في الساعات الأولى من فجر 13 حزيران 2025، سجّلت طهران ردّا عسكريا اعتبره مراقبون "غير مسبوق" ضد أهداف داخل الأراضي "الإسرائيلية"، من بينها مواقع حساسة يُعتقد أنها مراكز استخباراتية وغرف عمليات حصينة. وبينما بدأت المواقع الأمنية والعسكرية تحلل حجم الأضرار، بدا مشهد الإعلام الدولي مغايرا تماما: صمت نسبي، تغطية محدودة، عناوين باهتة، وغياب للصور المباشرة.
ما الذي يجعل حدثا بهذه الخطورة، والذي قد يعيد تشكيل معادلات الردع في المنطقة، يمرّ مرور الكرام إعلاميا؟ الإجابة لا تقف عند حدود السياسة فقط، بل تمتد إلى منظومات السيطرة على الإعلام، والنظريات التي تفسر صناعة الأخبار وانتقائيتها.
في الإخفاء الانتقائي وفق نظرية "حارس البوابة Gatekeeping"، تُعتبر هذه النظرية من أقدم النظريات الإعلامية، وتفترض أن الأخبار لا تصل إلى الجمهور كما هي، بل تمرّ عبر "بوابات" يتحكم بها المحرّرون وصانعو القرار في وسائل الإعلام.
في حالة الضربات الإيرانية "لإسرائيل"، من المرجّح أن هناك "توجيها ناعما"، أو حتى تدخلا مباشرا من الجهات الأمنية "الإسرائيلية" والغربية، لضبط الخطاب الإعلامي. ولأن الكثير من المؤسسات الإعلامية الغربية، لا سيما الأميركية، تلتزم ضمنيا أو صراحة بما يُعرف بـ"الإجماع الوطني" في أوقات الأزمات، فإنها تُهمّش الرواية الإيرانية، وتتجنب إبراز الأضرار داخل "إسرائيل"، وتركّز فقط على "العدوان الإيراني" وخطره.
أما نظرية الأجندة (Agenda Setting) فيها تحدد وسائل الإعلام ما يجب أن نهتم به... ووفق هذه النظرية، فإن وسائل الإعلام لا تقول لك "بماذا تفكر"، بل "ماذا يجب أن تفكر". لذا، فإن تعتيم التغطية على ضربات إيران، يخدم هدفا استراتيجيا يتمثل في:
- نزع الشرعية عن قدرة إيران على الردع.
- الإبقاء على صورة "إسرائيل" كقوة لا تُخترق .
- حصر إيران في خانة "التهديد" دون تمكين سرديتها عن النجاح العسكري أو التكافؤ الردعي.
هنا، تتحول السيطرة الإعلامية إلى أداة سياسية، يتم من خلالها تشكيل وعي الجمهور الدولي بأن "ما حدث ليس مهما كفاية"، وبالتالي لا يستدعي التعاطف أو حتى الانتباه.
في المقابل، هناك تحالف بين الإعلام والأمن، فيصبح الإعلام أداة في الحرب النفسية. وتاريخيا، أثبتت التجارب (من حرب العراق إلى أوكرانيا) أن كثيرا من وسائل الإعلام تتحول إلى امتداد للخطاب الرسمي، خاصة في الأزمات الكبرى. وفي الحالة الحالية، "إسرائيل" لا تريد إظهار ضعفها أمام جمهورها الداخلي أو خصومها، بينما أميركا لا تريد تقوية السردية الإيرانية التي تربك مفاوضات النووي أو تضعف التحالف الإقليمي. أما الدول الأوروبية فهي في موقف حرج بين دعم أمن "إسرائيل" وتجنب تصعيد شامل.
في هذا السياق، يُمارس "قمع ناعم" على الصحافة العالمية، من خلال حجب صور الأقمار الصناعية، تقييد تغطية الصحافيين من الداخل، والاعتماد فقط على بيانات الجيش "الإسرائيلي".
وفي السياق نفسه، سيطرت نظرية "الاعتماد الإعلامي"Media Dependency Theory على التغطية، فوفق هذه النظرية تتزايد سلطة وسائل الإعلام في تشكيل التصورات، كلما زادت درجة اعتماد الناس عليها كمصدر للمعلومة، خاصة في القضايا الغامضة والمعقدة.
وفي غياب تغطية ميدانية حقيقية للضربات، بقي الجمهور يعتمد على الرواية الرسمية "الإسرائيلية" والغربية، والتي قلّلت من حجم الضربات، وركّزت على نجاح القبة الحديدية، وتجاهلت الصور المسربة لأضرار خطيرة في البنية التحتية "الإسرائيلية".
الإعلام هنا لم يكن فقط ناقلًا، بل مساهما في صياغة رواية أحادية تخدم هدفا استراتيجيا: "إيران تهدد، لكنها لا تؤذي".
أما في العالم العربي، فالتكتم له طابع مختلف، يرتبط بالخوف من التصنيف ضمن "محور المقاومة"، ومحاولة اتقاء التوترات مع واشنطن أو "إسرائيل"، والرقابة السياسية التي تفرض سقفا على ما يمكن نشره.
حتى المنصات التي اعتادت نشر الأخبار الإيرانية خففت من لهجتها، وامتنعت عن عرض تفاصيل دقيقة لما حدث، ربما تجنبا للتورط أو لحسابات تخصّ دولها الممولة أو الحاضنة.
ولكن أين الجمهور؟ وما هي مسؤولية الإعلاميين؟ ربما يكون الغائب الأكبرعن هذا المشهد هو حق الجمهور في المعرفة. حين تُخفى وقائع بحجم ما حدث فجر 13 حزيران، لا يعود الأمر متعلقا فقط بالأمن القومي، بل بالتلاعب بالإدراك العام.
المطلوب من الإعلاميين المستقلين والباحثين أن يكشفوا التحيزات البنيوية في التغطية، يسائلوا المؤسسات الكبرى عن معايير النشر والاختيار، ويقدّموا روايات ميدانية ومصادر مفتوحة للمراجعة.
فتكتم الإعلام على نجاح ضربات إيران لا يعني فشل الضربة، بل نجاح المنظومة الدعائية التي أرادت طمس الحقيقة لصالح السردية الأقوى سياسيا.
إن الحرب لم تعد فقط في السماء أو تحت الأرض، بل صارت أيضا على شاشات التلفزة وعناوين الأخبار. ومثلما تحصّن "إسرائيل" غرفها الأمنية، فهي تحصّن أيضا صورتها الإعلامية، لكن الحقائق الصلبة لا يمكن أن تبقى مخفية طويلًا.
يتم قراءة الآن
-
خطف نساء الساحل السوري: كرة النار تتدحرج والشارع يغلي!
-
أبواب جهنم تُفتح ببطء... نتنياهو يفشل في تدمير المنشآت النووية الأساسية ماكرون: لا لإسقاط النظام الإيراني... فـوضى العراق لن تتكرر بقاء اليونيفيل جنوب لبنان: لمنع سقوط الخط الازرق
-
مَن يُنقذ إيران من الضربة النوويّة؟
-
قاصرات في دوامة "فتيات الهوى": ظاهرة إجتماعيّة خطرة تهدّد الأحياء الشعبيّة! مصدر أمني يكشف عن تكثيف الدوريّات ... "الشؤون" تتحرّك... ونقيب مُستشاري الذات يُحذّر!
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
07:27
القناة الـ12 "الإسرائيلية" عن شركة القطارات: أن محطة بئر السبع أغلقت بسبب تعرضها لأضرار بسبب الصاروخ الإيراني.
-
07:24
"هآرتس" نقلا عن مصادر "إسرائيلية": التحقيق فيما إذا كان الحريق في بئر السبع ناجما عن صاروخ اعتراضي أو فشل عملية اعتراض الصاروخ الإيراني
-
07:23
صحيفة "يديعوت أحرونوت": سقوط صاروخ إيراني جنوب "إسرائيل" أحدث أضرارا في شقق سكنية.
-
23:58
جيش الاحتلال "الاسرائيلي" القى قنابل مضيئة فوق الوزاني واستهدف منطقة المحافر على أطراف بلدة عيترون في جنوب لبنان بالقذائف الحارقة.
-
23:46
بوليتيكو عن الرئيس "الإسرائيلي": ما زلنا منفتحين على الديبلوماسية التي يمكن أن تكون جزءا من الحل، وهدفنا الرئيسي هو القضاء على برامج إيران النووية والصاروخية.
-
23:46
بوليتيكو عن الرئيس "الإسرائيلي": تغيير النظام في إيران ليس هدفا لنا لكن إزاحته ستصب في مصلحة الشعب الإيراني.
