اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


ولكأنّ مصير الشرق الأوسط أن يبقى رهينةً للصراعات والحروب، وتبقى الشعوب هي الضحية الأولى. فبينما تتصاعد حدة التوترات في المنطقة، وتتجه الأنظار نحو الصراع المستعر بين إيران و"إسرائيل"، يلوح في الأفق شبح كارثة بيئية محتملة، قد تُلقي بظلالها الثقيلة على حاضر الشرق الأوسط ومستقبله.

ففي خضم هذه الحرب الشرسة، يزداد الحديث إلحاحًا وخطورة حول مفاعل ديمونا النووي، الواقع في قلب صحراء النقب. إن مجرد التفكير في تعرض هذا المفاعل للقصف الإيراني، ليس مجرد سيناريو حربي، بل هو كابوس بيئي قد يعيد تشكيل جغرافية الحياة في الشرق الأوسط لقرون مقبلة. فما هي الأبعاد الحقيقية لهذه الكارثة المحتملة، وهل المنطقة مستعدة لتحمل تبعات تسرب إشعاعي قد لا يُبقي ولا يذر؟

الإشعاع بلا حدود... ولبنان في دائرة الخطر

في حديث خاص لـ"الديار"، استبعد الخبير البيئي ورئيس حزب "البيئة العالمي" البروفيسور ضومط كامل، إمكان استهداف مفاعل ديمونا بقصف مباشر، نظرا الى الحماية الكبيرة والتقنيات المتطوّرة جدا التي تحيط به، لكنه حذّر من أنه في حال وقوع ذلك، فإن العواقب ستكون كارثية بلا شك.

وأوضح أن أي مفاعل نووي في العالم عندما ينفجر، يُخلّف آثارا مدمّرة ليس فقط على الدولة التي يقع فيها، بل تمتد تداعياته لتشمل دول الجوار، لأن الإشعاع لا يعترف بالحدود الجغرافية أو البيئية. وقال: الإشعاع النووي يتجاوز الحدود، ويتنقّل عبر مسافات شاسعة جدا، قد تصل إلى 1000 أو حتى 5000 كيلومتر في وقتٍ قصير، ما يؤدي إلى تلوّث بيئي وصحي شامل.

واستشهد بانفجار مفاعل تشيرنوبيل في ثمانينيات القرن الماضي، الذي أثّر في نصف أوروبا ونصف آسيا، مشيرا إلى أن تداعياته لا تزال قائمة حتى اليوم ، ولم تختفِ بنسبة 100%.

وفي ما يتعلّق بلبنان، أشار إلى أن البلاد تُعدّ من المناطق الحسّاسة والمهدّدة ، في حال حصول تسرب إشعاعي إقليمي، نظرا الى قربها الجغرافي من فلسطين المحتلة، إلا أنه شدّد في المقابل على أن تضاريس لبنان الجبلية، مثل السلاسل الغربية والشرقية، بالإضافة إلى عمق الوديان وتنوّع التيارات الهوائية، قد تؤدي دورا نسبيا في الحدّ من انتشار الإشعاع داخل بعض المناطق.

ورغم ذلك، فإن هذه العوامل لا تُعتبر حاجزا منيعا، بل تؤدي إلى تفاوت في درجات التلوّث بين منطقة وأخرى، حسب سرعة واتجاه الرياح ونوعية السحب الهوائية المشبعة بالإشعاع. وأضاف: قد تتأثر مناطق ساحلية بشكل أكبر نتيجة انفتاحها على التيارات الآتية من الجنوب، بينما قد تبقى بعض المناطق الجبلية أقل عرضة، ولكن ذلك لا يلغي الخطر، بل يؤكّد ضرورة الجهوزية.

تأثير الإشعاع النووي

في الصحة والزراعة والمياه

وحذّر الخبير البيئي من أن التعرض للإشعاع النووي، حتى بكميات منخفضة، قد يترك آثارا طويلة الأمد على الصحة العامة والبيئة، حيث يتسبب بتلف الخلايا والأنسجة، ويزيد من احتمالات الإصابة بأمراض خطرة كأمراض السرطان، خصوصا سرطان الدم والغدة الدرقية والرئتين. فالأطفال والنساء الحوامل يُعدّون من الفئات الأكثر هشاشة أمام الإشعاعات، نظرا الى حساسية أجسامهم وسرعة انقسام الخلايا لديهم.

أما على المستوى الزراعي، فإن التربة الملوثة بالإشعاع تفقد خصوبتها تدريجيا، وتمتص النباتات المواد المشعة من عمق الأرض، مما يؤدي إلى دخولها في السلسلة الغذائية. هذا النوع من التلوث "البيولوجي" يمكن أن يستمر لسنوات طويلة، مما يُعرّض الحيوانات والإنسان لخطر التسمم الإشعاعي غير المباشر.

ولا يقلّ الوضع خطورة في ما يخصّ الموارد المائية، إذ إن الإشعاع المتسرب إلى المياه الجوفية أو السطحية، قد يؤدي إلى تلوث الشبكات المائية التي تعتمد عليها التجمعات السكانية في الشرب والري. ويؤكّد الخبراء أن إزالة التلوث الإشعاعي من مصادر المياه يُعدّ من أصعب التحديات البيئية، ويحتاج إلى تقنيات معقدة وكلفة باهظة.

غياب خطط الطوارئ

 والمعدات لبنان نوويًا

يعاني لبنان من غياب خطة طوارئ وطنية متكاملة للتعامل مع أي كارثة نووية محتملة، إلى جانب نقص حاد في المعدات التقنية اللازمة لرصد الإشعاعات أو الحد من آثارها. فبحسب الخبراء، توجد بعض الأجهزة المحدودة لمراقبة الإشعاعات وفحص الكتل الهوائية المشبعة بها، إلا أن هذه المعدات غير كافية وغير موزعة بشكل عادل على كل المناطق اللبنانية، بل تقتصر على نقاط محدودة لا تضمن تغطية شاملة في حال حدوث تسرب إشعاعي واسع النطاق.

إلى جانب ذلك، يفتقر لبنان إلى التنسيق المؤسساتي بين الجهات المعنية، مثل الجيش والبلديات ووزارات البيئة والصحة والداخلية، ما يضع البلاد في موقف هشّ أمام أي طارئ بيئي أو نووي. فلا وجود لبروتوكولات واضحة للإخلاء، ولا لتدريبات ميدانية دورية، ولا حتى لآليات استجابة فورية في حال الكارثة.

وفي هذا السياق، شدّد الخبير البيئي على ضرورة التحرك العاجل لإعداد خطط طوارئ مدروسة، تشمل كل المناطق اللبنانية، وتُبنى على أسس علمية وتقنية واضحة. كما دعا إلى الاستثمار في بناء القدرات المحلية، وتوفير أجهزة الرصد الحديثة، وتدريب الكوادر، وتوعية المواطنين، لتفادي السيناريو الأسوأ في حال وقوع حادث نووي أو تسرب إشعاعي. فالكارثة حينئذ لن تعترف بالحدود، ولن تترك مجالًا للارتجال.

في ظل الصراع الكبير الذي يشعل منطقة الشرق الأوسط، يبقى التخوف من تسرب الإشعاع النووي هو الأساس الذي يهدد ليس فقط لبنان، بل كل دول المنطقة. فهذه المخاطر البيئية والصحية التي قد تنجم عن أي حادث نووي، مهما كان حجمه، تتجاوز الحدود الجغرافية وتشمل الأمن الغذائي والمائي والصحي للملايين. ومن هنا، لا يمكن للبلاد أن تبقى في موقف الضعف والهشاشة، بل لابد من اتخاذ خطوات عاجلة وحاسمة لوضع خطط طوارئ وطنية متكاملة، وتعزيز القدرات التقنية والبشرية لرصد ومنع أي كارثة محتملة. فالأمن النووي اليوم هو جزء لا يتجزأ من أمن لبنان الوطني والإقليمي، والاستعداد له ضرورة لا تحتمل التأجيل أو التهاون!

الأكثر قراءة

مواجهة بلا سقف بين إيران و«إسرائيل»... وواشنطن على حافة التدخّل! سفير غربي يحذر من عمل عسكري «اسرائيلي» في الجنوب حتى الأولي برّاك بعد لودريان: لا اعذار للتاخير