة مصالح الأقوياء، أو مرآة لانحيازات ثقافية، أو نتاجا لتاريخ مشوه. فكم من مظلوم حكم عليه بأحكام قانونية صحيحة شكلا، لكنها ظالمة مضمونا؟ وكم من متهم نجا لأن ثغرات القانون حمت موقعه لا براءته؟
العدالة في عالمنا الأرضي نسبية، تتأثر بالسياق والتاريخ والسلطة. هي تتلون بلون من يملك القوة والمال والنفوذ. وهي في أحيان كثيرة تقايض ولا تنصف، تسوى ولا تحقق.
في المقابل، هناك في داخل كل إنسان نزعة نحو تصور العدالة المطلقة، تلك التي لا تفرق بين غني وفقير، ولا تميز بين عرق أو مذهب، ولا تخضع لتلاعب المحامين ولا لتقديرات القضاة ولا الى احكام النصوص. هي عدالة تقف على مبدأ ثابت: كل إنسان يحاسب على فعله لا على اسمه، وينصف بقدر استحقاقه لا بقدر انتمائه.
فهل هذه العدالة موجودة؟ أم هي وهم صنعناه لنهرب من قسوة الواقع؟
في الفكر الفلسفي، رأى أفلاطون أن العدالة هي انسجام الروح والمجتمع معا، وأنها قيمة تنتمي لعالم المثل، ذاك العالم الكامل الذي لا يدرك بالحواس بل بالعقل. أما في الفلسفة الدينية، فقد ربطت العدالة المطلقة بإرادة إلهية لا يشوبها ظلم، فـالعدل أساس الملك هو فقط عند الله عز وجل .
حين نقول إن العدالة المطلقة فوق، لا نعني أنها غريبة عنا أو بعيدة عن متناولنا، بل نعني أنها أعلى من أهوائنا، أرقى من مصالحنا، وأعمق من قوانيننا. إنها المعيار الذي يجب أن نقيس به أفعالنا، حتى وإن لم نبلغها تماما. إنها البوصلة التي تبقي ضميرنا حيا في عالم تكثر فيه مناطق الرماد.
في سعي البشر نحو العدالة، قد نخطئ، قد نتعثر، لكن ما يجعلنا بشرا أحرارا هو أننا لا نتوقف عن السعي. إن العدالة المطلقة تلهمنا لأن نكون أفضل، لا لأنها ارقى دائما، بل لأنها صحيحة دائما.
العدالة المطلقة ليست حلما مستحيلا بل أفقا أخلاقيا يجب أن يضيء طريقنا. هي فوق لأن موقعها هو الضميروالعقل، الحكمة والنية الخيرة، هي في قلب الله.
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
21:40
الديوان الأميري القطري: أمير دولة قطر تلقى اتصالا من رئيس الوزراء البريطاني وبحثا الهجوم "الإسرائيلي" على إيران وخفض التصعيد وحل الخلافات بالدبلوماسية.
-
21:40
الرئاسة الفرنسية: ماكرون أعرب عن قلقه من تزايد استهداف إسرائيل مواقع لا صلة لها ببرنامج إيران النووي والصاروخي.
-
21:40
القناة 12 "الإسرائيلية": طائرة أميركية هبطت اليوم في "إسرائيل" وأجلت دبلوماسيين أميركيين وعائلاتهم.
-
21:27
القناة 12 الإسرائيلية: طائرة أمريكية هبطت اليوم في إسرائيل وأجلت دبلوماسيين أمريكيين وعائلاتهم
-
21:26
إعلام إيراني: استدعاء السفير السويسري في طهران بصفته ممثلا للمصالح الأميركية للاحتجاج على "تصريحات ترامب الاستفزازية"
-
21:23
الرئاسة الفرنسية: ماكرون أعرب عن قلقه من تزايد استهداف إسرائيل مواقع لا صلة لها ببرنامج إيران النووي والصاروخي
